كأنما هناك من يريد أن ينسي الرأي العام وآباء وأولياء الأطفال ضحايا حادثة حافلة طانطان ضرورة المطالبة بتقديم المسؤولين عن الفاجعة للمحاسبة. وهكذا عوض أن يكون هذا الموضوع هو ما يشغل بال الجميع، حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة، انشغل الجميع بكرامات شاب من طنجة يسمي نفسه الشيخ الصمدي يتحرك رغم سنواته العشرين بعكاز ورثه عن جده ويهوى جمع السبحات، مثلما انشغلوا بموضوع خطبة الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان، لزميلته السابقة في الوزارة سمية بنخلدون، والتي قدم لها كهدية بمناسبة عيد ميلادها الأخير إعلان هذا اليوم، أي الثالث عشر من مارس، يوما للاحتفال سنويا بالحوار الوطني للمجتمع المدني. والواقع أن الجميع كان ينتظر من السيد الوزير أن ينفي الأخبار التي راجت بخصوص وجود علاقة حب بينه وزميلته الوزيرة، لكن السيد الوزير أصدر بيانا لا ينفي فيه ولا يؤكد صحة خبر الخطوبة، وبما أن السكوت علامة الرضى، فإن الجميع فهم أن الوزير فعلا أرسل زوجته لكي تخطب له صديقتها الوزيرة سمية، عملا بالمثل السائر «اللي تعرفو حسن من اللي ما تعرفوش». وهكذا طغت أخبار الخطيبين الشوباني وسمية، «شوشو» و«سوسو» للأصدقاء، على كل الأخبار الأخرى في مواقع التواصل الاجتماعي حيث يعيش المغاربة حياة موازية لحياتهم الواقعية. فمن مبارك لهما صنيعهما داعيا لهما بالسعادة والرفاه والبنين، ولو أن الجدة سمية وصلت سن الثالثة والخمسين من العمر، وسيكون من باب المعجزات أن تأتي بمولود جديد، ومن ناصح للخطيبين قبل «ضريب الكحل فالبيض»، بقراءة كتاب «ما يجوز ولا يجوز في نكاح العجوز» لفضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بنعبد الله الراجحي، ومن مستنكر لهذا الخبر الذي تأكد معطيا الحق لشباط في كل ما قاله بخصوص الوزيرين. هكذا اختلفت الآراء وتوزع القوم بين مؤيد ومعارض ومتهكم. أما انكشارية العدالة والتنمية والقادة الميدانيون للجيش الإلكتروني للحزب وحركته، فقد رصوا الصفوف لرد سخرية الساخرين الذين وجدوا في هذا الموضوع مادة خصبة للتندر والتهكم، خصوصا بعدما سمعنا جميعا الوزير الشوباني يتوعد شباط بالمتابعة القضائية، معلنا للجميع أنه أخذ الموافقة من رئيس الحكومة لمقاضاة شباط، فإذا بالجميع يكتشف أن الموافقة الوحيدة التي حصل عليها السيد الوزير هي موافقة زوجته الأولى لخطبة صديقتها لسعادته. ومن بين التبريرات المضحكة التي لم تعد تقنع أحدا، والتي يسوقها دراري العدالة والتنمية في المواقع الاجتماعية، هي أن موضوع خطبة الوزيرين يدخل ضمن الحياة الخاصة، وكأن السيدة سمية بنخلدون لم تكن مديرة لما يقارب سنتين داخل وزارة الشوباني، قبل أن تحصل على حقيبتها الوزارية الخاصة بها في ما بعد، وأنه خلال هذه المدة بدأت الوزيرة إجراءات طلاقها من زوجها، وهي الإجراءات التي تكفلت بها المحامية رقية الرميد، أخت وزير العدل وما تبقى من حريات. وهنا ليعذرنا السيد الوزير والسيدة والوزيرة، فنحن اليوم أكثر تصديقا للأخبار التي انتشرت قبل مدة، والتي تتحدث حول وجود علاقة حب بين الوزيرين داخل الحكومة. والدليل على وجود هذه العلاقة هو تقدم الوزير لخطبة الوزيرة، فالخطبة مقدمة للزواج ولا زواج بدون حب، اللهم إلا إذا كان هناك محدد آخر هو الذي تحكم في هذه العلاقة، كالمصلحة أو غيره، فهذه حكاية أخرى لا نملك أن نخوض فيها. ويكاد