أخرج المناضل الجزائري حسين آيت أحمد القرية الصغيرة "آث أحمد" أو "آيت أحمد" التي حملت اسم عائلته، من عزلتها، في أعالي جبال بلدية "آيت يحيى" بدائرة عين الحمام بولاية تيزي وزو، شرقي العاصمة الجزائرية. وتجمع عشرات الآلاف من المشيعين في قرية ايت احمد بمنطقة القبائل لحضور جنازة حسين ايت احمد، آخر التسعة الذين فجروا وقادوا حرب التحرير الجزائرية، والذي توفي يوم 23 دجنبر 2015 بسويسرا حيث كان يقيم. وقبل ساعة من وصول جثمان الراحل ايت احمد غصت القرية التي شهدت ميلاده قبل 89 سنة بحشود المشيعين، الذين تجمعوا في محيط الفي متر وعلى الجبال المجاورة بينما قضى الكثير منهم ليله في المكان. وبمجرد وصول الموكب الجنائزي الى القرية بدأ انصاره يرددون شعار"جزائر حرة ديموقراطية" قبل ان تقاطعهم التكبيرات والتهليلات عبر مكبرات الصوت. عائلة الفقيد، ارملته وابناؤه الثلاثة، اكدوا ان المعارض الابدي للنظام الجزائري اوصى بدفنه في قريته الى جانب والديه وخاصة امه التي توفيت سنة 1983 ولم يتمكن من حضور جنازتها لأنه كان مهددا بالسجن. كما رفض قادة حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي اسسه الراحل في 1963، استخدام السيارات الرسمية لمرافقة الموكب الجنائزي الذي انطلق صباح الجمعة من العاصمة الجزائرية نحو مثواه الاخير على بعد 160 كيلومتر. استقبال يليق بالرؤساء ووصل جثمان الراحل ايت احمد من سويسرا أمس الخميس حيث خصص له استقبال رسمي بحضور رئيس مجلس الامة الذي يمثل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في المناسبات الكبرى ورئيس الوزراء وكل الطاقم الحكومي. كما ادت كتيبة من الحرس الجمهوري السلام الشرفي امام نعشه الذي لف بالراية الوطنية وحمل على اكتاف ضباط من الدفاع المدني. ويعتبر الحسين أيت احمد مؤسس اقدم حزب معارض في الجزائر جبهة القوى الاشتراكية. ولم يسبق له ان تقلد اي منصب رسمي بعد استقلال البلاد في 1962 رغم انه من اكبر المساهمين فيه، حتى اطلق عليه لقب "المعارض الابدي" من منفاه في لوزان. ورغم انه من مؤسسي جبهة التحرير الوطني واحد التسعة الذين فجروا حرب التحرير في الاول من نوفمبر 1954، الا انه انسحب منها ليؤسس جبهة القوى الاشتراكية في 1963 لمواجهة حكومة احمد بن بلة اول رئيس للبلاد، حيث قاد تمردا عسكريا انتهى بالقبض عليه قبل ان يفر من السجن مباشرة نحو الخارج. وعاد في 1989 الى الجزائر في نهاية حكم الحزب الواحد الذي تلاه ما يعرف باسم "الربيع الديموقراطي" وشارك حزبه في انتخابات الولايات في 1990 ومن ثم في الانتخابات النيابية في 1991 والتي فازت فيها جبهة الانقاذ الاسلامية، قبل الغائها. وفي يوليوز 1992 اتجه مجددا الى المنفى بعد اسابيع من اغتيال رفيق دربه، واحد التسعة المفجرين لحرب الاستقلال ايضا، الرئيس محمد بوضياف الذي عاد الى الجزائر من منفاه في المغرب. وفي 1995 وابان الحرب الاهلية وقع اتفاق سانت ايجيديو في روما مع احزاب جزائرية بينها جبهة الانقاذ الاسلامية المنحلة لمطالبة الحكومة ببدء مفاوضات لانهاء الحرب الاهلية التي اوقعت 200 الف قتيل. وفي 1999 ترشح للرئاسة لكنه انسحب ابان الحملة الانتخابية معتبرا ان الانتخابات مضمونة لمرشح النظام عبد العزيز بوتفليقة. وفي 2012 قرر آيت احمد التخلي عن رئاسة حزبه جبهة القوى الاشتراكية معتبرا ان "الوقت حان لتسليم الراية" بعد 50 عاما من قيادة "الزعيم" كما يسميه مناضلو الحزب. وكان بوتفليقة المريض اقر ثمانية ايام من الحداد الوطني تنتهي الجمعة، كما حضي المرحوم بوقفة ترحم على روحه في مجلس الوزراء المنعقد الاربعاء. وبالنسبة للمحامي والحقوقي مقران ايت العربي الذي تنقل لحضور الجنازة فان "اليوم ليس يوما للدموع لان حسين ايت احمد مازال في قلوب الجزائريين المحبين للحرية والديموقراطية" كما صرح للصحافيين. اما القيادي في حزب حركة الاصلاح الوطني حملاوي عكوشي فاعتبر ان "الحشود الشعبية التي حضرت جنازة المعارض السياسي حسين ايت احمد قد ردت الاعتبار له"، بعد ان ناضل اكثر من سبعين سنة من اجل استقلال الجزائر ثم من اجل الحرية والديموقراطية. وسيوارى جثمان حسين آيت أحمد الثرى بين أشجار الزيتون في قبة ضريح مؤسس القرية التي تحمل اسم العائلة الشيخ محند الحسين الذي لا يزال يحظى بتقدير كبير بعد أكثر من قرن على وفاته في العام 1901. ويشكل الضريح حيث دفن مع شقيقته مزارا يعج دواما بالوافدين.
تجمع عشرات الآلاف من المشيعين في قرية ايت احمد بمنطقة القبائل لحضور جنازة حسين ايت احمد مقر حزب جبهة القوى الاشتراكية استقبال يليق بالرؤساء