تشكل زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس الى الأقاليم الجنوبية، ترسيخا لخيار التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل الوحدة والتلاحم بين العرش والشعب. وتكتسي هذه الزيارة التي تشكل حلقة أخرى في مسلسل لقاءات جلالة الملك بمواطني هذه الربوع من الوطن، بعدا وحدويا يجسد تمسك المغاربة بالوحدة الترابية للمملكة، ويكرس لروابط راسخة ومتجددة من أجل صيانة هذه الوحدة والتصدي لمناورات الخصوم، وفاء للبيعة ولقسم المسيرة الخضراء.
وتأتي هذه الزيارة، التي تتزامن مع تخليد الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، لبلورة مضامين الخطاب الملكي الذي كان جلالته قد ألقاه السنة الماضية بنفس المناسبة ورسم فيه جلالته الخطوط العريضة للجهوية التي يتطلع إليها المغرب والنموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية الذي يتبناه.
وقد أكد جلالة الملك، في هذا الخطاب أن " الأوراش التي سنقدم عليها، إن شاء الله، خلال السنة المقبلة، تعتبر حاسمة، لمستقبل المنطقة. ويتعلق الأمر بتفعيل الجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية".
وأوضح جلالة الملك أن الغاية من تفعيل الجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية هو "إجراء قطيعة مع نمط التدبير السابق، وتمكين أبناء المنطقة من المشاركة في تدبير شؤونهم المحلية، في ظل الشفافية والمسؤولية، وتكافؤ الفرص".
ومن الأكيد أن إطلاق نموذج تنموي بالأقاليم الجنوبية، يستلهم مبادءه الكبرى من دستور يوليوز 2011 هو نابع من الإرادة الراسخة لجلالة الملك في تنمية هذه الأقاليم وتحويلها كما قال جلالته في الرسالة الموجهة إلى المشاركين في منتدى "كرانس مونتانا"، الذي انعقد بالداخلة في مارس الماضي، "إلى قطب للتلاقي بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء".
كما يعبر هذا الخيار، الذي يستمد أسسه من محاور تتمثل في اعتماد سياسة المشاريع الهيكلية التي توفر بنى تحتية أساسية وتحقق الإقلاع الاقتصادي، واعتماد استراتيجيات قطاعية تساهم بشكل ملحوظ في خلق الثروة، وإحداث مناصب الشغل، خاصة لفائدة الشباب والنساء، عن القناعة الراسخة لجلالة الملك بضرورة القطع مع سياسة الريع عبر تحرير المبادرة الخاصة، وتعويض السياسات الاجتماعية الحالية باستراتيجية مندمجة للتنمية البشرية، واعتماد مبادئ وضوابط الاستدامة وكسب رهان الجهوية المتقدمة.
ويأتي هذا التوجه الذي تحكمه فلسفة جديدة تتأسس على خلق دينامية تنموية جديدة يشارك فيها أبناء الأقاليم الجنوبية تصورا وتنفيذا، ليعزز القفزة النوعية التي شهدتها الاقاليم الجنوبية عموما وذلك على مستوى التجهيزات والبنيات التحتية التي ساهمت في إنجازها مختلف القطاعات والمؤسسات العمومية ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب والمجالس المنتخبة وفق مقاربة تشاركية وتضامنية.
ومن بين أهم المنجزات التي استفادت منها الأقاليم الجنوبية على مدى 40 سنة، تطوير البنيات التحتية الطرقية والمينائية، وتأمين التزويد بالطاقة الكهربائية والماء الصالح للشرب، وتوسيع وإصلاح شبكة التطهير السائل، وتعزيز البنيات العمرانية وتوفير السكن اللائق، وتعزيز البنيات التحتية الاستشفائية والتربوية والاجتماعية والرياضية، وتعبئة الموارد المائية ومحاربة التصحر.
وتكريسا لهذه الدينامية، تأتي الزيارة التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للأقاليم الجنوبية لتعكس إرادة جلالته في الدفع بمسلسل التنمية بجهات وأقاليم جنوب المملكة وتمكينها من دينامية سوسيو- اقتصادية تستثمر مؤهلات المنطقة ومميزاتها بمشاركة فعالة لساكنة هذه الأقاليم، بغية تحقيق تنمية مستدامة تعتمد التوازن بين هدف خلق الثروات من جهة، والتهيئة الترابية المستدامة وحماية البيئة من جهة أخرى.
إنها بحق مسيرة تنموية مستمرة جاءت عقب ملحمة متواصلة الحلقات، تشكل ذكرى المسيرة الخضراء فصلا من فصولها النضالية والوحدوية التي استرجع بفضلها المغرب أقاليمه الجنوبية، سلاحه الوحيد في ذلك الإجماع الوطني والإيمان بعدالة قضيته، وذلك بعد عقود من الاحتلال الإسباني لهذه الأقاليم.