المثل المغربي المشهور الذي يقول «حتى شاب عاد دارو لو حجاب»، ينطبق حرفيا على الوزير الشوباني، فالرجل حتى شاب وكبر «عاد بغا يرجع يقرا ويتزوج ويعيش الحياة»، فالثلاث سنوات التي بقيت له في الوزارة سيقضيها في إعداد الدكتوراه التي سجلها مستغلا صفته الحكومية، هكذا عندما سيغادر الوزارة بتقاعده المريح سيحصل على شهادة الدكتوراه وزوجة لديها تقاعد وزيرة، «وشكون بحالو، طالب جامعي خاطب وزيرة التعليم العالي». طيب، يريدون أن يقنعونا بأن ما يحدث هذه الأيام في عقر دار الحكومة من طلاق زواج بين الوزراء شيء عادٍ يدخل في صميم الحياة الشخصية لهؤلاء الوزراء. لنفترض جدلا أن الأمر كذلك، ولنفتح ملف ميزانية مشروع الحوار الوطني حول المجتمع المدني الذي كلف غلافا ماليا تجاوز مليارا و700 مليون، ولنتساءل حول بعض المصاريف والجهات المستفيدة منها، «ياك هادي ما عندها علاقة بالحياة الخاصة»؟ أولا، صفقة التمور التي اختار الشوباني تاجرا بالجملة من مدينة الرشيدية لإعطائها له، رغم أنه أحد مسانديه في الانتخابات التشريعية، هذه الصفقة التي تنص على اقتناء 40 كيلوغراما من التمر نوع «المجهول» بمبلغ 125 درهما للكيلو، تطرح مجموعة من الأسئلة، منها لماذا الرشيدية بالضبط التي يترشح فيها السيد الوزير، في حين هناك العديد من المحلات لبيع التمور بمدينة الرباط؟ ثم ثانيا ماذا فعل بهذه الكمية من التمور باهظة الثمن علما أن هناك تمورا أقل من حيث السعر؟ ثانيا، صفقة التدبير المعلوماتي للحوار التي بلغت قيمتها 14 مليونا و400 ألف سنتيم، فازت بها شركة «روجيس»، وعندما نبحث عن هذا الاسم نجد أنه الاسم المختصر لملتقى الدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية. وحسب السجل التجاري لهذه الشركة الذي يحمل رقم 63317 بالمحكمة التجارية بالرباط، فهي مسجلة في اسم هناء العظيمي، التي ليست سوى زوجة حسن العرفي، الأستاذ الجامعي، وعضو اللجنة الوطنية للحوار الذي أطلقه الشوباني، وحسب الموقع الرسمي للشركة، فإن العرفي يعمل خبيرا مستشارا لدى هذه الشركة. ثالثا، بالنسبة لصفقة التصوير والتوثيق، التي بلغت قيمتها المالية 34 مليونا و772 ألف سنتيم، فقد فازت بها شركة في ملكية عضو ينتمي إلى حركة التوحيد والإصلاح، وهي الشركة نفسها التي أنجزت 6 وصلات إشهارية لحزب العدالة والتنمية خلال حملته الانتخابية سنة 2011، وأنجزت أشرطة وقامت بأعمال التصوير لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وحركة التوحيد والإصلاح، ومنظمة التجديد الطلابي، ومنتدى الزهراء للمرأة المغربية، وهي كلها أذرع موالية لحزب العدالة والتنمية وحركته الدعوية. كما فازت الشركة ذاتها بصفقة سابقة من مجلس مقاطعة أكدال الذي يترأسه المستشار والبرلماني وعضو الأمانة العامة للحزب، السيد رضى بنخلدون، أخ الوزيرة خطيبة الوزير الشوباني. طبعا لن نتحدث عن طبع جزء من وثائق الحوار الوطني حول المجتمع المدني في المطبعة التي كانت قبل أسابيع قليلة مسجلة باسم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. فذلك يدخل ضمن ما يسمونه «السقاطة» التي لا تستلزم إطلاق مناقصة عمومية فيتم الاكتفاء بسندات طلبيات. عندما قال الوزير الشوباني إن الحوار الوطني حول المجتمع المدني خبزة فإنه لم يكن مخطئا، كان عليه فقط أن يكشف عن المستفيدين من اقتسام هذه الخبزة باهظة الثمن التي كلفتنا مليارا و700 مليون.