أجمعت كل الشهادات التي قيلت عن علاقة الحسن الثاني بالطبخ على أن الرجل خبر أصول الطبخ العالمي والمغربي، وكان شخصيا يسهر على عملية إعداد الأطباق لضيوفه من كبار الملوك والأمراء، وكان يجادل كبار الطباخين في الوصفات العالمية وطريقة إعداد بعض الأطباق، وكمية التوابل وتناغمها لإعداد مرق ما قد يضاف للحم أو دجاج أو أي طبق آخر، بل أكدت الشهادات أن الرجل ابتكر أطباقا بصمها بلمساته وكانت تقدم للضيوف الكبار في القصر في صحون تحمل في قعرها ختما باسمه وتوقيعه. «كان الملك الحسن الثاني يسهر شخصيا على إعداد واختيار الأطباق التي قدمت للضيوف من الملوك والأمراء والرؤساء الذين حضروا مؤتمر القمة الإسلامية في المغرب سنة 1984، كان شخصيا يسهر على اللمسات الأخيرة للأطباق التي قدمت للضيوف في «دار القمة» بالقصر الملكي بفاس، وكان ذلك مثار إعجاب كل الضيوف الذين اكتشفوا جانبا آخر في الملك الراحل»، تقول مصادرنا وتضيف : «تشكلت المآدب الملكية الرسمية حينها من أكثر من 100 مائدة، جلس حول كل مائدة 10 مدعوين، كان بالقاعة حوالي 100 نادل كانوا يرتدون «الجابادور» الأبيض، والطربوش الأحمر، وكان الملك يعطي أوامره بلغة الأعين ويتحدث لحاجبه حين يريد إبداء ملاحظة أو نقل معلومة للطباخين والساهرين على جلب الأطباق وتقديمها، كان الملك يحرص شخصيا على شرح وتفسير مكونات وإعداد الأطباق التي ستقدم لضيوفه، وحينما بدأ تقديم العشاء كانت كل الأمور تسير بانسيابية، كل الأطباق كانت توضع على جميع الموائد في نفس اللحظة، بما فيها المائدة الملكية، كما كانت ترفع منها أيضا في وقت متزامن على نغمات الطرب الأندلسي».
حسب ما تسرب عن علاقة الملك بالطبخ وحرصه على إكرام ضيوفه وإبراز قدرة أخرى لا تقل عن قدراته المتعددة في السياسة والأدب والفن والحديث ... كان الحسن الثاني يحدد مكونات الخوان «قائمة الأكل في القصر»، فطعم محتويات الخوان الملكي، تختلط فيه لمسات التاريخ بمذاق وعبق خاصين، حسب من تذوقوا تلك الأطباق، كان الحسن الثاني يشرف على أدق التفاصيل في المطبخ الملكي، فللرجل ولع خاص بفنون الطبخ قديمها وحديثها، وأنه كان يتفقد مطبخ القصر، ويناقش الطباخين في عملهم، وبشأن كيفية تحضير الوجبات، بل إن بعض المقربين من الملك الراحل يقولون إنه كان يخترع أكلات مغربية ويحاول دمج بعض وصفات الأكلات المغربية بأخرى أجنبية بلمسة خاصة تحير ضيوفه.
و«الخوان الملكي» الذي يقدم بالقصر ابتكره الراحل الحسن الثاني وأضفى عليه لمساته، وقد أعجب ب «الخوان»، حسب مصادرنا، العديد من الرؤساء والملوك الذين زاروا المغرب، منهم الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون» و الفرنسي «جاك شيراك» وقداسة البابا يوحنا والعديد من الرؤساء والملوك العرب، على رأسهم الملك فهد والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس السينغالي عبدو ضيوف والغابوني عمر بانغو ... ويتضمن «الخوان الملكي» أو «قائمة الأكل الملكية» «كشكولا» من الأكلات المغربية التي أضفى عليها الراحل لمسات خاصة، تقدم في البداية سلطة معسلة متنوعة تتكون من طماطم معسلة، والباذنجان المعسل، والجزر المعسل، وبعد ذلك يتم تقديم شواء ملكي، وهو عبارة عن لحم خروف مشوي، يعد بطريقة تبقى سرا من أسرار المطبخ الملكي وسرا من الأسرار التي أخذت من الراحل، يبخر اللحم ثم يتم حشوه بعد ذلك بتوابل ومواد تجعل مذاقه أكثر لذة. أما الأكلة الرئيسية الثانية في «الخوان»، فهي سمك على الطريقة المغربية محشو بالأرز والزيتون والحامض، وبمجرد تقديمها للضيوف، يقدم إلى جانبها عصيرا الزنجبيل والحليب باللوز، وهما نوعان من العصير لا يقدمان إلا في حفلات ومآدب القصر الملكي.
وبالنسبة للأكلة الثالثة، فهي عبارة عن دجاج مطبوخ على الطريقة الصويرية، فهو منزوع من العظم ومحشو بالكفتة والتوابل، وكان يقدم لكل ضيف في طاجين خاص، وفي مرحلة رابعة يتم تقديم طاجين «المقفول بملج العجل المعسل»، وهو عبارة عن لحم فخذ عجل طري، مطبوخ ببصل صغير، ويحتوي على مرق معسل، وفي الأخير تقدم المحليات، وهي في «الخوان» عبارة عن أطباق مشكلة من الفواكة وكؤوس الآيس كريم، وبين الطبق والآخر يقدم «صوربي» بالزنجبيل وآخر بالتمر «عبارة عن آيس كريم محلى، وقد ابتكرهما الراحل الحسن الثاني، ويتم تقديمهما خلال الفترة الفاصلة بين تقديم الأكلات الرئيسية، ويبقى المغزى من ذلك هو جعل المدعوين يغيرون مذاق لسانهم عند الانتقال من أكل طبق إلى آخر، وذلك حتى يتسنى لهم تذوق الطبق الموالي والاستمتاع بنكهته وتوابله الخاصة، «لقد كان الحسن الثاني حريصا على كل شيء، يفكر في كل شيء، وليس من الغريب أن نكتشف أن العديد من الأطباق المغربية اليوم كانت له لمسة خاصة في ظهورها.