أن تكتب وأنت في أول العمر فذلك عاديّ ، لأنك ستقول مستقبلا إنها مجرد كتابات للتدريب والتجريب ليس إلا .. لكن أن تكون في عمر الطفولة وتقنع بل تلفت نظر واهتمام دور النشر من أجل نشر كتب لك، فهذا يدخل في باب الاستثناء دون أي تحفظ .. والأديبة السورية الطفلة هيا قره كهيا قد أدهشت العالم من حولها ، القريب والبعيد، بدخولها مجال التأليف والنشر وهي في التاسعة من العمر ، ثم لتنال الجائزة الأولى في مسابقة ” أجيال عن قصتها ” من أرسم؟؟” في العام 2007 وهي القصة التي كتب عنها الكثير كونها تدخل أدب الأطفال بصورة جديدة مبتكرة قائمة على الحوار والمنطق والإفادة والإمتاع والإقناع من خلال حوار تجريه بطلة القصة مع الحيوانات التي تكون رافضة لأشياء كثيرة في البداية ، ثم تدخل حيز الاقتناع بتدرج الحوار ومنطقيته .. والجميل من الكاتبة الطفلة هيا قره كهيا المولودة بتاريخ 6/8/1997 أنها أصبحت صاحبة عدة أعمال مطبوعة ، حيث صدر لها حديثا عن دار وجوه للطباعة والنشر كتابان الأول ” الكلب الذي يريد أن يبقى كلبا ” والثاني ” القنفذ الشجاع ” وكان قدر صدر لها من قبل خمسة كتب هي ” امرح ولون مع هيا ” 2009 ..” من أرسم ” 2010 ... ” الكنز الذي معك ” 2010 ...” اهرب قبل الفجر ” 2010 ..و” صديقتي الفضائية ” 2010 لتكون أصغر كاتبة عربية دون منازع يضاف لذلك أنها الكاتبة الوحيدة بهذا العمر والتي تملك رصيدا من المؤلفات المطبوعة .. وكل كتبها التي ذكرت مخصصة وموجهة للطفل ، مما يجعل هيا أصغر كاتبة للأطفال أيضا ، بل متخصصة بأدب الأطفال بصورة مدهشة كونها تكتب عن الطفل وللطفل من عالمه الذي تعيشه .. فسبعة كتب لمؤلفة بهذا العمر يعدّ شيئا لافتا ومثيرا ومستحقا باعتقادي لعضوية اتحاد الكتاب العرب في بلدها سورية ، بعد أن نالت من الجوائز والتكريم ما يكفي .. فمثل هذه العضوية ستعطي دافعا وتشجيعا مهمين لكاتبة سورية سجلت حضورها كأصغر مؤلفة وكاتبة بامتياز .. وهي تحقق شروط العضوية ، متجاوزين مسألة العمر طبعا وهذا شيء لصالحها كما ذكرت، لأن العضوية تحتاج لكتابين من جنس أدبي واحد ، وهيا تملك سبعة كتب في أدب الأطفال .. يقول الكاتب أحمد زرزور في مقال له ” إن هيا وهى ابنة الكاتبة والإعلامية السورية لبنى ياسين ، وحفيدة الشاعر الكبير محمود ياسين ، تثبت لنا ، فيما قرأنا لها من قصص : مدى تحقق ما طرحه الناقد والكاتب والباحث المتخصص في الكتابة للأطفال الدكتور عبد الرزاق جعفر، من مفاهيم حول : سيطرة الأطفال على شخوص وتفاصيل حكاياتهم التي تبدأ مسرودة في أذهانهم بكل وضوح ، قبل أن يحولوها إلى كلمات تتحرك أمامنا على السطور ، مثيرة فينا الدهشة والانبهار بالمدى الخيالي المنطلق الذي تدور فيه الأحداث ، بينما لا يشعر الأطفال – سواء المبدعون منهم ، أو القارئون – بما نشعر به نحن الكبار ، لسبب بسيط جدا ، وهو : أنهم يتعاملون مع أبطال وأحداث حكاياتهم على أنها مجرد لعبة يضخون فيها قيمهم وأفكارهم ، ربما لكي يستطيعوا تجميل الواقع ، أو التعايش معه ” ويقول أيضا :” ففي قصة ” من أرسم ” على سبيل المثال ، و التي تتميز بالتفرد الابتكارى ، تضع الكاتبة الصغيرة أيدينا على أحد مستويات التنوع الخلاق على ظهر