حينما قطن الفساد اغمارة، القبيلة العالمة. أبدأ بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأعود بالله من شياطين الجن والإنس العابثة بضعاف الإيمان، ضعاف الصبر، ضعاف الامتنان للخيرين وعكس دلك، ضعاف الشخصية، ضعاف الرأي الحر والنزيه، ضعاف الفكر المسئول والواعي. نكاد نصدق أنفسنا وأنفس الآخرين من خلال ما يحكوا لنا عن اغمارة العتيدة العالمة وأمجادها الخالدة وكيف كانت عبر التاريخ فكريا وسياسيا ودينيا، نعم كانت المرجع والمحج الذي يقصده خير الناس من أهل العلم والصلاح والورع والتقوى رغبة في الاكتساب المعرفي على يد علماء عباقرة ستظل أسماءهم متوارثة عبر الزمن والماحي لما جاءت بهم مقدمة حديثنا من ضعاف عابث بهم الشيطان إلى لا عنوان. وألآن ما وزن اغمارة في ميزان الحضارة والرقي والنمو والازدهار وثقافة الإنسان؟ هل ما زالت اغمارة تلك القبيلة الكبيرة الموحدة والمتماسكة؟ ما هو حال العلم الذي لا طالما عرفت به اغمارة عبر الأزمان؟ أين هي الروح النضالية الغمارية؟ تساؤلات وأكثر تصب في لب أغمارة وتموقعها داخل السياق العام بتعدد أوجهه والمجالات التي يحتويها. بلا أساليب زخرفية وبدون تعقيدات مفاهيمية ولنسمي الأمور بمسمياتها، أغمارة سقطت إلى مستوى الحضيض بعدما كانت تاريخيا على سلم مجد العلم والفكر وكانت مضرب المثل فيهما، أين هي المسابقات في حفظ القرآن الكريم وتجويده؟ أين هو عدد المساجد القرآنية من الماضي؟ أين هم ممثلي العلم والتقوى والفكر من أهل اغمارة؟ أين هي تأليفات اغمارة وإبداعاتها الفنية والأدبية الخلاقة؟ أين هي الدروس والعبر التي كانت ترسلها اغمارة للعالم العربي؟ أين هو الإرث الغماري من هدا؟ اذهب في جولة استطلاعية تأملية في هاته المنطقة واستخدم منطقك الفكري الاستنتاجي الاستنباطي السليم وأجب عن تساؤلاتي التي اعتذر لكثرتها ربما لثرثرتي وكلامي الزائد. هل وجدت مكتبة ثقافية في إحدى مكونات القبيلة؟ هل وجدت مركزا ثقافيا يحتضن الشباب الغماري ويربط تاريخهم بواقعهم لتنكشف رؤيتهم المعتمة حول مستقبل المنطقة؟ هل وجدت منظمة أو هيئة من المجتمع المدني يكاد إشعاعها يصل حتى المستوى الإقليمي فحسب ولا اكثر؟ هل وجدت مركزا إيوائيا لفئة دوي الاحتياجات الخاصة؟ هل وجدت مركزا خيريا للأشخاص المتخلى عنهم ومن ليس لهم من يأويهم؟ هل وجدت جمعية، أو ناديا ولو بسيط في أي رياضة كانت؟ هل وجدت ملعبا لكرة القدم معشوشبا؟ هل وجدت تمثيلية جماعاتية في المستوى؟ هل وجدت رئيسا يتكلم بمنطق المسئول؟ هل وجدت ممثلا نيابيا أو مستشارا برلمانيا عن امة اغمارة نائبا ومدافعا عن قضاياها وبالمرصاد لكل تعسف ضدها؟ الم ترى فلاحيي المنطقة كيف يشتكون؟ الم ترى بحارة المنطقة كيف يتألمون؟ الم ترى مسئولي المنطقة بملء أفواههم كيف يضحكون؟ هل وجدت من يسوق اسم القبيلة، أو مكونا منها إعلاميا وأهلها مجتمعين منصتين، مفتخرين؟ هل رأيت مسئولين رياديين كيف لهيئات المجتمع المدني يقمعون ولصوت الحق مكتمين؟ وآسفااااه، يجيب الزائر المستطلع، كل ما تقدم نعم وجدته في و من العدم، نعم وجدت جماعات خاوية على عروشها، نعم وجدت شبابا حفاة يتقاذفون جلدا مدورا، وجدت الفساد عمر طويلا هناك، وجدت مستشفيات كارثية يندى لحالها الجبين، وجدت شبابا تحت أشعة الشمس الحارقة يعملون بدافع الغيرة على المنطقة وأهلها بدون ادني مستلزمات أداء المهمة والعمل، وجدت فقيها محفظا وأمامه أربعة صغار يرددون أيات الذكر الحكيم، فبكى أمامي خجلا، وجدت هياكل مسندة على كراسي، لحاها منتصبة كأشواك الصبار وشواربها مفتولة كالشياطين متعاندة على لعب المقاهي الفارغة، أصواتها مرتفعة لو كانت في الحق لانتزعته قوة، وجدت شبابا بشواهد الماستر والإجازة ودبلومات مهنية عاطلين على ضفاف البحر متأملين أحوالهم قبل أحواله، وجدت شبابا واعيين ولأفكار اقتصادية حاملين ولم يجدوا مساندا ولا عونا لهم، وجدت شابات مناضلات في العلم، مجاهدات، يقطعن عشرات الكيلومترات حبا في التحصيل العلمي، وجدت مراهقين بأنواع السيارات متفاخرين، وجدت أجانب بخرائط من سلوفينيا وما جاورها قادمين يحكون عن المنطقة بلسان طلق وفكر صحيح ثابت عليها، وجدت المعانات حول الماء، وجدت سماسرة في الرقاب متاجرين، وجدت الفقر يتحدث، وجدت الأمية تتبرأ، وجدت الجريمة لم تجد تشخيصا، في ارتفاع جد خطير، وجدت التفرقة والشتات بين العائلات والأسر، وجدت المشاكل الارثية، وجدت شيخا طاعنا في السن في يديه كيسا من البلاستيك الأسود بداخله أوراقا ممزقة الأطراف، على لسانه ملكية أرضه التي أراد احد أصحاب النفوذ السيطرة عليها، ينتظر الشيخ الحافلة المعلوم وقت مرورها عنده كي يحضر الموعد الذي ضربه لهما القاضي بمحكمة شفشاون، رأيت حب الوطن فيهم، رأيت كيف يستجيبون لنداءه، رأيت التذمر في صفوف الشباب الواعي، رأيت أنصاف فرص الهجرة التي ينتظرونها، وجدت وجوها حزينة ، وجدت ألم الولادة من أقصى اغمارة إلى سانية الرمل، وجدت الامل يواسي الإحباط، وجدت الاستبداد متجسدا في وجوه نحيفة وأخرى منتفخة ذات تجاعيد تجري فيها معاني اللامسؤولية وإهمال الواجب، رؤساء على الجماعات التي تعمل ساعة في الأسبوع، تأملت أسلوبهم التواصلي البليد وكيف يتبرءون من مسؤولياتهم الدستورية، وجدت الرأي تحت دريعة الإكراه، وجدت إنتهاك حرمات وحقوق الإنسان الغماري، وجدت فسادا طغي وطفا على سطح بلاد اغمارة، وجدت تهديدات، وجدت مصيرا يتساءل عن مصيره ووجدت اغمارة تتساءل عن هويتها وماهيتها، وجدت تاريخا وواقعا لا صلة بينهما، وجدت اغمارة خارج السياسات العمومية الإصلاحية للوطن.