حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني، وهو من ضحايا القمع المجاني، فقال: في إحدى الليالي المظلمة السوداءْ، أرخى علي الهم خيوطه من غير عناءْ، وتربع على عرش قلبي من دون استحياءْ، فلما وجدت لرحيله رفضا مسبقَا، ولما ألفيت أنه بجوانبي بات ملصقَا، خرجت من داري متعبا مرهقَا، وفتشت بين أحياء الغوايهْ ، عن خلي ابن أبي الرعايهْ ، صاحب الألف حكاية وحكايهْ ، فوجدته بعد بحث متواصلْ، قرب مقهى القمح والسنابلْ، يتزعم جمعا يضم الحابل والنابلْ، فجلست بجوارهْ، واستمعت لبعض قصائده وأشعارهْ، وقلت له من غير إعلامه أوإنذارهْ، : حبذا يا صاحب الحكي والمقامهْ، أن تروي لنا ما يزيح عنا شر القتامهْ، فالنفس ظمأى لأخبار الشهامة والكرامهْ، والقلب للدواء يطلبْ، وهو من الهم المميت يهربْ، وللحظ التعيس يندبْ، ... فقال بعدما وافقني الحاضرون على الطلبْ، وشاركني في رغبتي متيمون بالسمر والطربْ ، وأيدني في الإقتراح كل متيم بفنون العربْ، : إن شر الأمور بعد الذلِّ، كثرة الغرور والبخلِ، وحب الأنا ونبذ الكلِّ، وإني لدي كلام بالرمز يرمزْ، ولي قلب بغير الله لا يعتزّْ، ونفسي عن مبادئها لا ولن تهتزّْ، فخذوا من كلامي ما يعجبكمْ، واتركوا من عباراتي ما يغضبكمْ، واعلموا أني بالخداع لا أجذبكمْ، فعلى بركة الله أقولْ، إنه يحكى والعهدة على شخص مجهولْ، أنه كان في زمن الحق المقتولْ ...، كلب عربي الأصل والولادهْ، تمنى ولو ليوم واحد لحظة من السعادهْ، واشتاق لسوء حظه للموت والشهادهْ، ويحكى أن هذا الكلب الذي أسقمته الأحلامْ، تعرف في أحد الأيامْ، على كلب أمريكي همامْ، فبدأت أواصر الصداقة بينهما تنمو وتزدادْ، وفي كل يوم ينتهي ويُبادْ، كان الكلب الأمريكي الذي لا يعرف معنى الحدادْ، يدعو من حين إلى حينْ، كلبنا العربي المسكينْ، إلى زيارته في عقر بلده الثمينْ، وتوالت الدعوات والدعواتْ، ولم يجد الكلب العربي المتخم بالآهاتْ، بدا من السفر إلى تلك الولاياتْ، تلبية لدعوة خله وصديقهْ، ونزولا عند رغبة صاحبه ورفيقهْ، وأملا منه في تغيير وجهة طريقهْ، فلما وصل إلى تلك الأرض السعيدهْ، استقبله الكلب المكرم بالحقوق الفريدهْ، بكل حفاوة تعجز عن وصفها الحروف العديدهْ، وهناك يا رفاق الدربْ، تعرف هذا الكلبْ، على معنى الحق وماهية الغربْ، فالكلاب هناك لها تأمينها الصحِّي، ولها الحق في التظاهر بالنبحِ، ولها حق العيش البعيد عن القمع والذبحِ، وهناك توقف كلب الأعرابْ، عند خصال ومميزات تلك الكلابْ، وهناك أدرك بكل فهم وصوابْ، أن الكائنات الحيَّهْ، من كلب وقرد وهر وحيَّهْ، لا تعيش حياة الحياة الدنيَّهْ، وإنما تحيا مع الإنسانْ، بكل أمن وامانْ،فهي تشاركه الأفراح والأحزانْ، وهو يشاركها الإحترام والتقديرْ، فالسجن يدخله كل كبير وصغيرْ، أساء في يوم عابر ومثيرْ، معاملة حيوان مسكينْ، أو قصر مع سبق الإصرار المكينْ، في رعاية الحيوان المنبوذ عندنا من سنينْ، ... وحدث أن كلب الأعراب الغريبْ، ونظرا لعدم احترامه لقوانين السير العجيبْ، تعرض لحادث سير مريع ومريبْ، فقد صدمته سيارة من لون أحمرْ، لعدم توقفه في الضوء الأخضرْ، فأصيب وهو الضعيف الأبترْ، بكسور أدخل على إثرها للمستشفَى، وهنالك سيعتقل بعدما يشفَى، لأنه هاجر لتلك البلاد التي لا تخفَى، سرا من غير أوراق رسميّهْ، ووصل إليها كما يصل أبناء الدول العربيهْ، " حارقا "بواسطة زورق من زوارق الهجرة السريهْ، فأكرم في السجن الشبيه بالفنادقْ، وتم ترحيله بكل أدب واحترام فائقْ، إلى موطنه الأصلي الحارقْ، فتأسف