كوكبنا الأرضي ، والذي يتسم بالجمال والجدوى في وقت واحد ، مشيرة بذكاء إبداعي لافت إلى أهمية الاختلاف في الشكل واللون بين جميع المخلوقات، والتي تتشارك معا : في حق الحياة ، وأن الوجود إذا ما افتقد هذا التنوع، لافتقد جاذبيته وجماله وسحره . ” وتقول الروائية والقاصة السورية المعروفة لبنى ياسين : ” بدأت ابنتي هيا الكتابة وهي في الصف الثاني الابتدائي .. فاجأتني بقصة قصيرة جدا تتحدث عن الساحرة والشمس .. يومها قمتُ بتنضيد القصة دون ذكر اسم المؤلف وطلبت من كثيرين قراءتها ، وكانت القصة تنال استحسان كل من قرأها ، لكن الجميع دون استثناء اعترتهم الدهشة عندما أعلمتهم أن المؤلفة هي ابنتي هيا “.. وذكرت الأديبة لبنى ياسين لي الكثير مما كان يدهشها ويثير حيرتها حين تكتب هيا أو ترسم .. كانت وما زالت طفلة استثنائية بكل المعايير .. ومما يذكر عن الأديبة الطفلة هيا قره كهيا أنها كانت تتابع البرامج الجادة والعلمية بوقت مبكر .. وحاولت وهي في الصف الثاني الابتدائي أن تتصل بإحدى القنوات التلفزيونية العربية لتناقش وتحاور حول القضية الفلسطينية وما يحصل لأطفال فلسطين .. في حوار أجري معها كانت أجوبة الكاتبة هيا تدل على ذكاء وقاد وموهبة عالية .. المحاور يسأل ” بوصفك طفلة موهوبة ما أهم الكتب التي تتمنين قراءتها؟؟”.. تجيب هيا التي تجيد أيضا القراءة والكتابة باللغة الانكليزية ” أتمنى قراءة كل ما يقع تحت يدي من روايات أجنبية باللغة الإنجليزية، وخاصة الروايات التي أخذت شهرة واسعة أو تحولت إلى أفلام، أريد أن أعرف ما هو المميز في تلك الروايات، ولماذا نجحت أكثر من غيرها “.. ويسألها المحاور ” تقرئين قصصاً باللغة الإنجليزية وباللغة العربية هل ترين أن قصص الأطفال تتشابه في كل العالم؟ ” فتقول :” كل القصص عامة تتشابه في كونها تحتوي على مقدمة ومشكلة وحل وخاتمة، لكن القصص الأجنبية تدور حول مجتمع أجنبي، والعربية تتعلق بالظروف والبيئة العربية “.. وتقول في هذا الحوار الشيق :” أكتب كل ما يخطر في بالي، حتى إنني أكتب مذكراتي ويومياتي، وعندما تخطر في بالي فكرة ما أكتبها، ثم أرتب أحداثها ومقدمتها وخاتمتها، وأحدد المشكلة وحلها حتى تصير قصة “.. ويسألها المحاور :” ماذا تقول زميلاتك في الصف وهن ينظرن إلى كتبك؟؟... “.. تجيب :” لا أحب أن أري صديقاتي كتبي، لأنني أريد أن أبقى واحدة منهن ومثلهن، لذلك لم أدعُ أي واحدة منهن إلى توقيع كتبي، ولم أخبرهنّ بأن لدي كتباً مطبوعة، وطلبت من أمي كذلك ألا تخبر صديقاتي ومعلماتي، وهذا ما فعلته بناء على طلبي “.. وحين تسأل :” أنت اليوم كاتبة مشهورة كيف تتعاملين مع من يعرفك من القراء؟ “.. تقول :” لم يسبق لي أن تعاملت مع أحد خارج أسرتي يعرفني ككاتبة إلا من خلال اللقاءات التلفزيونية ومنصة التوقيع، وأتعامل معهم كما هي طبيعتي، وأنا لم أتغير مع الآخرين بعد أن صار لي كتب ، ربما تغيرت بيني وبين نفسي، فصرت أكثر فخراً وثقة بنفسي، لكن من حولي لا يعرفون ذلك”.. وتسأل :” حصلت على عدد من الجوائز والتكريم، ماذا كان شعورك بالتكريم والنجاحات؟؟..” تجيب هيا ” النجاح أمر جميل جداً، وأمي دائماً تقول لا يحفز النجاح إلا النجاح، وأنا فرحة وفخورة