عرفت الجديدة توسعا عمرانيا كبيرا منذ سبعينات القرن الماضي وارتفعت وتيرته في السنين الاخيرة نتيجة عدة عوامل ساهمت في زيادة عدد السكان في النصف الأخير من القرن 20 ، حيث انتقل عدد السكان حسب الاحصاءات الرسمية من 55501 نسمة سنة 1971 الى 194934 سنة 2014 وهي الفترة التي عرفت فيها الجديدة ومحيطها تغييرات اقتصادية واجتماعية جوهرية اذ تم توطين عدة مشاريع اقتصادية وصناعية وتعليمية وخدماتية وسياحية بالمدينة ومحيطها ابتدأت بميناء الجرف الاصفر والمركب الصناعي للمكتب الشريف للفوسفاط وفتح جامعة شعيب الدكالي وبناء مؤسسات ومدارس عليا ملحقة بها ،كان لها الاثر الكبير في التحاق عدد كبير من الطلبة من اقاليم اخرى والاهم من ذلك التوسع المضطرد للأحياء الصناعية سواء بالجرف الاصفر و المدينة والنواحي كل هذه العناصر وغيرها من مختلف اوجه الدينامية التي عرفتها المنطقة كان سببا في توافد عدد كبير من المواطنين والمواطنات للاستقرار بها قادمين اليها من القرى والمراكز والمدن المجاورة ومن مختلف مناطق المغرب ، هذا التوافد المكثف اضافة الى التزايد السكاني الطبيعي لأهل المنطقة صاحبه تمدد متسارع للمدينة وتوسع في العمران، واقبال كبير على شراء الاراضي مما ادى الى ارتفاع مضطرد لأثمنة العقارات نتيجة الضغط المتزايد للطلب من أجل تغطية حاجيات السكن وبناء المرافق والتجهيزات الضرورية . أصبح معها المسؤول العمومي مرغما على إيجاد أوعية عقارية لإنجاز مشاريع متنوعة: سكنية؛ تجهيزات؛ مرافق عمومية؛ تهيئات حضرية و غيرها من أجل سد الخصاص وتلبية للطلب المتزايد على العقار الحضري. وغالبا ما كان تتم تلبية الاحتياجات باستحداث تصاميم تهيئة ومخططات جديدة تهدف بالأساس إلى اقتطاع مساحات مهمة من الأراضي الفلاحية و إلحاقها بالمدار الحضري بابخس الاثمان ليعاد تجهيزها وتسويقها بأثمنة خيالية من طرف النخبة التي تمتلك المعلومة وتتحكم في المسار العمراني للمدينة . لقد ترتب عن هذا النمو المفاجئ والمتسارع عدة مشاكل منها ما هو مرتبط بتدبير هذا التوسع الذي تحكمت فيه جهات محدودة تنتمي للقطاع الخاص والقطاع العمومي ، استحوذت على مساحات كبيرة من الوعاء العقاري بالجديدة بأثمنة هزيلة وجعلت عشرات الالاف من الاسر تختار امام الارتفاع الصاروخي للأثمان الالتجاء للسكن العشوائي بجوار المدينة الذي تطور بشكل فاضح قائم على شبهة الفساد والرشوة على شكل تجمعات سكانية غير منظمة ودواوير عشوائية تحيط بالجديدة شمالا وجنوبا وشرقا ، هذه التجمعات اصبحت احدى التحديات الكبيرة لأنها من جهة غير مستفيدة من الخدمات الاساسية من تعليم ومرافق صحية وربط بشبكة التطهير والماء والكهرباء وهو ما تطلب مجهودات جبارة لمحاولة اعادة هيكلتها وادماجها في النسيج الحضري وهي العملية التي لا زالت مطروحة لحد الان ويبدو وجود اكراهات وعراقيل تحول دون ايجاد حل لها على المدى القريب . ومن جهة اخرى ستحاصر هذه الدواوير اي توسع مندمج ومنسجم للمدينة في المستقبل . ان تفاقم ظاهرة السكن العشوائي بجماعتي مولاي عبدالله والحوزية ما زال مستمرا لحد الان ويزحف بسرعة في اتجاه مدينة الجديدة ويحاصرها من مختلف الضواحي المحيطة بها الأمر الذي سيثقل كاهلها مستقبلا وذلك بمجرد توسيع المدار الحضري حيث ان تأهيل وادماج هذه الاحياء العشوائية في النسيج العمراني الحضري للمدينة سيتطلب توفير موارد مالية هائلة تتجاوز الامكانيات الذاتية للمدينة ،ولعل المشاكل والتباطؤ في تأهيل واعادة اسكان الدواوير الخمسة عشر 15 (الغربة المسيرة،لشهب....