يواصل المغرب، الذي ما فتئ يكرس تواجده بإفريقيا، مجهوداته من أجل تعزيز حضوره على مستوى القارة، مما جعله يحظى باعتراف الشركاء ومراكز البحث الدولية المرموقة. فانطلاقا من أساس متين، عماده الاستقرار السياسي واقتصاد متنوع، يستثمر المغرب مؤهلاته المتعددة ليحلق نحو آفاق جديدة، مكرسا بذلك موقعه كقوة اقتراحية قارية ووجهة مفضلة للاستثمارات الأجنبية. وهي المعطيات التي توقفت عندها العديد من المراكز الدولية للبحث، ومنها "إرنست أند يونغ"، وهي إحدى أكبر مجموعات الافتحاص المالي والاستشارة في العالم.
فقد أكد المركز في تقريره برسم سنة 2018 حول الاستثمارات في إفريقيا، أن المغرب أصبح يتقاسم مع جنوب إفريقيا المركز الأول من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا.
وحسب التقرير، فقد جذب كل من المغرب وجنوب إفريقيا 96 مشروعا للاستثمار الأجنبي عام 2017. وتأتي كينيا في المرتبة الثالثة ب 67 مشروعا.
وأكد المركز الذي أورد نقط قوة المغرب، ولاسيما نموه الاقتصادي ومناخه السياسي الذي يتسم بالاستقرار، أن "المغرب يظل أحد أكثر الوجهات جاذبية للاستثمار في إفريقيا".
وأشار إلى أنه بفضل مناخ الاستقرار والأسس الاقتصادية المتينة، تمكن المغرب، إلى جانب جنوب إفريقيا، من جذب أكبر عدد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا سنة 2017.
وقد سلط المركز الضوء بشكل خاص على قطاع صناعة السيارات، الذي أصبح أحد ركائز الاقتصاد المغربي، بحيث يواصل هذا القطاع جذب المستثمرين للمغرب، خاصة وأن المملكة تعتزم تعزيز مكانتها كمركز دولي لهذه الصناعة الواعدة .
ففي منطقة شمال إفريقيا، يحتل المغرب موقع الريادة بلا منازع ، حيث يستحوذ على 52 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمنطقة ، متقدما بكثير على مصر التي احتلت المرتبة الثانية ب 30 المائة.
وأوضح مركز "إرنست أند يونغ" أنه مثلما هو الحال بالنسبة لجنوب إفريقيا بمنطقة إفريقيا الجنوبية، ونيجيريا بغرب إفريقيا، وإثيوبيا بشرق إفريقيا، يبقى المغرب القوة الاقتصادية الرئيسية بشمال إفريقيا.
وقال غراهام طومسون، مدير منطقة إفريقيا في المركز، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء- جوهانسبورغ، إن المغرب تمكن من زيادة جاذبيته في أعين المستثمرين الأجانب بفضل الاستقرار السياسي الذي يتمتع به والإصلاحات الجريئة التي تم تفعيلها خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن هذه الإصلاحات تقدم ضمانات قوية يسعى إليها المستثمرون في ما يتعلق بحماية مشاريعهم وشروط ازدهار أنشطتهم.
وأضاف أن المستقبل يبدو مشرقا بالنسبة للمغرب، معبرا عن يقينه بأن المملكة ستواصل العمل من أجل تعزيز موقعها ضمن وجهات الاستثمار الأولى بإفريقيا، مستفيدة من العديد من المزايا التي تتمتع بها.
وقد أثارت الخلاصات التي توصل إليها مركز "إيرنست أند يونغ" ردود فعل بجنوب إفريقيا، حيث أكدت الوكالة الحكومية الجنوب إفريقية المسؤولة عن ترويج صورة البلاد "براند ساوت أفريكا"، أن المغرب في طريقه إلى تعزيز مكانته على مستوى الاستثمارات في إفريقيا.
ومن جهته، سجل مدير الأبحاث في وكالة (براند ساوت أفريكا)، بيتروس دو كوك، أن المغرب "يواصل تعزيز مكانته كوجهة للاستثمارات الأجنبية المباشرة"، مضيفا أن "المملكة انخرطت في مسار لتعزيز مؤهلاتها خلال السنوات القادمة". وأبرز كوك، في هذا الصدد، أنه يتعين على جنوب إفريقيا أن تضاعف الجهود لمجاراة الوتيرة التي بات يفرضها المغرب.
كما شكل المنتدى الإفريقي حول الاستثمار، الذي انعقد في شهر نونبر الماضي بجوهانسبورغ، فرصة لاستعراض النموذج المغربي المتميز، حيث برزت المملكة خلال هذا الملتقى، الذي يوصف ب"دافوس إفريقيا"، كبلد ي ثبت أن القارة الإفريقية قادرة على استثمار مؤهلاتها ومواردها لكي ترسي لنفسها المكانة اللائقة بها، باعتبارها الفضاء العالمي المستقبلي لإنجاز الأعمال وتحقيق النمو.
وهكذا أسمع المغرب صوته في قطاعات ذات أهمية بالغة في الهيكلة الجديدة للأعمال التي بدأت تتبلور في القارة. وقد حظيت خبرة المغرب المشهود لها بالتميز في مجال تطوير الطاقة المتجددة باهتمام خاص خلال هذا الملتقى، باعتبارها نموذجا ينطوي على تأثير مباشر وواضح على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم يتعين توسيع نطاقه ليشمل القارة بأسرها.
وكان من أقوى لحظات هذا المنتدى توقيع مذكرة تفاهم بين الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن) ومجموعة البنك الإفريقي للتنمية، تهدف إلى تمكين الدول الإفريقية، لا سيما دول منطقة الساحل، من الاستفادة من التجربة المغربية في مجال تطوير الطاقات المتجددة الأكثر ملاءمة للظروف الطبيعية السائدة فيها ولاحتياجاتها الطاقية.
وبهذه المناسبة، أبرز رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية، أكينومي أديسينا، أن النموذج المغربي لتطوير الطاقات المتجددة مثير للإعجاب لأنه ي ثبت أن "بإمكان إفريقيا أن تحقق إنجازات عظيمة ذات بعد دولي".
وإلى جانب قطاع الطاقة المتجددة، س لط الضوء على النموذج التنموي المغربي في مناقشات ندوات أخرى منظمة في إطار المنتدى، بما في ذلك ندوة حول دور القطاعات المالية في انبثاق إفريقيا جديدة.
هي إذن إنجازات تبرزها تقارير المؤسسات الكبرى، التي يمحصها المستثمرون بدقة، والتي تكاد ت جمع على أن هذه المكاسب تؤكد مكانة المغرب باعتباره فاعلا رئيسيا في الجهود الرامية إلى تكثيف العلاقات الاقتصادية على المستوى القاري.