يندرج هذا المقال الرأي، ضمن سلسلة من الآراء حول الحراك الاجتماعي الذي يعيشه العالم، وأيضا يشهده المغرب في عدة مناطق، إذ سنقف عنده من زاوية منطقية ونسبية، لمعرفة أسباب بروز هذه الحراك الاجتماعي ومدى تفاعل جهاز الدولة معها. إن الحراك الاجتماعي العلمي المنبثق من شعب تحت سيادة دولة برجوازية محضة تفاقمت فيها التناقضات الاقتصادية، و ظهرت في البنية الفوقية على شكل احتجاجات، تارة يغلب عليها طابع العنف الثوري الذي يعبر عن غضب وسخط يحيط بسيكولوجية شعب لا تريد تفاوضا ولا حوارا، وإنما غايتها تتمركز على قلب جذري للبنية الاجتماعية، وتارة أخرى يغلب عليها الطابع السلمي، أي أن سيكولوجية الجماهير واعية بشرطها الذاتي والموضوعي وهذا الأخير هو محدد أسمى في استخلاص أفق احتدام التناقضات والمآل الذي يمكن أن تترتب عليه، ومحدد أيضا لوجودهم. والحراك الاجتماعي الذي يشهده المغرب، أبان على رقي حضاري في أشكاله الاحتجاجية، اتسم بالسلمية التي تعد ركنا من أركانه، ومعبر أيضا عن مدى الوعي الاحتجاجي للشعب المغربي، وعدم الانجرار وراء العنف الذي يولد إلا العنف. وهذا دليل على أن هذه الحركة الاحتجاجية ذات أفق إصلاحي احتجت على واقع مؤسسات الدولة وأرادت أن تساهم من موقعها (الشارع) في بناء الدولة المنشودة، وفي هذه الأسطر سنتحدث عن تناقضات الحراك الاجتماعي من زاوية اقتصادية التي تبقى مجرد رأي خاضع للخطأ أو للصواب. - التغير في علاقات الإنتاج الاقتصادية، هو تغير في العلاقات السياسية. إن أي دولة تبعية للنمط الإنتاجي الرأسمالي السائد عالميا، وهي في خطى التحول إلى دولة رأسمالية محضة عندما تتفرغ بشكل كبير في إنتاج مشاريع اقتصادية ضخمة خارج حدودها، وذلك بنهج سياسة الانفتاح على الأسواق الاقتصادية بغرض تحريك رأسمالها وتوطيد العلاقات السياسية بتناسي حل المشاكل الاقتصادية الداخلية يولد أزمة واحتقانا اجتماعيا برغبة موضوعية، ومن الطبيعي أن يحدث احتقانا اجتماعيا يخرج الجماهير إلى الشارع بانتفاض سلمي على حقها في الثروة الوطنية التي من الأجدر أن تستثمر و تؤسس لمشاريع اقتصادية محلية يستفيد منها أبناء الشعب، ولكن ما يثير الانتباه هو تعامل الدولة بأعصاب باردة مع الحراك الاحتجاجي، والذي يطرح عدة أسئلة أهمها، ما أسباب تماطل الدولة في التعامل مع متطلبات الحراك الاحتجاجي؟ و هل للدولة استفادة من الوضع القائم؟ من خلال هذه الأسئلة التي فرضها منطق تعامل الدولة نستنتج منها فكرتين متناقضتين مع بعضهما البعض. الأولى: وهي الفكرة التي تتمحور حول استفادة الدولة من حراك اجتماعي معين في بلدها وخاصة عندما يكون منبثقا من بقعة جغرافية تتميز بخصوصيات تاريخية، واعتبارها ورقة ذات تاريخ وحاضر ومستقبل مؤثر( الريف المغربي )، من خلالها يتم الاستعانة بها لفك تناقضاتها الاقتصادية التي تتمحور حول خلق وسائل إنتاج جديدة من خلالها تنتج