جاء قرار إعفاء المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بعد أقل من 48 ساعة على البلاغ الأول الصادر عن الديوان الملكي، والذي أمر من خلاله صاحب الجلالة بفتح تحقيق معمق من أجل تحديد المسؤوليات ونقط الخلل التي قد تكون أفضت لإطلاق سراح البيدوفيل الاسباني دانييل غالفان فين، الذي استفاد من عفو ملكي خلال الأيام الأخيرة رغم اقترافه لجرائم اغتصاب في حق أطفال مغاربة. كما أن العزل يأتي بعد اقل من 24 ساعة من البلاغ الثاني للقصر الملكي والذي أعلن من خلاله جلالته سحب العفو الملكي الذي سبق وأن استفاد منه المسمى "دانييل كالفان فيينا"، وإصدار أوامره لوزير العدل قصد التدارس مع نظيره الإسباني بخصوص الإجراءات التي يجب اتخاذها عقب قرار سحب هذا العفو. وقبل الحديث عن تجربة بنهاشم في إدارة المؤسسة السجنية وتداعيات العزل الذي طاله اليوم، لابد من إبراز جانب مهم لم ينتبه إليه الكثير من المحللين والمتتبعين لقضية العفو عن البيدوفيل الاسباني. ويتعلق الأمر بحرص جلالة الملك على احترام القانون والاستناد إلى دستور المملكة، وذلك من خلال التأكيد في البلاغ الملكي الأول بأن التعليمات ستعطى لوزارة العدل من أجل اقتراح إجراءات من شأنها تقنين شروط منح العفو في مختلف مراحله. كما أن هذا الحرص يتضح من خلال البلاغ الثاني حيث جاء فيه أن جلالته أعطى أوامره لوزير العدل قصد التدارس مع نظيره الإسباني بخصوص الإجراءات التي يجب اتخاذها عقب قرار سحب هذا العفو. ومن خلال هذه الإشارات في كلا البلاغين يتضح أن جلالته يجعل من العدالة، التي بوأها الدستور الجديد مرتبة سلطة مستقلة عن باقي السلط، مرتكزا وآلية لحل القضية، وهو بذلك يسير في اتجاه تجسيد مقتضيات الدستور في هذا الإطار. وتتضح إرادة جلالة الملك بخصوص جعل القضاء مرتكزا، ليس فقط كسلطة يحتكم إليها المواطنون ولكن كدعامة وكحافز للاستثمار كما جاء في خطاب العرش الأخير وذلك من خلال حرص جلالته مباشرة بعد البلاغ الملكي الأول بتفتح تحقيق في نازلة العفو عن الاسباني دانيال، وذلك بإشراف من وزير العدل الذي يشرف على قطاع العدل، وكذا الوكيل العام لدى محكمة النقض، الذي يضطلع، من بين مهام أخرى، بالسهر على التطبيق السليم للقانون وللقواعد المسطرية، وكل هذا لترك الحرية امام السلطة القضائية للبحث والتحري في مستويات المسؤولية التي أدت إلى إدراج البيدوفيل ضمن قائمة الإسبان المنعمين بالعفو الملكي.. وأسفرت التحقيق الذي تم فتحه عن وجود تقصير من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إذ أن هذه الأخيرة وضعت بيانات ومعلومات خاطئة ومغلوطة لدى اللجنة المكلفة بالعفو، وعلى إثر ذلك قرر صاحب الجلالة إعفاء حفيظ بنهاشم من مهامه.. ويأتي هذا العزل في وقت تعالت فيه الأصوات منددة بما يجري بالسجون المغربية من تجاوزات من طرف المندوب وبعض المحسوبين عليه، بحيث لا يمر أسبوع إلا وسمع خبر ضبط خروقات وممارسات ضد القانون، أبطالها مدراء ومسؤولين أتى بهم بنهاشم لتنفيذ خطته وسياسته التي تستند على "درجة الصفر من التسامح"، فأصبحت السجون تعج بمظاهر الفوضى والعبث وانتشار المخدرات وتجارتها بتواطؤ مع بعض الموظفين ... ومنذ أن قدم بنهاشم إلى إدارة السجون، وهو المحسوب على عهد البصري، لم تتوانى جمعيات المجتمع المدني والحقوقي في إصدار صفارات الإنذار محذرة من الوضعية الكارثية التي تعيشها مختلف مراكز الاعتقال حيث أصبحت مؤسسة السجن دولة داخل دولة، يصول فيها زبانية بنهاشم ويجولون دون أي رادع، والأدهى من ذلك دخول المندوب في صراعات مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يعد مؤسسة دستورية، ورفضه زيارة اللجنة البرلمانية لتقصي أحوال السجناء، ضاربا عرض الحائط بالمقتضيات الدستورية التي منحت للجان البرلمانية في هذا المجال.. كما أن مرحلة تدبير السجون في عهد بنهاشم عرفت أحداثا مأساوية كان أكثرها دموية تلك التي عرفها سجن سلا سنة 2011 بعد تمرد سجناء السلفية الجهادية وكذا الانتحارات الكثيرة والإضرابات عن الطعام والرشاوى والبيع والشراء داخل السجون وأخيرا هجوم سجين على موظف بالسجن المدني بسلا، وتكسير عظامه ولم تصدر حينها المؤسسة ولو بلاغ حول الحادث.. مختصر الكلام أن إمبراطورية السجون في المغرب تغلبت على شخص حفيظ بنهاشم، وأن أخطاءه الكثيرة والمتراكمة جعلت مسلسل الإصلاح الذي بدأه يقف، ويجوز القول بأن دانييل تغلب على بنهاشهم بالضربة القاضية. مجمل القول إن السجون في عهد بنهاشم أصبحت مافيا حقيقية.. ودولة غريبة داخل دولة.. يشار إلى أن حفيظ بنهاشم (1936، بوفكران، مكناس) كان مديرا للأمن الوطني المغربي بين 1997 و2003، وأصبح مندوبا عاما لإدارة السجون وإعادة الإدماج في منذ 29 أبريل 2008. وبدأ مسيرته المهنية بالإدارة العامة للأمن الوطني، إذ شغل عدة مناصب بهذه المديرية، والتحق في سنة 1971، بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية بصفة رئيس دائرة. ومنذ يناير 1975 شغل منصب عامل بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية إلى غاية ماي 1997. حصل سنة 1994 على وسام العرش من درجة قائد. ثم شغل منصب المدير العام للأمن الوطني من ماي 1997 إلى غاية يوليو 2003.