بإنجازاتي، وسأستمر في الكتابة، وسأصدر رواية إن شاء الله لأصبح أصغر روائية، ذلك أنني أريد المثابرة في رفع رأس أمي وأبي وجدي وكل عائلتي، وأريد دائماً أن أعيش تلك اللحظات الجميلة التي كنت فيها أوقع على كتبي وأنا أرى دموع أمي وفرحتها وفخرها “.. وماذا عن أمنيات المستقبل ؟؟.. تقول الأديبة هيا :” أمنياتي كثيرة جداً، وكذلك أهدافي، وما زال لدي وقت لأسعى إلى ما أريد إن شاء الله، لكن أهمها هي أن أصدر أولى رواياتي في الخامسة عشرة من عمري، وأتمنى أن أصبح طبيبة أطفال معروفة، وكاتبة مشهورة في الوقت نفسه، وأريد أن أسافر حول العالم “.. الكاتبة والأديبة السورية هيا قره كهيا تعالج قصتها وحكايتها بالمنطق والإبداع معا .. فقصة ” من أرسم؟؟..” التي نالت الجائزة الأولى في مسابقة أجيال ، تتدرج بنا من السؤال مرورا بالمعلومة والفائدة ، مع التركيز على المتعة المقدمة للطفل من خلال أنسنة الحيوانات التي تقترب لتكون ضمن عالم الطفل ، ووصولا إلى جعل الحيوانات تقبل بأن تكون ضمن لوحة القطة التي طرحت السؤال في البداية ( من أرسم ؟؟).. ولا يمكن بطبيعة الحال أن نتجاوز مسألة التحريض حتى في العنوان ، حيث جاء على شكل سؤال .. تسير القطة البطلة هنا بنا خطوة خطوة نحو هدفها حيث تفتتح الكاتبة هيا قصتها بالقول :” كانت الهرة (هرهر) تريد رسم أحد الحيوانات، لكنها لم تقرر بعد من ترسم، لذلك فقد فكرت أن تمر بالحيوانات وتطلب منها أن تسمح لها برسمها .. ” وحين تقوم الهرة بمحاولة رسم كل حيوان بعد أن تستأذن منه ، بأتيها الجواب بالرفض ، حيث يظن كل حيوان من الحيوانات بأنه غير صالح لأن يكون في لوحة الهرة كونه يجد هذا النقص أو ذاك في صورته .. على سبيل المثال نقرأ في القصة :” حزنت القطة هرهر لرفض الظبي، وذهبت إلى الزرافة، وطلبت منها أن تسمح لها برسمها، إلا أن الزرافة أيضاً لم ترضَ وقالت: ألا ترين أن رقبتي طويلة جداً وقد تنتهي الصفحة قبل أن تنتهي رقبتي؟. شعرت القطة بالاستياء، وسارت نحو السلحفاة، وطلبت منها أن تسمح لها برسمها، فردت السلحفاة: أحمل بيتي على ظهري، لن يبدو شكله جميلاً في الرسم ...ارسمي غيري. تركتها القطة، وذهبت نحو القنفذ ، وطلبت منه أن يسمح لها برسمه، إلا أنه قال: أنا ؟؟ لا...لا أحب الأشواك التي على ظهري، أرجوك ارسمي غيري. وذهبت القطة إلى الفيل ، وطلبت منه أن يسمح لها برسمه، لكنه رفض أيضاً وقال: لي أذنان كبيرتان، لن يبدو وجهي جميلاً في اللوحة. ومرة أخرى تركته القطة الجميلة (هرهر) وذهبت نحو آكل النمل، وطلبت منه أن يسمح لها برسمه، غير أنه مثل الباقين رفض قائلاً: لي خرطوم طويل بشع، عليك بغيري.”.. ... وتذهب القطة إلى كل الحيوانات والتي ترفض أن تكون موضوع الرسم لسبب ما يجده كل حيوان في صورته .. والكاتبة هيا تجعل القطة تحترم رأي كل الحيوانات مع شعورها بالحزن .. واللافت هو موقف التمساح الذي تعطيه الكاتبة هيا قره كهيا شيئا يبتعد به عن البقية حيث ” واتجهت إلى النهر وهي في غاية الحزن، حيث قابلت التمساح، وطلبت منه أن ترسمه، لكنه هاجمها وحاول أن يأكلها فهربت منه.”