تختلف مداخل إفساد الحياة السياسية بالمغرب على أكثر من مستوى، و ربما يمثل استعمال المال العمومي لأغراض انتخابية وجعله آلية للاستقطاب السياسي أحد أهم هذه المداخل، وبدون إطناب يمكن أن نرصد بعض جوانب الموضوع من خلال دراسة طرق صرف المال العمومي والتي نكتفي فيها في هذا المقال بمقاربة جوانب الاختلال بميزانية المجلس الجهوي لجهة تازة – الحسيمة – تاونات لسنة 2012 و التي كانت أحد فضائحها تقديم دعم 115 مليون سنتيم لجمعية غير معروفة للرأي العام المحلي و الوطني، بل و الأدهى من ذلك هو نفي السيد رئيس المجلس لهذا الأمر رغم وجود وثائق تؤكد ذلك وهو ما سنتطرق إليه بالتفصيل في هذه المقالة المخصصة أساساً لمقاربة فصول الحساب الإداري للجهة، والتي نبتدؤها بإبداء ملاحظة أولية وهي أن المصادقة على الحساب الإداري وحتى لو كان "بالإجماع" كما صرح بذلك السيد رئيس الجهة لجريدة أخبار اليوم في عددها 1094 ليوم الخميس 20 يونيو 2013 ، لا يعني أنه خالي من التجاوزات، خاصةَ و نحن نعلم كيف تصنع مثل هذه "الإجماعات" في مثل هذه الحالات، دون أن يفوتنا تسجيل التناقض الواضح في تصريح السيد الرئيس و الذي كشفته الوثائق التي وقعها بنفسه، والتي تثبت أنه قد منح المبلغ المذكور من ميزانية الجهة عكس ما يحاول الترويج له، أما بعد الندوة الصحفية – البلاغ الصحفي – والتي أورد خلالها وثائق عن مصدر الدعم المقدم للجمعية المعنية فسيتم تناوله في حينه. وعود على بدأ فإن الحساب الإداري لسنة 2012 يمكن القول أنه وعند أول نظرة تفحصية لجدول الميزانية المتعلق بمصاريف التسيير (الجزء الأول) يمكن رصد العديد من الملاحظات والتي ندرجها كما يلي: النسبة المرتفعة لتعويضات تنقلات أعضاء الرئيس ومستشاري المجلس البالغة 800.000,00 درهم و التي صرفت تقريباً بأكملها، وهو ما يجعلنا نتساءل المهام التي قام بها الرئيس و مستشاروه والتي إستدعت صرف كل هذا المبلغ. مصاريف الثقافة التي ينتجها المجلس الجهوي و التي تصل إلى 1.650.000,00 درهم، وهو ما يشرعن التساؤل عن أية ثقافة ينتجها هذا المجلس، وكم من ندوة أو محاضرة ثقافية قام بها أو دعمها هذا المجلس خلال سنة 2012 تستحق أن ينفق عليها كل هذا المبلغ ؟ اللهم إلا إذا كان وضع مقر الجهة رهن إشارة الجهات المستفيدة خاصة تلك التي لها علاقة حزبية مع السيد الرئيس يمكن إدراجه ضمن هذا الإنتاج. وإلا فلماذا لم يقم المجلس بإصدار مطبوع لتنوير الرأي العام بإنجازاته طوال كل هذه المدة. أجور الأعوان العرضيين رصد لها مبلغ 600.000,00 درهم خلال سنة واحدة تم إنفاقها ولم يبقى منها إلا بعض الدريهمات. أين تذهب هذه الأموال وماذا يعمل هذا "الجيش الجرار" من الأعوان العرضيين أو الموسميين داخل الجهة الذي يراد منه أن يشكل خزاناً انتخابيا، وهو ما يفسر الانتقائية والمحسوبية حتى في اختيار هؤلاء الأعوان العرضيين رغم الأجرة الهزيلة التي يتقاضونها. لوازم المكتب من مواد الطباعة أوراق ومطبوعات: رصد لها مبلغ 385.000,00 درهم أنفقت إلا بعض الدراهم المعدودة . السؤال كم من الأوراق التي تستهلكها هذه الإدارة خلال السنة ليصرف عليها كل هذا المال؟. إنه وكلما تعمقنا في فصول هذه الميزانية، إلا وازدادت حيرتنا و تضخمت شكوكنا وتأكد لنا أن هناك خلل واضح في تدبير المال العام و ليس هناك شفافية، كما يدعي السد بودرا في تصريحه لجريد أخبار اليوم، في صرف هذه الأموال و المثال على ذلك هو الفصل المتعلق بشراء الوقود و زيوت السيارات 300.000,00 درهم، بحيث صرفت كلها و لم يتبقى منها إلا 8.39 درهم وهو "للمصادفة" ثمن لتر واحد من الكازوال. مع العلم أن المجلس الجهوي لا يتوفر إلا على ثلاث سيارات خدمة. فكم تستهلك هذه السيارات من الكازوال؟ وكيف يتم ذلك ولو ظلت تتحرك دون توقف طيلة أيام السنة؟ هذا دون أن نغفل قراءة الفصول المتعلقة بالصدقات و الهبات أي الإعانات و المعونات المقدمة لمختلف الجهات، فالمبلغ الإجمالي المرصود لها هو 13.795.000,00 أي 25 في المائة من ميزانية التسيير أي أكثر من ربع هذه الميزانية تصرف في دعم الجمعيات بمختلف ألوانها و أشكالها على رأسها جمعية تسمى "جمعية الصداقة بين شعوب البحر الأبيض المتوسط بالحسيمة"، والتي حصلت على دفعة بمبلغ 1.150.000,00 درهم أي أكثر من 8 في المائة من مجموع الدعم المقدم لكل الجمعيات الأخرى، وهو ما يجعلنا نؤكد على ضرورة فتح تحقيق جدي ومسئول لمعرفة آليات تدبير الشأن العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، تفعيلا لنص وروح دستور 2011، وفيما يتعلق بهذه النقطة بالذات والتي كانت محور رد السيد الرئيس على التساؤلات المشروعة لحزب العدالة والتنمية محليا والتي قال خلالها أن هذه المنحة قدمت من طرف وزارة الداخلية لكن السؤال المطروح كيف تم صرفها من ميزانية التسيير للجهة، خاصةً وأنها لم تكن مدرجة لا في الحسابات الخصوصية ولا مرصودة لأمور خصوصية ولا حتى في إطار المبادرة الوطنية أو المحلية للتنمية البشرية، فمن أين أتى هذا المبلغ إن لم يكن من ميزانية المجلس الجهوي؟ وهو ما تثبته الوثائق رغم نفي الرئيس للأمر كما سبق الإشارة إلى ذلك،وكان رد السيد الرئيس أن أقدم على عقد ندوة صحفية –بلاغ صحفي- فقدم خلالها وثيقة "الرخصة الخاصة" Autorisation spéciale " تبرر رأي السيد الرئيس عن مصدر الدعم المقدم لهذه الجمعية وكان على السيد الرئيس لكي يكون أكثر شفافية وديمقراطية أن يزود الصحافة بالإضافة إلى الوثائق التي تثبت مصدر الدعم المقدم لهذه "الجمعية"، أن يقوم يتقديم الوثيقة المتعلقة بقانونيتها وهو وصل الإيداع ولا شك أنه لو ترك الفرصة للصحافة لتقوم بدورها في الاستفسار حول هذه الوثائق لطرحت مثل هذا السؤال البديهي . نحن نعلم أن الميزانية هي عبارة عن رخصة عادية وحين يتم التصويت عليها من قبل المجلس والمصادقة عليها من طرف الداخلية والمالية تكون تكون مغلقة ومحددة bouclé et arrêté ولا يمكن اللجوء إلى الرخص الخاصة إلا إذا كانت هناك لدى المجلس نفقة خاصة تستدعي مداخيل خاصة. وفي هذه الحالة فإن المجلس هو الذي يحدد احتياجاته من المداخيل الإضافية على أساس أن مسطرة الرخص الخاصة هي نفس مسطرة الميزانية . وهنا نسأل السيد الرئيس عن طبيعة النفقات التي استدعت هذا الإجراء الاستثنائي وما علاقة هذه "الجمعية "بمجلس الجهة، هل هي مؤسسة تابعة له وبالتالي تستدعي هذه الإضافة من المداخيل وفي هذه الحالة كان على المجلس أن يحدث لها ميزانية ملحقة عوض اللجوء إلى AS. ولماذا لا يتم التعامل مع جميع الجمعيات بهذه الطريقة أم أننا أصبحنا أمام نفس حالة الجمعية التي كانت تمول أنشطتها من وزارة الخارجية في الحكومة السابقة.ثم ماذا يمنع هذه "الجمعية" أن تقدم طلبها مباشرة إلى الجهات المعنية ويتم دعمها مباشرة دون اللجوء إلى مالية الجهة. وهو ما يعد بحق فضيحة أخرى تضاف إلى فضيحة صرف المبلغ في حد ذاته.من خلال الحساب الإداري وفي شق المداخيل نلاحظ أن تلك المداخيل الإضافية إلى مداخيل الجهة سواء تعلق الأمر بمداخيل الضريبة على القيمة المضافة أو مساهمات المؤسسات والسؤال هنا كيف يتم تحديد مداخيل معينة لمصاريف بعينها وهذا يتناقض مع مبدأ " عدم تخصيص مداخيل معينة لمصاريف بعينها" وهو من مبادئ الميزانية التي لا يجب خرقها والحالات التي يتم فيها هذا التخصيص يتم إدراجها في الحسابات الخصوصية أو الميزانيات الملحقة وهذا ما لم يتم في هذه الحالة. أما ما يتعلق بوجود فيديوهات وصور تبرر حسب تعبيره في بلاغه الأول قبل بلاغه الثاني-الندوة الصحفية- أنه تم بالفعل صرف تلك الأموال في مواضيعها فليس بالصور والفيديوهات وكذا اللافتات يتم تبرير النفقات بل عن طريق وثائق تثبت المصاريف بالفعل وهذا ما يستدعي التحقيق من طرف الجهات المعنية .