دعت عدد من المراكز والمؤسسات البحثية بالمغرب إلى ميثاق وطني للديمقراطية والتنمية والمواطنة، يخرج من الالتباس الذي وقع فيه تقرير النموذج التنموي الجديد، عندما اكتفى بسرد أعراض الأعطاب الكبرى، دون أن يقوم بتشخيص دقيق للأسباب. وشددت المؤسسات الفكرية على أن الميثاق يجب أن يؤكد على اعتماد الحوار كآلية لا محيد عنها لتحديد الاختيارات الكبرى للبلاد، خاصة في الجو الذي نعيشه والذي يتسم بانعدام الثقة، كما ينبغي أن يتضمن إشارات قوية إلى القطائع التي يجب أن نقوم بها لفتح صفحة جديدة، مع إرساء قواعد الحكامة، ومحاربة الفساد، وضمان نزاهة واستقلالية القضاء وغيرها. وأبرزت المؤسسات أنه من المهم أن يتضمن الميثاق العناوين الكبرى لاختيارات المستقبل، على أن تتكفل السياسات العمومية بوضع القرارات المرتبطة بها موضع التطبيق، وعند ذلك فإن التنافس بين الفاعلين السياسيين سيكون حول مضامين السياسات العمومية وحول مدى ملاءمتها للاختيارات التي تحقق حولها الإجماع الوطني. وأشارت إلى أنه يمكن الاستفادة مما جاء في تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، من أفكار وتوصيات واقتراحات عملية في بعض الأحيان، كما يمكن تدقيق بعض الاختيارات المتعلقة بدور ومكانة القطاع العمومي، بما يؤكد أحقيته بقيادة استراتيجية التقدم في بلادنا. ولفتت المؤسسات إلى أن إعداد الانسان المغربي لتحديات المستقبل، لا يمكن أن يتخذ فقط بعداً ماديا يتعلق بتحسين الأوضاع المعيشية، وتحقيق نمو اقتصادي وتكافل اجتماعي يحافظان على استقرار البلاد وتماسكها، بل من الضروري أن يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الثقافية والروحية للتقدم الذي ننشده. وأكدت المؤسسات على إن التوجه نحو دولة قوية أمر ضروري، لكن الدولة لن تكون قوية إلا إذا كانت ديموقراطية، حامية لكل مواطنيها، وكذلك فإن التوجه نحو مجتمع قوي هو أمر وجيه، لكن المجتمع لن يكون قوياً إلا بتوسيع فضاء العلم والمعرفة، وتحقيق المساواة، وتوسيع الحريات الفردية والجماعية، ووضع آليات للإدماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشباب، وإصلاح المنظومة الصحية وتجويد خدماتها وتوفير رعاية اجتماعية فعالة، ودعم البحث العلمي والقدرات التكنولوجية للقطاع الطبي. وأوضحت أنه "بهذا الاختيار لدولة قوية ولمجتمع قوي سنضمن مشاركة كل الطاقات في بناء مغرب متقدم، قادر على الاستجابة لتطلعات مواطنيه، في مناخ تطبعه الثقة والمصداقية، وتسود فيه قيم الاستحقاق والكفاءة والنزاهة". وأكدت الوثيقة التي وقعتها المؤسسات على مركزية الدستور في الحياة العامة وعلى تغليب التأويل الديموقراطي لأحكامه، مشددة على الملكية الديموقراطية البرلمانية الاجتماعية من خلال التكريس الفعلي لمبدأ الفصل بين السلط وتوازنها وتعاونها، والاحترام التام للمؤسسات المنتخبة. كما أبرزت ضرورة الإصلاحات الجوهرية، السياسية والدستورية والمؤسساتية التي من شأنها أن تعيد المصداقية والنجاعة للحقل الحزبي والنقابي، وتمكن المجتمع المدني من آليات المشاركة والمبادرة الخلاقة، فضلا عن انفراج حقوقي، وتصفية الأجواء السياسية، من خلال مبادرات ملموسة من الدولة تجاه المجتمع، كمقدمة لعودة الثقة، بدءا بإطلاق سراح الصحفيين ومعتقلي الحراك الاجتماعي، مع حماية الحقوق والحريات الأساسية والالتزام بمنع كل حد منها، والاعتراف بها كجزء لا يتجزأ من البناء الديموقراطي. ويشار إلى وثيقة الدعوة للميثاق الوطني وقعتها كل من مؤسسة علال الفاسي، ومؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، ومؤسسة علي يعتة، مؤسسة أبو بكر القادري، ومركز محمد بنسعيد آيت يدر، ومركز محمد حسن الوزاني، مؤسسة عبد الهادي بوطالب.