غاية الأسف لما حدثْ، ولأنه عربي يكره الخبث والخبَثْ، دعا الكلب الأمريكي الحدثْ، لزيارته في أوطان العرب الباقيهْ، حتى يرد إليه بعضا من صنائعه الغاليهْ، وحتى يكونا متعادلين في كرم الضيافة العاليهْ، فأجاب الكلب الأمريكي الدعوهْ، وما درى هذا الكلب الذي يعرف من أين تشرب القهوهْ، أن إجابته ستكون نهاية لما لديه من نخوهْ، فبمجرد نزوله من الطائرة الكبيرهْ، وبمجرد ما وطأت أرجله المثيرهْ، أرض العرب والأعراب المريرهْ، حتى بدأت الحجارة برجمه تتعالَى، وصيحات المطاردة في أذنيه تتوالى، فهذي طفلة من بنات الثكالى، تمسكه من ذيله الجميلْ، وهذا طفل سقيم عليلْ، يفجر جام غضبه الثقيلْ، على هذا الكلب الضيفْ، وهذا شاب يعتريه الخوفْ، وتطاله أيادي الأنظمة بالشتاء والصيفْ، يمسك بحبل طويل وعتيدْ، ويحاول بجهد جهيد وأكيدْ، ربطه بعنق هذا الكلب الفريدْ، والكلب العربي يدافع عن صاحبه وينبحْ، ويشير عليه من غير أن يشرحْ، بألا يقف في مكانه ويبرحْ، وبأن يكشر عما لديه من أنيابْ، موضحا له وفي توضيحه كامل الصوابْ، أنه في بلد العروبة والأعرابْ، ... وما تخلص كلب أمريكا والولاياتْ، من هذه الويلات والويلاتْ، إلا بعد أن أثخن بالجراح المبكياتْ، ولأن الكلب العربي المناضلْ، يحس بأن الجوع لصاحبه حتما قاتلْ، فقد أخذه إلى إحدى المزابلْ، وهناك قدم له وبكرم العروبهْ، ما تيسر من عظام نخرة منكوبهْ، وما تقدر من فتات موائد غير مرغوبهْ، ولأن النصح من واجب الصداقهْ، نصح كلب العرب وبكل لباقهْ، كلب أمريكا العملاقهْ، بعدم التجول بالنهار في الشوارعْ، وعدم الإقتراب من أي إنسي مخادعْ، إن هو أراد لنفسه البقاء الساطعْ، وأمره بعدها بعدم النباحْ، لأن الكل في بلد العروبة يبحث عن الراحة والإرتياحْ، فأي صوت صادر عنه ولو بالمزاحْ، سيواجه بالعصا والكي بالنارْ، أو القتل الفوري من غير إنذارْ، أو النفي في أحسن الأحوال والأطوارْ، وبين له في ذات الوقتْ، أن الموت كل الموتْ، سيراه عقب كل صوتْ، مادام الموت المؤكدْ، يلقاه في كل صبح يتجددْ، كل عربي بكلام الحق يتفردْ، ... وهكذا يا أيها الإخوانْ، ما أدرك كلب الأمريكانْ، أنه كلب ينتمي لفصيلة الحيوانْ، إلا بعد زيارته لما لنا من شوارع وشطآنْ ، فالكلب الذي لم يعرف في يوم معنى التسكعْ، ولم يذق في ليلة مذاق التوجعْ، صار يتضرع إلى صاحبه بشتى أنواع التضرعْ، ويسأله بلسان الخائف اليائسْ، أن يبحث معه عن طريق في الظلام الدامسْ، ترجعه إلى وطنه الذي هو للحق حارسْ، ولكن هيهات وهيهاتْ، فبلدان العروبة التي يرجى منها النجاةْ، يفتقد فيها الإنسان لكيفية الهروب من الحياةْ، فأنى بالحيوان المسكينْ، أو الكلب المهاجر الثمينْ، أو أي كائن ضمن هذا الصنف الملعون عندنا من سنينْ، .... وحتى لا أطيل عليكم في الكلامْ، فكلب أمريكا الهمامْ، حين أحس بضيق العيش في بلدان الكرامْ، قرر أن يضع حدا لحياتهْ، حتى يتخلص من معاناتهْ، فتوجه بعدما أدرك ماذا يعني الكلب في حروفه وكلماتهْ، إلى السكة الحديدية للقطارْ، وكتب وصية عظيمة في العبر والأفكارْ، ونفذ فكرة جالت في خاطره حول الإنتحارْ ... ومما جاء في تلك الوصيهْ، أن الكلب لا يكون كلبا بالمعاني الحقيقيهْ، إلا بعد أن يزور البلدان العربيهْ، وأن الكلب الكلب الكلبْ، هو من يرضى بحياة العوز والقهر والكربْ، ويترك الآخرين يمشون بسنن القمع والسرقة والنهبْ، وينتظر من غيره في الطريق والدربْ، أن يغير ما بالحال من حالْ، دون أن يغير ما به هو من حالْ، أو يرفع لحرف " لا " علما في الهضاب والجبالْ .