الخ) هو خير مثال على حجم المصاعب التي يشكلها انتشار السكن العشوائي في جنبات المدينة بكل من الحوزية ومولاي عبدالله ،وذلك بسبب شبهة التغاضي وتهاون السلطات المحلية والمجالس المنتخبة في محاربة هذه الظاهرة ومن المشاكل العويصة الاخرى التي ترتبت عن التمدد المتسارع لمدينة الجديدة غياب النظرة الشمولية عند المسؤولين فقد اطلقوا العنان للخواص وبعض مؤسسات الدولة الذين تحكموا في توسع عمراني مضمونه تجهيز احياء ومساحات لإسكان اكبر عدد ممكن من الناس دون التفكير في المرافق الاساسية من مؤسسات ادارية وتعليمية وصحية وفضاءات خضراء واسواق وملاعب رياضية ودور الشباب ومواقف للسيارات وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية وهو ما سينتج عنه عدة ظواهر سلبية ومشاكل عويصة تقتضي مجهودا كبيرا للتقليل من انعكاساتها على جودة الحياة بالمدينة. وحتى ذاك الحد الادنى من المساحات الذي برمج لهذا الغرض بقي حبرا على ورق مما سمح لملاك الارض الاصليين باسترجاع بعضها بعد مرور 10 سنوات القانونية كما ساهمت بعض القرارات الاستثنائية الملتبسة في ما يتم الحديث عنه ويقتضي التحقيق فيه شبهة تفويت بعض المساحات ومشاريع حدائق صغيرة بالأحياء الى الخواص ناهيك عن غياب تصور عام يراعي الجوانب الاجتماعية والثقافية والحضارية لمجتمعنا فقد فصلت الجديدة بطريقة غير منسجمة تزرع التفرقة بين المواطنين وتضعف اي تفاعل اجتماعي وانساني بين الاحياء فالساكن بحي المطار يجد نفسه غريبا اجتماعيا عند دخوله حي كدية بندريس او البلاتو مثلا كما اصبحنا نلاحظ أن العمارات تنمو بكثافة سكانية عالية ستشكل لا شك بؤرا لكل الظواهر السلبية والأمراض الاجتماعية بسبب جشع المنعشين العقاريين الذين يستفيدون من التواطئات التي تأول القانون بما يخدم هؤلاء المنعشين الذين لا يهمهم ما سيقع في المستقبل الامر الذي سيزيد الامر تعقيدا وسيضاعف من مشاكل قاطني هاته العمارات وستزداد معها مسؤولية القائمين على الشأن المحلي بالمدينة . وزاد من تشويه التطور العمراني بالمدينة عدم الالتزام بتنفيذ تفاصيل المشاريع المسطرة والمتفق عليها وذلك بالقيام بتغييرات في البناء الاصلي وتغيير لأهداف استغلاله بدون ترخيص بسبب غياب اليات التتبع والتقييم والمراقبة وزجر المخالفات كنتيجة لتعدد الأنظمة القانونية، وتعقد مقتضياتها، وتعدد المتدخلين فيها، وتداخل الاختصاصات أحيانا الشيء الذي نجم عنه صعوبة في التنسيق وضعف في التشاور وتهاون في المراقبة و تطبيق القانون. وابرز مثال على ذلك بالنسبة للمشاريع الكبرى هو تهيئة حي المطار بالجديدة من طرف الشركة العامة العقارية فالمتتبع لإنجاز المشروع يلاحظ ان الأهداف المتوخاة منه لم تنجز بالكامل فقد بني المشروع على التزامات لم تنفذ كإحداث نواة حضرية مندمجة في المحيط مع برنامج متنوع (سكن- ادارات-تجهيزات عمومية...) واحداث القطب الاداري لمدينة الجديدة الذي كان من المفترض ان ينجز بجوار الساحة الكبيرة لحي المطار من اجل تحرير كورنيش مدينة الجديدة من الادارات العمومية لتخصيص تلك الفضاءات للمشاريع السياحية مع احداث روابط قوية بين مختلف الاحياء وتهيئ احزمة خضراء وتهيئة مطرح النفايات القديم وتحويله لمنطقة للترفيه كل ذلك تم اهماله وتم الاكتفاء بإنجاز عدد من المجموعات السكنية على شكل عمارات ذات كثافة سكانية عالية لا تتماشى وما عرفه المغاربة منذ القدم في ثقافة البناء والعمران ولا تنسجم مع موروثهم التراثي و الحضاري حيث غابت عن المشروع صور الجمال و الإبداع الفني و الرقي على مستوى تنظيم الوظائف والمهام بهذا الحي الذي اصبح غابة اسمنتية فاقدة لأية هوية ومستنبتا لكل الظواهر السلبية التي تنمو بسرعة وستشكل تحديا كبيرا في المستقبل على المستوى الامني بالخصوص وجودة الحياة بشكل عام. وبأحياء اخرى تم الترخيص بتهيئة تجزئات سكنية بخلفية واحدة هي تكديس المزيد من الشقق والمحلات التجارية باقل تكلفة ممكنة على مستوى التجهيزات الاساسية من انارة وفضاءات خضراء ومواقف للسيارات ....