أستاذ يذبح ، وآخر يحنك ، ومعلمون يفلقون ، ومعلمات تهربن من قاعات التدريس خوفا من بطش تلامذتهن ، وتلميذ هنا يكسر أسنان أستاذه ، وتلميذة هناك تنتف شعر أستاذتها ، والمدير يتفرج ، والشرطة تتتبع الوضع عن كثب ، والبرامج التلفزية تحلل وتناقش ، والآباء حائرون والأمهات تالفات ، ورب كلمت خرجت من فم وزير في لحظة غاب فيها العقل لتؤكد للعالم أجمع بأن أوباما بالفعل لا يملك مدارسا كالتي يدرس فيها أولاد الشعب المغربي. نعم هذا هو وضع الإعداديات في بلدي ، وهذا هو وضع الثانويات ، وهذه هي الحالة ، حالة يجمع الكل على أنها استثنائية في تاريخ التعليم بالمغرب ، ولا عجب ، فالوطن الذي ننتمي إليه رفع منذ حلول الربيع العربي شعار الاستثناء فهل يستثنى التعليم من الاستثناء ؟؟؟؟ شخصيا حين أتابع مثل هذه الأخبار أجدني أغوص في بحار من الأسئلة تدور في معظمها حول الأسباب التي تجعل من التلميذ يتأبط سيفه عوض كتبه أو تجعله يستبدل مسطرته ب "كاطورزا " يوجهها في غالب الأحيان إلى زميل له في الفصل أو إلى أستاذه " المربي " ويا للحسرة . قد يقول قائل إن السبب هي المراهقة ، وقد يقول قائل تتعدد الأسباب المنتجة للعنف المدرسي فالمخدرات سبب والفقر سبب والأسرة سبب والمجتمع سبب ودوزيم وأخواتها سبب ، وأخطر المجرمين سبب ، وسوء أخلاق بعض الأساتذة سبب وووو .... طبعا كل هذه وغيرها أسباب تؤخذ بعين الاعتبار ، لكن السبب الرئيس في انتشار العنف بالمدارس حسب رأيي الذي يشاطرني فيه الكثيرون هو السلطة نفسها .... نعم فسلطاتنا العزيزة تكره أن يتعلم أبناء الشعب ما يتعلمه أبناء الصفوة والعلية ، وتحاول جاهدة ألا يصل أولاد "بوزبال " لمستوى أولاد " كيلي ميني "، حتى لا ينافسوهم فيما تتركه من مناصب ووظائف ، وحتى لا يكونوا عالة عليها في المستقبل حين ينضافون لإخوانهم أمام بار الأمان . لو أراد الممسكون بدهاليز السلطة في هذا البلد الرقي بالتعليم لأنفقوا عليه ما يبذرونه في الخوا الخاوي، ولجعلوا لكل مشكلة تعترض المعلم أو المتعلم حلا يعالجونها من غير مبالاة بالتكلفة المادية التي يتطلبها حل المشكلة . حين تقرأ أن رجل الأعمال وإمبراطور البرمجيات في الهند عظيم برمجى، تبرع ب 3,2 مليار دولار لدعم احدي المؤسسات الخيرية الهندية المتخصصة في مجال التعليم ، وحين تسمع بأن رجالات الأعمال هنا يتنافسون فيما بينهم على تبذير مليارات الشعب في مهرجانات الشطيح والرديح ، وحين ترى وتسمع كيف تباع جل أنواع المخدرات بالقرب من المؤسسات التعليمية ، فحتما سيتبين لك الفرق الشاسع بيننا وبين البلدان التي تهتم بالتعليم وتغار عليه ، وحتما ستدرك من يسعى جاهدا لتسميم أجواء التعليم بالمغرب وجعل التلميذ مجرما والأستاذ ضحية أو العكس .