العيد فرصة لصلة الرحم مع الأحباب والأصدقاء، فنجتمع حول كأس شاي أو فنجان قهوة ليبدأ الحديث عن الذكريات والعائلة والأولاد والطقس ثم الأسعار ثم العمل، وهنا لم أصادف من تكلم عن عمله بخير خاصة العاملين بالقطاع العمومي. عدم الرضى لم يكن بالأساس سببه صعوبة المهام أو طبيعتها ولكن بسبب كم الفساد المستشري في القطاع: موظفون أشباح وآخرون كفاءتهم الوحيدة قرابتهم لمسؤول آخر، اختلاسات، صفقات وهمية وصيانة أجهزة ومرافق على الورق، طلبات عروض على المقاس و امتيازات خيالية… موظفون تتضاعف ممتلكاتهم خلال سنوات قليلة ما كان لأجرهم الرسمي أن يحققها ولو ادخروه طيلة حياتهم، هنا تذكرت قولة رجل حكيم "في المغرب لا نعطيك الأجر الذي تريد ولكن نعطيك المسؤولية التي توفر لك الدخل الذي تريد". في نهاية كل حديث أطرح التساؤل نفسه: أنا مواطن بسيط وأعرف كل هذا، فكيف لا تدركه المؤسسات المعنية والتي نمتلك منها الكثير مع وجود تنصيص دستوري عل أهميتها كمجلس المنافسة وهيأة النزاهة والوقاية من الرشوة، بالإضافة لتوقيع المغرب على اتفاقيات دولية لمحكافحة الفساد؟ ربما من جالستهم عدميين ومغرضين، لكن ماذا عن التقارير الدولية؟ فالمغرب لم يحسن ترتيبه في مؤشرات مدركات الفساد عل مدى عقدين وانتقل من الرتبة 80 سنة 2019 إلى الرتبة 94 سنة 2022 حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية. وهنا أمرُّ لتساؤلات أخرى هل مؤسساتنا تعلم بهذا الفساد؟ أم لا تقدر على كشفه؟ أم لا تريد كشفه وتريد أن تقدر على كشفه؟ وما يفتح المجال لهذه التساؤلات هو ما يصدر عن الحكومة، فرئيس الحكومة لم يجتمع مع رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد والتي يترأسها بحكم القانون منذ توليه المنصب، أضف إلى ذلك سحب الحكومة مشروع قانون يضم بنود تجريم الإثراء غير المشروع. لقد أصبح الفساد ظاهرة بنيوية تتقوى مع تكريس مبدأ الإفلات من العقاب والضرب بعرض الحائط الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. وحتى في حالة متابعة مسؤول وما يصحب ذلك من متابعة إعلامية مقصودة، والتي سرعان ما تخفت ليتم ما يتم إما في الحكم أو ما بعده والأمثلة كثيرة جداً والتي تؤكد أن الأمر لا يتجاوز كبش فداء في طقوس مباركة الفساد. بالإضافة إلا أن هذه المتابعة لا تسقط السؤال الأول أين كانت هذه الجهات طيلة السنوات الطوال للنهب وتبديد المال العام وإستغلال السلطة التي مارسها هذا المسؤول أو ذاك؟ في نهاية عطلة العيد وبتجميع بسيط للأرقام التي يقدرها كل واحد والتي أكيد لا تمثل إلا جزء من الحقيقة أجدني أمام أرقام خيالية لها القدرة في تحديك التنمية وخلق فرص الشغل وتطوير قطاعات هامة، أجدني أمام ثروة قادرة على خلق ثروة، ولأجدني أعوض سؤال أين الثروة؟ بسؤال أين العطب؟