تم يوم الأربعاء الماضي عقد اجتماع للجنة الوزارية المكلفة بالتربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030، ترأسه رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، وحضره عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ونرى أنه من المناسب فهم الأسباب التي تقف خلف الرؤية الاستراتيجية للتعليم بالمغرب، وقد مر إصلاح التعليم من مراحل عديدة، ففي سنة 1999 صدر الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فالجزء الكبير منه يعتبر إطارا مرجعيا لنظرية الإصلاح التعليمي غير أن تنزيله على أرض الواقع لم يكن في مستوى الانتظارات. تم جاء بعد ذلك البرنامج الاستعجالي الذي غطى المرحلة من 2009 إلى 2012 بتمويل غير مسبوق من أجل تدارك الثغرات. وفي صيف 2012، قدم جلالة الملك تشخيصا دقيقا للاختلالات التي لا تزال تعاني منها المنظومة التربوية، ودعا جلالته إلى الإسراع بإصلاحها، تم دق جلالة الملك ناقوس الخطر من جديد في غشت 2013، وقرر إعادة تفعيل المجلس الأعلى للتعليم. وفي صيف 2014 تفضل جلالة الملك بتنصيب المجلس المذكور في صيغته الجديدة وأسند إليه إعداد خارطة الطريق لإصلاح المنظومة التربوية تم قام المجلس بتكريس كل جهوده لإنجاز هذه المهمة وفق مقاربة تشاركية فعلية مستندة على الخبرة وعلى عمل جماعي متواصل. هذه المقاربة مكنت من توفير رصيد هام من الدراسات والأفكار والاقتراحات، الصادرة عن كل من له رأي في الموضوع من المعنين بالفعل التربوي والمستفيدين منه والمهتمين به. وقد تم استثمار هذا الرصيد وإغناؤه بأن تم تعزيزه بتقرير الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس حول حصيلة الميثاق الوطني للتربية والتكوين بين 2000 و2013، وما اعترضت تدبيره من اختلالات قصد تجاوز النقائص وأخذ العبر والدروس. وقد مكن العمل الجماعي، الذي تجلى في مشاركة نموذجية لكافة مكونات المجلس، والاجتهاد الجماعي المكثف الذي انخرطت فيه كل هيئات المجلس، من اعتماد هذه الرؤية من قبل جميع أعضائه، بعد عشرة أشهر من العمل المتواصل والبناء. وعمل المجلس وفق البعد الاستراتيجي المميز لعمله وفق ما ينص على ذلك الدستور، وباحترام كامل لصلاحيات القطاعات الحكومية المكلفة بتدبير السياسات العمومية في مجال التربية، ووضع المخططات العملية والبرامج الإجرائية. وقد انطلق عمل المجلس من خلال سؤالين جوهريين يتعلق الأول بماهية المدرسة التي نريد والسؤال الثاني حول كيفية بناء المدرسة المأمولة. واعتمد المجلس على المقاربة التشاركية مع الفاعلين في ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي وشركاء المنظومة التربوية، وذلك برجوع المجلس إليهم من جديد، لاطلاعهم على مضامين الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، كما تم نهج التعاون البناء بين المجلس والوزارات المعنية من أجل إنجاح بناء مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء الفردي والمجتمعي. وتقوم الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم على مقاربة تشاركية وتشاورية تتطلع إلى تشييد مدرسة جديدة تكون مدرسة للإنصاف وتكافؤ الفرص، مدرسة الجودة للجميع، ومدرسة لاندماج الفرد والتطور الاجتماعي. فمدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص تمر بالضرورة عبر سلسلة من سياسات القطيعة والتغيير، وتروم تعميم إلزامية التعليم ما قبل المدرسي، ووضع تمييز إيجابي لفائدة المدرسة القروية. ويعني هذا ضمان الولوج إلى المدرسة والتكوين للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وإعادة الثقة في المدرسة التي يتعين عليها أن تصبح مدرسة تفاعلية أكثر فأكثر. وأي إصلاح كبير يتطلب أيضا سلسلة من السياسات المجددة تروم بالخصوص ضمان مدرسة الجودة بالنسبة للجميع. ولبلوغ هذه الأهداف يتعين إعادة التفكير في التكوين والتأهيل في مهن التدريس وإعادة النظر في المناهج البيداغوجية ومراجعة البرامج وتوضيح الاختيارات اللغوية وإقامة حكامة جيدة والنهوض بالبحث العلمي والابتكار. بهذه الرؤية يكون المجلس الأعلى للتعليم قد وضع القطار على سكته، لكن الدور الآن على الفعالين في الميدان من قطاعات وزارية وغيرها من أجل إتمام الرسالة التي رسمها المجلس، الذي أنجز دراسته من خلال المقاربة التشاركية التي ينص عليها الدستور.