علاقات إنتاج جديدة تساير الوضع السياسي القائم. وبما أن قاعدة الاقتصاد السياسي تقول بأن السياسة ما هي إلا تعبير مكثف للاقتصاد، فإن الدولة عندما تدخل في علاقات اقتصادية جديدة يستلزم عليها خلق نخب سياسية جديدة ذات كفاءة عالية تواكب التطورات الاقتصادية والسياسية ، وهنا يأتي تعامل الدولة مع الحراك الاحتجاجي من خلال الاستفادة منه وذلك بتصفية جميع النخب السياسية التقليدية التي وصلت إلى مرحلة من الإشباع المفرط والمتوقفة عن الإنتاج في خلق بدائل يمكن أن تستعين بها الدولة في مواقفها المحرجة، وهذه الفرصة يتيحها الحراك الاجتماعي للدولة ، بغربلة أي كائن غير منتج وعديم الفعالية يتواجد داخل منظومتها، وذلك بوضعه في الصورة أمام الجماهير،أو بتعبير أخر، ضرب عصفورين بحجر واحد. وفكرة استفادة الدولة من حراك اجتماعي معين، يتجلى أيضا في فشل تفاعل جميع مؤسسات الدولة مع متطلبات الحراك الاجتماعي ،نظرا لتراكم تاريخي غير فاعل مع المجتمع، وظهور عدم تحمل المسؤولية القانونية الملقاة على عاتقها بشكل واضح لا مفر منه، وهذا لا يؤدي إلا إلى نقطة أخرى، هي معرفة الدولة لمدى فاعلية مؤسساتها مع الشعب ولمدى صحة مقارباتها. وهذا يؤدي إلى وضع الدولة في الصورة الصحيحة بدون تزييف و ما يرمى على عاتق الدولة المغربية مرحليا هو النزول إلى الواقع لتنظيف الفوضى بشكل جدي. ومن جهة، فإن للدولة فرصة لا تعوض من أجل عملية تحديث ثانية للسياسات العمومية وذلك لما تعرضت لفشل حاد، وأيضا معرفة الدولة لفشل التنظيمات الحزبية في إحداث التنمية السياسية وما يؤكده هذا هو فشلها المتمثلة في الأغلبية الحكومية التي افتقدت للبوصلة السياسية، وخاصة الأحزاب التي تشتغل باليات تقليدية لا تتوافق مع الشروط الموضوعية الموجودة في المرحلة. وما على الدولة إلى أن تستجيب لمتطلبات الواقع، وإن تم التعامل بالنقيض فإن التاريخ سيأخذ مساره إلى فكرة ثانية وهي الحتمية التاريخية. الفكرة الثانية: وهي الفكرة العلمية التي يفرضها التاريخ على أي دولة ونظام سياسي، بنفيه بفرض التاريخ لحتميته ليساير التطور الإنساني في شموليته، وخاصة مع ارتفاع منسوب وعي الجماهير بوتيرة سريعة، يمكن أن يتحول الحراك الاجتماعي إلى بندقية موجهة للدولة متى ما نضجت الشروط الموضوعية لذلك، وهذه الحالة لا تأتي من رغبة ذاتية بل بترابط الموضوع بالتاريخ، وإن كان هذا الأخير هو المتحرك في المرحلة فلن تستطيع قوة لوقف زحفه. من خلال هاتين الفكرتين المتناقضتين التي يفرضها الواقع المغربي المرحلي، فإننا نجدها من جهة، ما هي إلا أفكارا متناقضة و مستخلصة من واقع الحراك الاجتماعي ومنطق تعامل الدولة المغربية معه، ومن جهة أخرى إذا انهزمت الفكرة الأولى، فإنه لا يسعنا إلا أن نقول بأن الريف يعيد تاريخه وفكرة الجماهير ستنتصر وما على الدول إلى بالتفاعل الإيجابي دون تكريس أزمات لا تحمد عقباها .