.. كان موقف التمساح مغايرا وتصرف كما لم يتصرف أي حيوان آخر .. وهنا تريد الكاتبة أن تقول شيئا فما هو ؟؟.. لنتابع القصة حيث تعود الهرة إلى البيت حزينة .. لكن ” في صباح اليوم التالي استيقظت القطة وهي سعيدة للغاية، وفي الحال ذهبت إلى الأسد وقالت له : ألست ملك الغابة ؟؟.. كيف تريد ألا تهابك الحيوانات؟؟ ثم قالت : هيا تعال معي . ومشت ولحق بها الأسد. ثم ذهبت إلى الظبي وقالت: ألا تستخدم هذين القرنين في حماية أطفالك؟! هيا تعال معي. ومشت، وتبعها الأسد والظبي. ثم ذهبت إلى الزرافة، وقالت لها: وأنت أيتها الزرافة ألا تساعدك هذه الرقبة الطويلة في الوصول إلى طعامك؟! هيا اتبعيني. ومشت ومشى وراءها الأسد والظبي والزرافة، حتى رأت السلحفاة فقالت لها: ألا يحميك بيتك كلما هاجمك الخطر؟! هيا اتبعيني، ولحق بها الأسد والظبي والزرافة والسلحفاة. وراحت إلى القنفذ، وقالت له:ألا تخيف هذه الأشواك أعداءك؟! هيا انضم إلينا. ومشت و وراءها الأسد والظبي والزرافة والسلحفاة والقنفذ. ومرت بالفيل فقالت له: ألا تساعدك هاتان الأذنان على سماع أصوات أصدقائك وأولادك؟! هيا قم وامشِ معنا. وتبعها الأسد والظبي والزرافة والسلحفاة والقنفذ والفيل،واتجهت إلى آكل النمل وقالت له: هل تشتكي من خرطومك الذي يساعدك على الوصول إلى طعامك؟! سوف تموت إن أنت تخلصت منه.هيا قم معنا. ومشت، ومشى وراءها الأسد والظبي والزرافة والسلحفاة والقنفذ والفيل وآكل النمل حتى وصلت إلى حمار الوحش، فقالت له: إن الخطوط التي تشعر بالخجل منها تجعل منك أجمل حيوان في الغابة هيا، فانضم إلينا. ومشت وتبعها الأسد والظبي والزرافة والسلحفاة والقنفذ والفيل وآكل النمل وحمار الوحش حتى وصلت إلى ضفة النهر، وعندما رآها التمساح مع كل هذه الحيوانات اختبأ خوفاً، ورسمتها جميعاً، وكانت اللوحة رائعة علقتها في الغابة ليراها الجميع. ..”.. لنلاحظ كيف تقدم الكاتبة هيا قره كهيا المعلومة المفيدة عن كل حيوان، وكيف تسير بشكل منظم ومنطقي ، وأيضا كيف تشير إلى أهمية الإرادة من أجل القيام بما نريد القيام به .. وهناك هذه الرشاقة في الحوار .. والسرعة في التنقل .. وقرب اللغة إلى الطفل .. وفهم عالم الطفل كون الكاتبة طفلة لا تأتي بطبيعة الحال من خارج عالم من تكتب لهم .. والآن لنقف عند التمساح الذي أعطته هيا بشكل منفرد صفة العدوان والتهجم .. وكان نصيبه من هذا أن يبقى خارج اللوحة لأنه لا يستحق فعلا أن يرسم .. فالهرة كانت تناقش وتسمع ولا تفرض رأيا على الآخرين ، وكان التمساح عدوانيا دون سبب أو دافع لهذا العدوان .. فأبقته الكاتبة خارج لوحة الهرة لافتة النظر إلى أنّ العدوان والعدائية والتهجم أشياء لا يستحق صاحبها أن يناقش لأنه يتصرف تصرفا بعيدا عن التحضر والعقل والمنطق ، فهو يعتدي من اجل العدوان ليس إلا.. ماذا يمكن أن نقول عن الكاتبة السورية الطفلة هيا قره كهيا بعد ما قدمنا ؟؟.. طفلة تكتب وتطبع دور النشر كتبها ، وتقوم بتوقيع هذه الكتب في معارض الكتب ؟؟.. أليس من واجبنا أن ننحاز بشكل كلي للإبداع حين يكون بهذا الحجم ؟؟.. ألا تستحق هذه الكاتبة الطفلة التكريم منا جميعا ، مع الالتفات إلى كل موهبة طفل عربي بطبيعة الحال ؟؟.. وأخيرا : أليس من حق الكاتبة هيا قره كهيا أن تكون عضوا في اتحاد الكتاب العرب بجدارة ؟؟..