وقبل أن أنتقل إلى النقط الأخرى أطلب من السيد الرئيس أن يضع ذلك القارب الذي كلف كل هذه الأموال في مكان آمن عوض تركه مع متلاشيات الميناء كما يبدو من خلال صور الأنترنت يتعرض لعوامل التعرية . هذا و تجدر الإشارة، و ارتباطا بالنقطة المتعلقة بتوزيع الدعم العمومي على الجمعيات،أن الكتابة الإقليمية لحزب العدالة و التنمية بإقليم الحسيمة قد سبق لها أن راسلت المجلس الجهوي لجهة تازةالحسيمة تاونات بتاريخ 21 يونيو 2012 قصد تمكينها من لائحة الجمعيات المستفيدة وحجم الدعم المقدم لها من ميزانية الجهة، وهي المراسلة التي تلقينا جواباً عنها من طرف السيد رئيس المجلس الجهوي يخبرنا فيها بأنه سيتم طرح هذا الموضوع " خلال الاجتماع المقبل للمكتب المسير "، و إلى حدود الآن وبعد أزيد من سنة لازلت الكتابة الإقليمية لم تتوصل بأي رد في الموضوع وهو ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام في تناقض صارخ مع مقتضيات الدستور التي تضمن الحق في الوصول إلى المعلومة. ثم إن الدخول في تفاصيل هذا الدعم يثير الكثير من التساؤلات ويحوم حوله الكثير من الغموض، خاصة وأن أعضاء من المجلس لا علم لهم بكيفية توزيع و صرف هذه المعونات، وهو ما يتضح من خلال تدخلات بعضهم أثناء جلسة المصادقة على الحساب الإداري. أما الفصل المتعلق بمصاريف استشفاء المعوزين البالغ 200.000,00 درهم، فكيف تم صرفه؟ وما هي المقاييس المعتمدة لتقديم هذه "الصدقات"، ولما لا توضع معايير واضحة للاستفادة؟ خاصة وأن بعض التدخلات أثناء مناقشة الحساب الإداري هذا قد أشارت إلى أن هناك موظف واحد ووحيد هو الذي يتولى توزيع كل هذه الأموال والصدقات ... وهو ما يجعلنا نقولها بشكل واضح، وهو أن من أراد أن يتصدق بشكل شخصي فليتصدق من ماله الخاص وليس من المال العام، أما أن ترصد أموال لفعل الخير ومساعدة الناس فهو أمر مستحب لكن وفق ضوابط واضحة لأن الأمراض ليست خاصة بالمصوتين على رئيس المجلس والمقربين منه. بشكل عام فتفاصيل هذه الفصول من الميزانية خاصة ما يتعلق بالمعونات المقترحة للجمعيات والأشخاص يختبئ وراءها الهدف الحقيقي لهذه المعونات و الصدقات و الذي لا يتضح من خلال قراءة الميزانية فقط بل أيضاً من خلال واقع هذه الجهات المقدم لها هذه الصدقات. فأغلب هذه الجمعيات التي استفادت من هذه المعونات هي جمعيات يترأسها أعضاء من الحزب المسير للجهة (حزب الأصالة والمعاصرة) ، وهو ما سيتضح أكثر إذا ما تم تفحص مجموعة من الشراكات المبرمة مع مجموعة من الجمعيات ، والتي تبين كيف يستعمل المال العام في البحث عن أصوات انتخابية من خلال بعض الجمعيات المستفيدة من الدعم و التي تربطها علاقات حزبية و زبونية برئيس الجهة، دون السقوط في التعميم. مستحضرين هنا، أن جمعيات فاعلة وجادة لم تحصل على الدعم العمومي الذي تستحقه، لا لشيء إلا لأنها لا تدعم الرئيس انتخابيا . أما ما يخص الجزء الثاني فيمكن أن نلاحظ أن أغلب الفصول المتعلقة بإنجاز مجموعة من المشاريع يتم ترحيل جزء كبير منها من سنة إلى أخرى، أو يتم تحويلها من فصل إلى أخر مما يدل على أن المجلس يعيش عشوائية في تحديد المشاريع وطريقة برمجتها، إذ بلغ مجموع ما تم ترحيله من سنة 2012 إلى 2013 مبلغ 12.963.514,00 درهم و قبل ذلك أي من سنة 2011 إلى سنة 2012 تم ترحيل ما قدره 21.512.511,00 درهم. و أن ما يتم الالتزام به حقا في هذه الميزانيات هو الدفعات المالية لميزانيات الجماعات المحلية الحضرية و القروية بالجهة و كذا المساهمات السنوية للمجلس الجهوي في البرنامج الوطني الثاني للطرق القروية(PNRR2) و التي تبلغ 3.800.000,00 درهم. ثم تقسم الميزانية المتبقية على الجماعات المكونة للجهة للقيام بمشاريع متفرقة و متشتتة تساهم في سيادة النظرة المحلية للمشاريع و غياب رؤية إستراتجية في برمجة المشاريع المهيكلة للجهة و التي من شأنها أن ترقى بها و بساكنتها.
مهدي صالحي / نائب الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بالحسيمة