أكد وسيط المملكة، محمد بنعليلو، أن مؤسسة الوسيط ترفض المادة التاسعة من قانون المالية الجديد بصيغتها الحالية، مشددا أن هذا الموقف تم التعبير عنه في رسالة رسمية إلى رئيس الحكومة، لأن مقتضى المادة يتعارض مع مبدأ المساواة أمام القانون الذي يقتضي أن يُعامل المواطن والإدارة على قدم المساواة دون أي امتياز لأحد. وفي عرضه خلال افتتاحه لماستر المهن القانونية والقضائية بكلية الحقوق بطنجة، الجمعة الماضية، في سلسلة أنشطته العلمية الدورية، برسم الموسم الجامعي 2019/2020، وذلك بتأطير من وسيط المملكة، حيث تحدث السيد محمد بنعليلو وسيط المملكة المغربية، باسهاب عن المؤسسة وتطورها التاريخي، معتبراً اياها من أقدم المؤسسات في تاريخ الأنظمة السياسية باعتبارها آلية من آليات التنظيم الإجتماعي عبر العصور، ومرصد لأحوال الناس في علاقتهم بالسلطة، وآلية لرأب الصدع الذي قد ينشأ بين المواطنين والإدارة، كما استعرض المتحدث أمام الحضور الذين غصت بهم قاعة الندوة، كرونولوجيا تاريخية لأهم محاطات تطور مؤسسة الوسيط انطلاقا من وزارة الشكايات إلى أن حين ولادة المؤسسة بشكلها الحالي ودسترها سنة 2011. وفي السياق ذاته بسط بنعليلو أهم أهداف واختصاصات ومجالات عمل المؤسسة، متعبراً هذه الأخيرة لبنة أساسية من لبنات البناء الحقوقي والديمقراطي في بلادنا، تستهدف المساهمة في الإرتقاء بحقوق الإنسان والنهوض بالحكامة المرفقية ورفع المظالم وتخليق المرفق العام، وعرج المتحدث عن آليات تنفيذ هذه الاختصاصات، أهمها آلية تلقي الشكايات والتظلمات، وآلية طلب التسوية الودية من الإدارة، مُشيراً في هذا الصدد إلى أن المؤسسة منذ تأسيسها لم تتوصل بأي طلب من أي إدارة لتسوية نزاع ما، وهذا ما يُشكل انعكاس لدرجة نضج المرفق العمومي ببلانا، الذي لازال يفضل سلوك المسطرة القضائية التي تحوّل العلاقة بين المواطن والإدارة إلى علاقة تصادمية وهو ما من شأنه أن يوسع الهوة بين الطرفين يقول بنعليلو. إضافة إلى ما سبق يُضيف المتحدث فإن المؤسسة تملك آليات عمل أخرى كالمبادرة التلقائية من خلال بسط يدها على موضوع معين يستأثر باهتمام الرأي العام ويدخل في مجال عمل المؤسسة، مؤكداً أن المؤسسة منذ نشأتها لم تبادر لحد الآن إلى تفعيل هذه المبادرة، حيث تقوم بدل ذلك برفع تقارير إلى رئاسة الحكومة بشأن المواضيع المثيرة للنقاش العمومي. واعتبر بنعليلو في سياق حديثه أن مؤسسة الوساطة هي الآلية الأكثر استيعابا لحقوق الأفراد والجماعات والدولة، وأنها ليست مجرد مؤسسة لتأثيث المشهد المؤسساتي بالمغرب، بل لها درجة كبيرة من الأهمية، و وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها مؤهلة بشكل كبير لتدبير جدلية الحقوق والإلتزامات في إطار العلاقة الثنائية بين المواطن والإدارة، ولرصد وتقويم الأنماط السلوكية الإدارية المعيبة، ودعم السلم الاجتماعي من خلال الوساطة التوفيقية التي تعمل على تقريب وجهات النظر وإيجاد حلول توافقية تجنب الدولة أسباب إهدار فرص التنمية، مُشدداً على إلزامية توصيات المؤسسة دستورياً وسياسيا وأخلاقية، و وصف في هذا الصدد النقاش حول القوة الإلزامية لمؤسسة الوسيط ب”النقاش المُحرّف” على اعتبار أن الإلزامية بمفهوما الزجري والإجباري غير واردة في جميع الدولة التي تحتضن تجارب الوساطة المؤسساتية. وعاب بنعليلو بشكل غير مباشر على الإدارة المغربية، عقليتها التدبيرية، مُعتبراً أن من أهم الإكراهات التي تثبط عمل مؤسسة الوسيط، هي السياق الإداري غير المساعد الذي تشتغل فيه، ومن مظاهره إحجام الإدارة عن التسوية، وعدم تفاعل الإدارة مع توصيات المؤسسة، وأكد في هذا الصدد أن مؤسسة الوسيط ليست ضد الإدارة بل مصاحبة لها. وختم بنعليلو عرضه بإبراز مجموعة من الأرقام التي تهم عمل المؤسسة من سنة 2011 إلى غاية 2018، مؤكداً المؤسسة أصدرت 1941 توصية، نُفذت منها 40 بالمائة فقط غير أنها نسبة محترمة على الصعيد الدولي يُردف المتحدث، الذي أضاف أن المؤسسة توصلت بما مجموعه 75188 تظلم، غير أنه بعد دراسة التظلمات يُضيف المتحدث تَبيّن أن 23 بالمائة فقط منها تدخل ضمن اختصاصات المؤسسة في حين يخرج الباقي عن نطاق هذا الاختصاص، حيث تتوصل المؤسسة بتظلمات تهم علاقات أسرية وعلاقات شخصية وهو ما يترجم الصورة التي يحملها ذهن المواطن عن هذه المؤسسة، وقال بنعليلو في هذا الصدد : المواطن لا يعرفنا ولا يعرف اختصاصاتنا ويجب علينا مضاعفة العمل التواصلي لتقريب هذه المؤسسة إلى المواطن. الندوة التي احتضنتها ملحقة كلية الحقوق بطنجة، بحضور ممثل عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية وممثلين عن هيئات القضاء والمحاماة وأساتذة جامعيين وعدد من المهتمين والطلبة، افتتحت بكلمة ترحيبية للدكتورة وداد العيدوني منسقة ماستر المهن القانونية والقضائية، قدمت فيها نبذة مقتضبة عن مؤسسة الوسيط، التي اعتبرتها استثمار لتقليد عريق لولاية المظالم، وأن التطور المرفق الإداري بالمغرب أفرز هذا الكيان كمؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، ترمي إلى سيادة القانون ودعم مبادئ الشفافية والنزاهة وتخليق المرفق العمومي. وأكد عميد كلية الحقوق، محمد يحيا، أن هذه الندوة تأتي في إطار إنفتاح المؤسسة الجامعية على محيطها الإقتصادي والاجتماعي، مُعبراً عن فخره بالدينامية الدؤوبة لماستر المهن القانونية والقضائية، وأبرز في هذا الصدد أهمية موضوع الوساطة المؤسساتية كموضوع نوعي في قلب التحولات الكبرى التي تعرفها المملكة.