بمبادرة من مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم ، وبمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية 2968 نظمت بمدينة مكناس ندوة في موضوع حوار الثقافات وأسئلة الهوية شارك فيها أكاديميون ومسؤولون سياسيون وفاعلون مدنيون وإعلاميون من فلسطين وتونس واليمن والعراق والجزائر ولبنان ومصر والكويت وسوريا ومصر والمغرب، ومتابعون من هولندا. وتداولت الندوة في سياقات بروز مفهومي حوار الثقافات والهوية، مع استعراض تجارب دولية في الموضوع، ليخلص المشاركون إلى أن حوار الثقافات حاجة مجتمعية، ومطلب حقوقي، وضرورة حضارية للمجتمع الواحد، والمجتمعات المتقاطعة ثقافيا، وتلك المختلفة ثقافيا، وكي يتحقق ذلك لابد من استحضار التجارب البشرية التي تعتبر الحوار نقيضا للصدام، ومانعا للتعصب، وداعما للإقرار بالحق في الاختلاف، ورافضا للهويات المنغلقة. وتوجت هذه الندوة بإعلان توافق عليه المشاركون واطلق عليه "اعلان مكناس لحوار الثقافات"، الذي شدّد على أهمية الحوار وضرورته . استثمار التعدد الثقافي اعتبر اعلان مكناس الثقافات منتجا بشريا وإنسانيا عاماً و التعدد الثقافي غنى و ينبغي استثماره إيجابيا مع جعل قيم المواطنة معيارا للحكم بين الثقافات في ظل رؤية ديمقراطية عادلة وتوافقية، ورفض كل أفكار الغلو المنبهر بمقولات التعالي القافي والتعصب، وشدّد الاعلان على أهمية إعادة قراءة التاريخ بروح علمية منصفة لا تخدم فئة أو جهة أو طائفة أو عرقا، والتأسيس لهوية جامعة ومنفتحة، وعدم الفصل بين حوار الثقافات باعتباره مطلبا إنسانيا وحضاريا، والدعوة إلى تحديث المجتمعات بتبني قيم المواطنة وحقوق الإنسان والدمقرطة المؤسسية، مُعتبراً حوار الثقافات ليس ذريعة لعدم إنجاز إصلاح في المجال الديني تساهم فيه النخب المتنورة بجرأة وشجاعة وفق منظور يخوض في الإشكالات الكبرى التي يمكنها المساهمة في الدفع بالتصورات إلى حدها العقلاني المتنور. الحوار على مستويات أكد اعلان مكناس لحوار الثقافات، على أن للحوار مستويات أهمها المستوى المستوى الوطني والجهوي والإقليمي الذي يتطلب إعادة تشييد مفهوم الهوية، وتحديد مكانة و وظائف اللغات الوطنية، ووضع الدين في المجتمع،مع تدبير الاختلافات تدبيرا ديمقراطيا، وكذا قراءة التاريخ في أفقه الإيجابي الذي يؤسس للمستقبل ولا يتقوقع في الماضي بتعميق ما يؤسس لعرقلة مقومات العيش المشترك أو التأسيس لهويات جهوية أو كيانات مصطنعة. كما يتطلب هذا المستوى وفق وثيقة اعلان مكناس العمل على تقوية شروط الحفاظ على مقومات الدولة الوطنية الديمقراطية والمواطنة. ونبّه الاعلان إلى الالتباس الممكن في العلاقة بين المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العادلة والمطالب الهوياتية. بالاضافة إلى المستوى الأول أوْلَى اعلان مكناس الأهمية للمستوى الكوني، الذي يتطلب التخلي عن منطق الثقافة الأرقى والأعظم؛ أي عن مجمع صيغ التفضيل التي تعلي من شأن ثقافة على حساب الأخريات، مع ضرورة قيام العلاقة بين الثقافات على التكافؤ والمساواة والتفاعل الإيجابي، والإقرار بالتنوع الثقافي والتعددية بأشكالها المختلفة، مع اعتماد مبدأ الحوارات القطاعية والموضوعاتية مع منح الأولوية لبعض المكونات مثلما هو شأن الدين باعتباره الموضوع الأكثر استشكالا في تدبير هذا الحوار. الثقافة غطاء لصراع المصالح أكد اعلان مكناس على أن الثقافات ليست سببا في النزاعات، بل إنها مظهر لها يغطي على صراعات مصالح اقتصادية، ورغبة في تقوية شروط الاستتباع، مما يتهدد قيم السلام والتسامح والعيش المشترك. مُشدّداً في هذا الشأن على المسؤولية الدولية في إذكاء النزاعات والصراعات باسم الثقافات.