قطع المغرب وإسبانيا٬ البلدان الجاران والصديقان والمتقاسمان لقيم السلام٬ خطوة جديدة في التزامهما من أجل جعل حوض البحر الأبيض المتوسط منطقة سلام واستقرار دائم. وهو الأمر الذي أزعج جيراننا الجزائريين، الذين شعروا بأنهم بعيدين عن لعب مثل هذه الأدوار الرائدة في العالم، ألا وهي الوساطة وإقرار السلام، بل ذهب البعض إلى القول إن التقارب الاسباني- المغربي لن يكون في صالح الجزائر، هذا البلد الذي رغم الجوار والجغرافيا والتاريخ أبدى إلا أن يكون مصدر إزعاج دائم للمغرب، واحتضن لعقود ما يسمى بجبهة البوليساريو، التي أصبحت تهدد استقرار المنطقة بشمال إفريقيا وجنوب الصحراء خاصة مع انخراط مليشياتها في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وقد عكست الندوة التي عقدت يومي 11 و 12 فبراير الجاري بمدريد حول تعزيز الوساطة٬ والتي تأتي بعد إطلاق المبادرة المغربية الإسبانية حول الوساطة في حوض البحر الأبيض المتوسط في شتنبر الماضي بنيويورك٬ رغبة البلدين في نشر ثقافة الوساطة في الفضاء المتوسطي وتطويرها٬ بغية تفادي النزاعات التي تهز المنطقة٬ والعمل على فضها.
كما شكلت ندوة مدريد دليلا قاطعا على مدى التزام البلدين بتثمين القيم والأهداف المشتركة الهادفة إلى تعزيز التسوية السلمية للنزاعات٬ على النحو المبين في الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة.
وتميزت هذه الندوة٬ التي ترأس افتتاحها الوزيران الاسباني والمغربي للشؤون الخارجية والتعاون٬ خوسيه مانويل غارسيا مارغايو وسعد الدين العثماني٬ على الخصوص٬ بحضور الحائزة على جائزة نوبل للسلام للعام 2011٬ اليمنية توكل كرمان٬ والرئيس البرتغالي الأسبق خورخ سامبايو٬ وممثلين وخبراء عن المنظمات الدولية والإقليمية٬ كالأممالمتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وساعد اجتماع مدريد٬ الذي سيليه قريبا اجتماع آخر بالرباط٬ على تشكيل وتعزيز رؤية البلدين المشتركة للحفاظ على السلم والاستقرار والأمن في الفضاء المتوسطي٬ وذلك عن طريق استكشاف السبل والوسائل القمينة بتعزيز قدرة الوساطة في المنطقة٬ وتشجيع التعاون بين الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية والجامعات ومراكز البحث والمجتمع المدني.
كما شكلت ندوة مدريد فرصة لمناقشة "أفكار ومقترحات ملموسة" تروم تعزيز آلية الوساطة في المنطقة٬ وتطوير القدرات الوطنية والمحلية في هذا المجال٬ ثم إقامة تعاون وتآزر بين مختلف الفاعلين المعنيين بهذا الموضوع وبآلياته في الحوض المتوسطي.
وقدم المشاركون في هذا المنتدى٬ الذي ناقش موضوع الوساطة٬ بمشاركة ممثلي 26 بلدا ومنظمات دولية وإقليمية وأكاديميين وفعاليات من المجتمع المدني من ضفتي المتوسط٬ مجموعة من الآراء والمقترحات تتعلق بتفادي وقوع الصراعات أو تدبيرها وسبل فضها.
وشددوا٬ بهذه المناسبة٬ على أهمية الشروع في القيام بتحديد الفاعلين من المجتمع المدني العاملين في مجال الوساطة٬ وفي أنواع مختلفة من الصراعات التي تنشأ في المنطقة.
كما أكدوا على ضرورة تعزيز دور المرأة في مسلسل الوساطة٬ وتطوير مقاربة جديدة لتعزيز الحوار الوطني في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية٬ وإدماج الوساطة في المجال الأكاديمي٬ وتوسيع تكوين الوسطاء.
وفي هذا السياق أكد العثماني٬ في كلمته في افتتاح هذه الندوة٬ أن المملكة المغربية٬ وفقا للتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس٬ تشاطر الجميع اليقين والقناعة بأن الوساطة تمثل في الوقت الراهن آلية وازنة وفعالة في مجال فض الخلافات الثنائية والإقليمية٬ في زمن يعرف فيه العالم تحولات عميقة وظرفية استقرار هشة ومتقلبة.
وذكر بأن المغرب٬ وانطلاقا من إدراكه لهذا الواقع وقناعته الراسخة بالدور المركزي لمنظمة الأممالمتحدة في الدبلوماسية الوقائية والتسوية السلمية للنزاعات٬ اتخذ دوما من الوساطة أحد المرتكزات الأساسية لسياسته الخارجية٬ مبرزا مجهودات الوساطة التي اضطلع بها بكل من إفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة البلقان٬ وكذا عبر مشاركته الفعالة في عمليات حفظ السلام في العديد من بقاع العالم.
من جهته٬ أبرز وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإسباني الدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب في مجال الوساطة بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط٬ مؤكدا٬ في تصريح للصحافة٬ على أن المغرب بلد "مهم جدا" في منطقة جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط٬ ويحتل مكانة متميزة في هذا الفضاء.
ومن المنتظر أن تلي ندوة مدريد "البناءة والمثمرة"٬ ندوة ثانية ستعقد بالرباط في بحر الأشهر المقبلة٬ حيث ستنكب على تحديد الأهداف الاستراتيجية والملموسة نحو إنشاء شبكة مخصصة للوساطة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.