سويعات قلائل قبل أفول شمس النهار، تدب الحياة في الحدائق والمساحات الخضراء ، زوار يعجون في نفس الموعد كأن بينهم لقاء. بملابس رياضية وأحذية خفيفة يمارسون تمارينهم الرياضية بكل نشاط رغم الصوم. يفضل هواة التريض في رمضان ممارسة الرياضة في آخر النهار قبل آذان المغرب بقليل، يودعون يوم صوم طويل وشاق بنفحات مسائية ونسمات تشحذ طاقة الجسم لمقاومة الإجهاد واستثارة الهمة والنشاط. معتمرا قبعته البيضاء،ولج الشاب الأربعيني أحمد كعادته اليومية ، حديقة "محمد عبده" إحدى الحدائق الأنيقة بالدار البيضاء، وبخفة ونشاط استرسل في تدريباته اليومية، حركات سريعة وقفزات متتالية وكر وجري. ممارسة الرياضة بشكل دائم ومنتظم طوال أيام السنة، وكذلك في شهر رمضان، أمر أجمع على أهميته الأطباء والمتخصصون، واتفقوا على فوائده الصحية والجسمانية، والنفسية على السواء، وعنها يقول الدكتور محمد عتيق "طبيب رياضي": "الرياضة زاد للجسم، تمنح العضلات مرونة وحيوية، وتكسب الروح خفة ونشاطا". أناس لا يعرف منهم أحمد إلا الوجوه، يصادفهم بنفس الزمن والمكان، يتسربلون ملابس رياضية ويعتمرون قبعات بلون فاتح درءا لما تبقى من شمس العصر، بانحناءة خفيفة للرأس يحيون بعضهم بعضا، فقد ربا بينهم شعور من الألفة والمودة من فرط اللقاء. لم تثن الحرارة المرتفعة أحمد من متابعة رياضته بخفة ونشاط، حركات متواترة يعدها من الواحد إلى العشرة، ينوع نشاطاته الرياضية كل مرة، تمارين بدنية وقفز وركض. يطوف الحديقة جريا والعرق يملأ وجهه وقميصه، ويصاحبه طفل في العاشرة من العمر. يقول أحمد مبتهجا: "أصطحب معي ولدي شادي إلى الحديقة حتى يتريض أويلعب مع أصدقاء جمعهم هذا المكان، هو مثلي عاشق للرياضة، يجاريني حينا ويلعب مع أقرانه أحيانا أخرى". تعتبر ممارسة الرياضة في رمضان،أكثر أهمية من باقي الشهور. هو شهر يكد فيه الناس صياما وقياما. كما أن الصيام والامتناع عن الطعام لأكثر من 15 ساعة يعرض الجسم للتعبوالإجهاد، وهو شهر سهر يطول لفترات قد تمتد لما بعد آذان الفجر. يلعب الرياضي أحيانا دور المدرب المحترف، يتحلق حوله جملة من المتدربين، ويبدأ العد، حركات محسوبة بدقة، يحاكونها بنشاط. يفصح عن ذلك أحمد بانشراح : "نقوم بتسخينات أولية وعندما نلتقي في الحديقة تتنوع أنشطتنا الرياضية. وحالما يحضر الجميع نشكل فريقا لكرة القدم". تتنوع الأنشطة الرياضية الممارسة في رمضان وتتميز بكونها رياضات خفيفة، حركات بدنية وجري ومشي، و يمارس الهواة أيضا كرة القدم. المشي...الرياضة المفضلة للنساء : تمارس أغلب النسوة رياضة المشي في رمضان. جمعا أوفرادى يطفن حول الحديقة بسرعة ونشاط، ويمارسن حركاتهن بإيقاع متفاوت. ويعددن الدورات والحركات. برشاقة وخفة تحاكي عائشة حركات الرياضيين، امرأة يبدومن قسمات وجهها أنها جاوزت الخمسين، وإن كان جسمها لايزال يحافظ على لياقة الشباب. تأخذ نفسا عميقا وتقول:"لا ينبغي هجرالرياضة في رمضان، الجسم إذا أهملته يعيى ويتعب. والرياضة تكسب الجسم قوة التحمل".تتعقب صبيب عرق على جبينها بمنديلها الأبيض، وتتابع حركاتها النشيطة على إيقاع شهيق وزفير متواصل . عدد النساء في الحديقة يوازي عدد الرجال أويزيد، على الرغم من انشغالهن بإعداد وجبتي فطور وعشاء متنوعة، ينتشرن في الحديقة كالفراشات، يمارسن رياضتهن بخفة وحيوية. تتابع عائشة المشي حول الحديقة، وبتؤدة تستنشق هواء المساء العليل ثم تسترسل قائلة :" أنا امرأة نشيطة، أنظم أموري بإحكام، أرتب كل شيء قبل العصر، فطوري غني ومتكامل، ومائدتي لا ينقصها شيء". تتواتر الحركات والقفزات، مثيرة هزيز سمفونية آتية من الأعماق، وبحماس تردف قائلة: " المرأة لها مسؤوليات كثيرة تتغلب عليها بالنظام، حتى تتمكن من تخصيص زمن كاف لممارسة الرياضة قبل موعد الإفطار". الرياضة الأنسب في رمضان : حسب الدراسات الرياضية، يستفيد الجسم من الرياضة بقدر ملاءمتها للقدرات البدنية للشخص الممارس. فإذا كان الشخص معتادا على ممارسة تمارين شاقة،فينصح بتقليص الوقت المخصص للتمارين في حدود 45 دقيقة، والتنويع في هذه التمارين، حتى لا يتم تفعيل الجهد على نفس العضلة يوميا، بل يجب تقسيم التمارين والتركيز كل يوم على عضل مختلف. يفيدنا الدكتور محمد عتيق قائلا: "الرياضة الأنسب في رمضان هي المناسبة للخصائص الذاتية التي تميز شخصا عن آخر فالذي تعود ممارسة الرياضة طيلة السنة تتميز قدراته الجسمية عن ذلك الذي خص بها رمضان دون غيره وكذلك الذي تصيبه العلل، وأيضا يلعب عنصري السن والجنس دورهما في التمييز". وبالنسبة للأشخاص غير الرياضيين،يضيف الدكتورعتيق قائلا " الرياضات الهوائية كالمشي أو الدراجات ورياضة السباحة تبقى الأكثر أمانا. كما يستحسن عدم ممارسة رياضة الركض، أوالرياضة القاسية الشاقة".