الخ فلا لون يعلو فوق لون الاسمنت و لون صباغة الاسوار اذا نادرا ما يصادف المرء بعض الشجيرات المتفرقة وبعض المساحات الصغيرة مخصصة في الاصل كفضاء اخضر تتكدس بجنباتها النفايات وتنمو بها بعض الشجيرات والاعشاب بشكل عشوائي . من المشاكل الملاحظة ايضا عدم احترام الوثائق التي على اساسها تم الترخيص لأحداث بعض التجزئات السكنية ، و بعض تراخيص البناء حيث يحدث المنعشون العقاريون والخواص تغييرات غير موجودة في التصاميم وتتغافل عنها لجن المراقبة ورخصة السكن وشهادات المطابقة التي تغمض هذه اللجن عيونها عن ذلك.كما ان المسؤولين عن التعمير والمجالس البلدية المتعاقبة على تسيير المدينة كثيرا ما تجاهلوا او تحايلوا على قوانين التعمير خصوصا القانون رقم 25-90المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات .حيث تنص المادة 18 منه على انه لا يجوز الاذن في احداث تجزئات عقارية الا اذا كانت مشاريعها تنص على عدة شروط من بينها تهيئة المساحات غير المبنية كالساحات والمناطق الخضراء والملاعب ، وهو قليلا ما يتم فواقع الحال يثبت العكس ، حيث وصل الامر الى الاستحواذ على المساحات التي خصصت في البداية كمساحات خضراء و المساحات التي تدخل ضمن الاسقاطات العمومية والتي غالبا ما تكون مساحات مجددة ومعلومة بتصميم المسوحات الطبوغرافية الأصلية للمدينة ، فيتم التحايل عليها لتتحول إلى ملكيات في اسم أشخاص بقدرة قادر . ومن ابرز الاختلالات كذلك عدم احترام مخططات التهيئة وعدم تنفيذ المشاريع المقررة فعلى مستوى المساحات الخضراء مثلا كان من المفروض ان تتوفر الجديدة على ما يناهز 500 هكتار من الحدائق العمومية والمساحات الخضراء وهو مجموع ما برمج منذ الاستقلال الى الان (بما فيها الشريط الاخضر لوقاية المدينة من اثار التلوث وتحويل المطرح القديم لمنتزه..) اذ ان حصيلة ما انجز هو ما يقارب 25 هكتارا جله ورث عن الاستعمار (حديقة محمد الخامس – الحسن الثاني – سيدي الضاوي ....الخ) وفي نفس السياق تم تسجيل عدة مخالفات كبيرة كالترخيص بإنجاز بنايات على مساحات مخصصة لإنجاز شارع مبرمج بمخطط تهيئة المدينة (حي السلام ). وفي ضل الفوضى والعشوائية التي طبعت تسيير الشان العام منذ ثمانينات القرن الماضي الى الان تم الترخيص بانجاز تجزئات سكنية لم تراع الضوابط القانونية مما جعلها تعيش مشاكل عويصة يصعب حلها . هذا المنتوج الاسمنتي يزداد به الوضع سوءا ويمكن ان نذكر في هذا الصدد على سبيل المثال لا احصر فتح ابواب بأسوار الشقق السفلية لبعض العمارات وتحويل اجزاء منها لمحلات تجارية لبيع الحرشة والمسمن وترييش الدجاج وغيرها من الحرف بدون اي ترخيص واضافة بنايات باسطح المنازل يقع كل ذلك امام اعين المسؤولين وبتواطئ تام مع بعضهم من منعدمي الضمير مقابل اتاوات ورشاوي ، بل ان بعض المنتخبين ببلدية الجديدة خصوصا في المراحل السابقة تاجروا بعدة ترخيصات هنا وهناك فتحولت مناضر بعض الزقاق والاحياء الى مشهد بشع وفضاء يتعالى منه الضجيج والضوضاء مما يضر براحة السكان وهدوء المكان. كما لا يجب ان ننس الاشارة الى استنزاف الوعاء العقاري اما بتفويته لإنجاز مشاريع تجارية وخدماتية خاصة بدون دراسة المردودية المستدامة والحقيقية لفائدة المدينة وعموم ساكنتها . و غياب اي ابداع لاستغلال امثل للساحات والفضاءات العمومية فساحة البريجة وكورنيش الجديدة مثلا كان من الممكن انشاء طابق تحت ارضي بهما لركن السيارات (مثال ما انجز في طنجة) علما ان ركن السيارات خصوصا في فصل الصيف اصبح مشكلا يؤرق زوار المدينة وساكنتها ... الم يحن الوقت بعد لايقاف النزييف اصلاح ما يمكن إصلاحه ؟ محمد فتحي