يخلد الشعب المغربي قاطبة يوم التاسع من أبريل من كل سنة ذكرى الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة الملك الراحل محمد بن يوسف إلى طنجة سنة 1947، وجاءت هذه الزيارة التاريخية لتشكل منعطفا حاسما في مسيرة النضال الوطني من أجل الاستقلال. وقد كان المستعمر سواء بالمنطقة الخليفية أو السلطانية أو الإدارة الدولية بطنجة، على وعي تام بما ستثيره هذه الرحلة التاريخية من أحداث وما ستخلفه من انعكاسات سيكون لها وقع خاص على تنامي الوعي الوطني للشعب المغربي. وأشد ما كان يخافه الاستعمار الدلالات الرمزية للرحلة كمحطة مؤذنة باستقلال المغرب كافة. ومن الإجراءات التي سلكتها سلطات الحماية الفرنسية، قيام مقيمها العام بإبلاغ السلطان محمد بن يوسف رفض”واشنطن” و” لندن” للزيارة و احتمال رفض اسبانيا كذلك، و أشاعت أن السككيين سيضربون عن العمل يوم الزيارة. و بعدما تأكدت أن الرحلة واقعة لا محالة حاولت الادارة الفرنسية تحقيق أخف الضررين فاشترطت أن يكون السفر بحرا و أن تطلع مسبقا على الخطاب الملكي و أن تدرج فيه عبارات الثناء و الشكر للصداقة الفرنسية المغربية، كما اشترطت مرافقة المقيم العام الفرنسي لجلالة السلطان، كرمز لاستمرار الوصاية الفرنسية على المغرب. وكمحاولة أخيرة لثني السلطان عن فكرة الرحلة، تسببت فرنسا في مذبحة رهيبة بالدار البيضاء بسبب شجار بين جندي فرنسي من أصل سنغالي وبين مغربي ، خرجت على إثرها فرقة فرنسية تتكون من السنغاليين من ثكناتها و انتشرت في الشووارع تجرح و تقتل وتهاجم المنازل دون أن تحرك القيادة العسكرية ساكنا لحماية السكان المغاربة. لكن هذا الحادث زاد من إصرار السلطان على الرحلة. وضعية طنجة الدولية شهدت طنجة خلال تاريخها الطويل صراعا بين مختلف القوى بهدف السيطرة عليها، وابتداء من القرن 19 تعرض المغرب إلى ضغوط امبريالية أوربية، وشكلت طنجة بحكم موقعها الاستراتيجي مطمعا أساسيا لمختلف الدول الأوربية، التي سعت على الدوام إلى السيطرة عليها، غير أن التنافس الاستعماري عليها، حال دون وقوع المدينة تحت سيطرة دولة بعينها. وأمام تزايد التغلغل الأجنبي بالمغرب سعى السلاطين المغاربة إلى حصر التواجد الأجنبي الأوربي بطنجة. فأصبحت طنجة مقرا للقناصل والدبلوماسيين والتجار والمغامرين ورجال الدين. ومع تزايد الأجانب بالمدينة وتوسع أنشطتهم بها، أنشئت عدة مرافق لتلبية احتياجاتهم، و نظرا لأهمية طنجة الجيو- استراتيجية حاولت العديد من الدول الأوربية السيطرة عليها، ليخلص الأمر في الأخير إلى عقد اتفاقيات ثنائية أيدت إقامة نظام إداري خاص بطنجة. وبعد مفاوضات عسيرة، تم حل مسألة طنجة من طرف البلدان الاستعمارية خصوصا التي يهمها الأمر(فرنسا -اسبانيا – بريطانيا) فتم التوصل إلى اتفاقية 18 دجنبر 1923، التي وضعت طنجة تحت نظام دولي على أساس التناوب بين مختلف الدول الأوربية الموقعة على عقد الجزيرة الخضراء. وقد توقف العمل بالإدارة الدولية بطنجة بعدما أقدمت إسبانيا على استغلال ظروف الحرب العالمية الثانية واحتلال طنجة من سنة 1940 إلى 1945، حيث سيعيد الحلفاء العمل بالنظام الدولي إلى غاية سنة الاستقلال 1956. مسار الرحلة الملكية والأنشطة المواكبة لها اعتمدت في الوقوف على مسار الرحلة الملكية إلى طنجة والأنشطة التي واكبتها على تقييد لأحمد بن محمد الكردودي، الذي كان يشغل مهمة كاتب بوزارة القصور و التشريفات الملكية، وحمل التقييد عنوان “رحلة الجلالة المحمدية إلى طنجة عاصمتها الدبلوماسية” (17-21 جمادى الأولى 1366/ 9-13 ابريل1947)، ويقدم هذا التقييد تفصيلا شاملا لبرنامج الرحلة ولأهم المحطات التي مرت منها. انطلق الموكب الملكي من الرباط مرورا عبر عرباوة يوم الأربعاء 9 أبريل، وبعد وصوله إلى مدينة