في هذا العرض السريع سأحاول أن أعطي بضعة رؤوس أقلام حول الموضوع و ذلك خصوصا لإثارة النقاش حولها . إن الإديولوجيا الجهادية هي عبارة عن ترميق {بريكولاج} و تصورات تجمع بين عناصر متفرقة يعمل خطابها على صهرها حتى تبدو ملامحها موحدة . و إن الإديولوجيا تحاول أن تجدجوابا لكل سؤال ، و أضرب أمثلة عن ذلك من الإديولوجيا الجهادية : فالجهاد سيحرر فلسطين ، و العمل على تغيير سلوك المرأة المسلمة جهاد و نحن في حاجة إلى جهاد النفس ضد أنانيتنا ، و بالجهاد سنتخلص من كل الذنوب و من سيطرة القوى اليهودية و المسيحية ، و هذا الترميق يستمد أسسه من ث3لاثة أصول رئيسية : 1 أ صول الدين ، و هي أساسا القرآن و السنة و يختار منها الجهاديون ما يوافق نسقهم الفكري . 2 تاريخ الإسلام ، حيث ينتقي الجهاديون مراحل التوتر الكبرى من تاريخ الإسلام ، و التي وقعت بين المسلمين و اليهود في المدينة و ما بعدها . بالإضافة إلى فترات الحروب بين كل من الإمبراطورية الإسلامية و الإمبراطوريات المسيحية كالإمبراطورية البيزنطية أو فترة الحروب الصليبية ، و الخطاب الجهادي يقوم بفصل تلك الوقائع عن سياقها التاريخي الذي جرت فيه ليضفي عليها طابع الديمومة مختارا ما يصلح له كمرجعية . 3 الإديولوجيا المناهضة للامبريالية ، و هذا يبدو غريبا للبعض و ذلك لأن المألوف هو أن هذا خطاب لليسار .. و لكن يجب أن لا ننسى أن الأجنة الإسلامية الراديكالية الأولى بالمغرب خرجت من صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و هو حزب يساري . و كانت الحركات الجهادية في الثمانينات تنظر إلى الغرب كشر نسبي بالمقارنة مع الاتحاد السوفياتي فهو الأكثر خطورة لأنه يمثل الإلحاد .
أما الولاياتالمتحدةالأمريكية و بريطانيا و فرنسا و الآئي ينتمين إلى عالم أهل الكتاب فكان ينظر إليهن كحليفات بالقوة في مواجهة الشيوعية الملحدة . و بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وتراجع تأثير الإيديولوجيا الشيوعية على المستوى العالمي تحولت الحركات الجهادية إلى خطاب متشدد ضد الغرب . خطاب يسترجع ذاكرة الحروب الصليبية . لقد تقوى هذا التوجه بل وتغذى أيضا من ظهور تيارات محافظة و معادية للإسلام بالغرب والتي وصلت أحيانا إلى التأثير بقوة في الإعلام بل وفي قيادة مجموعة من الدول الغربية. وقد ظهر بكل جلاء مع وصول بوش الثاني إلى البيت الأبيض وهذا يحدث لأول مرة بهذه القوة و الوضوح منذ تأسيس الولاياتالمتحدةالأمريكية كدولة مستقلة . فتأثير الأصولية المسيحية المناهضة للإسلام و المتصهينة وصل مداه مع جورج و الكربوش وكان من الطبيعي أن يكون هناك رد فعل جهادي إسلامي ومعادي للديمقراطية . فالجهادية الحديثة وقبلها في القرن التاسع عشر القومية الإسلامية المتزمتة تخلط بين الغرب و الديمقراطية وذالك لأن الغرب كان هو السابق إلى بناء الديمقراطية الحديثة. ولكن لا يجب إغفال أسباب تاريخية أخرى مر عليها أكثر من ق1رن وهي السيطرة التركية باسم الإسلام والتي كانت تواجه بمعارضة واسعة بالمنطقة العربية خصوصا في جوانبها الثقافية والإثنية و اللغوية . وهذا المعطى أدى في نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 إلى ظهور التفكير القومي العربي الحداثي و الذي رأى في الأتراك إثنية أجنية لا يحق لها باسم الدين أن تتحكم في مصير "الشعب العربي " . وهذا ما أعطى بعض العناصر الضرورية لميلاد القومية العربية من أجل الانسلاخ عن الهيمنة التركية التي امتدت لأربعة قرون . فالقومية العربية كانت تستمد أفكارها من القومية الغربية العلمانية ولهذا لم يكن فراغ يمكن أن تشغله الإديولوجيا الإسلامية كما هو الحال اليوم . و ما يقوي الإديولوجية الجهادية كذالك في العالم العربي هو عامل الأمية الذي يصل في بعض الدول العربية الأضخم على المستوى الديموغرافي كمصر والمغرب والسودان إلى خم50سين في المئة وأحيانا أكثر . و هناك سبب يتعلق بالكيفية التي نظم بها العالم منذ الحرب العالمية الثانية : فرغم قوتهم العددية التي تصل إلى م1ليار نسمة أو أكثر فإن المسلمين يشعرون بأنه لا تأثير لهم على مجريات الأمور في العالم . فلا وجود لقوة إسلامية بين الخمسة الكبار داخل مجلس الأمن من "أجل الدفاع على المسلمين" فهذا الأخير يتكون من أربعة قوى تنتمي إلى العالم المسيحي والخامسة هي الصين التي تمثل مصالح العالم الكنفوشيوسي . وفي غياب امتلاك سلاح نووي ذي فعالية سياسية وما يلاحظه يوميا المسلمون العاديون من عنف شديد يتعرض له المدنيون الفلسطينيون من طرف الآلة العسكرية الإسرائيلية فإن بعضهم يريد أن يعوض هذا العجز "الدولتي" بتحويل جسمه إلى قنبلة تنفجر في وجه مايعتبره طغيانا يتوجب دينيا وعقليا قتاله وهذا أساس طرحات القاعدة و الحركة الجهادية على العموم .