أصيلا التقى ممثلي مختلف وسائل الإعلام الوطنية والعربية، و أفضى إليهم بالتصريح التالي “ها أنتم ترون أن المغرب أمة واحدة بل عائلة واحدة، و أن أمنية الأمة المغربية التي ستحقق بعون الله هي أمنية جميع الأمم العربية”. وبعد وصوله إلى طنجة مساء التقى مختلف الشخصيات المدنية والدبلوماسية بالمدينة، لتوجه مباشرة إلى قصر المندوب السلطاني الذي سيكون مقرا لإقامته. ويوم الخميس 10 أبريل، سيستقبل السلطان ممثلي السلك الدبلوماسي، كما سيلقي خطابه التاريخي أمام الشعب و ممثلي الأحزاب الوطنية. و بعد فراغه من الخطابه استقبل كل من أحمد بلافريج و عمر بن عبد الجليل مندوبين عن حزب الاستقلال وأعضاء عن فرع الحزب بتطوان. البعد السياسي للزيارة الملكية إلى طنجة. تأتي سنة 1947 و قد مرت 3 أعوام على تقديم المغرب لوثيقة المطالبة بالاستقلال بتاريخ 11 يناير 1947، غير أنه تم تجاهل حق المغرب في التحرر رغم التضحيات الجسام التي قدمها خلال الحرب العالمية الثانية. و في هذا الجو انطلق التفكير في تحرك يسير بمطلب الاستقلال إلى غايته، و من هنا انبثق عزم جلالة الملك محمد الخامس على زيارة طنجة، حتى تكون متنفسا لإسماع صوت المغرب لسفراء الدول الأجنبية، و بواسطتهم إلى العالم أجمع. و كان في طليعة هذه المبادرات الملكية، خطابه يوم الخميس 10 أبريل 1947 في حدائق قصر المندوبية بطنجة، في تجمع مكثف حضره رجال المخزن و سفراء الدول الأجنبية و سلطات الإدارة الدولية بطنجة، فضلا عن جماهير المواطنين من طنجة و من خارجها. و في خطابه أعلن مخططه لما سيسير عليه المغرب للوصول إلى الاستقلال و استمرار تشبثه بالحرية، ” إن حق الأمة المغربية لا يضيع و لن يضيع . فنحن – بعون الله و فضله- على حفظ كيان البلاد ساهرون ، و لضمان مستقبلها الزاهر المجيد عاملون ، و لتحقيق تلك الأمنية – التي تنعش قلب كل مغربي – سائرون”. وإزاء إدماج المغرب في ما يسمى ب”الوحدة الفرنسية ” أعلن جلالته عن معارضته عن طريق اتجاه المغرب نحو الجامعة العربية. كما أكد على وحدة مختلف المناطق المغربية. و إلى هنا فإن خطاب طنجة اهتم أكثر بثلاث ركائز لتحقيق الاستقلال : – إصرار المغرب على التحرر. – وحدة المغرب وإلغاء الحدود بين مناطقه الثلاث (السلطانية والخليفية وطنجة الدولية). – رفض كل انتماء يعارض وحدة المغرب. وبخصوص أبعاد رحلة و خطاب طنجة يعتبر شارل أندري جوليان الخطاب الملكي بطنجة منعطفا تاريخيا ترتب عنه توجه مصيري، لا بالنسبة للمغرب فحسب، بل بالنسبة لأقطار المغرب العربي بأجمعها. أما روم لاندو وفي كلمة أخرى صرح بالتالي ” أما أعظم ما تبرمت منه حكومة باريس في هذه الحوادث، فهو حرارة الاستقبال الذي استقبل به الأهالي عاهلهم أثناء مقامه بطنجة، وخلال مروره بالمنطقة الاسبانية، و بذلك تحقق للفرنسيين أن محمد الخامس ليس ألعوبة باهتة الألوان و إنما هو زعيم وطني”. هذه بإجمال هي الحصيلة السياسية التي أسفرت عنها رحلة طنجة وخطاب طنجة. حيث اتخذت بساحاتها قرارات حاسمة حددت مستقبل المغرب. لتنطلق بعد ذلك مسيرة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال. وسترسخ الزيارة الملكية مكانة طنجة كمدينة لاتخاذ القرارات الكبرى. و ستكون طنجةالمدينة التي تحقق على أرضها توحيد الأحزاب الوطنية الأربعة في جبهة واحدة يوم 3 أبريل 1958 حيث انعقد مؤتمر اتحاد المغرب العربي بمساهمة أقطاب الوطنيين في كل من المغرب و الجزائر و تونس. كما أن المدينة تشهد حاليا تطورات كبرى تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، حيث شهدت ولازالت أوراشا كبرى لتعزيز بنيتها التحتية، وتأهيل فضاءاتها الطبيعية والتاريخية، كما أنها أصبحت قطبا صناعيا ولوجستيكيا دوليا، ومركزا محوريا للاستثمارات الأجنبية.