من غير مقدمات وبدون سابق إنذار صحا السيد الأموي من غفوته الطويلة مكسرا الجمود الطويل الذي ادخل فيه نقابته، وقاطعا مرحلة الراحة البيولوجية التي دامت أزيد من عقد ونصف وقع فيها شيكا على بياض لثلاث حكومات متتالية وابرم معها عددا من الاتفاقات الاجتماعية رغم بعض التهديدات الشفاهية والمواقف المزاجية بين الفينة والأخرى وآخرها كان قرار الخروج من البرلمان الذي لم يكن سوى خروجا من نقابته إلى النقابة المنشقة عنه وليس من البرلمان. الصحوة المتأخرة للسيد الأموي الكاتب العام الأوحد والخالد لنقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل جاءت في شكل دعوة للتظاهر ظاهرها الدفاع عن الطبقة العاملة وباطنها لا يخلو من خلفيات سياسية يعكسها توقيتها والخطاب المتشنج الذي تم به تبرير دواعي الإعلان عنها. أيا كان تبرير السيد الأموي لدعاوي هذه التظاهرة، لكن الجماهير الكادحة تريد الوضوح والشفافية والنزاهة خصوصا في موضوع العلاقة بين النقابي والسياسي. لست من أنصار الفصل التام بين العمل النقابي والعمل السياسي لكنني لا يمكن أن بتوظيف الجانب الاجتماعي لخدمة أغراض سياسية سواء بوعي وإدراك أو حتى بدون وعي لأان ذلك عين الغباء. إن دعوة السيد الأموي إلى التظاهر في هذا التوقيت وفي هذه الظرفية التاريخية بقدر ما تمثل حقا من حقوق الإنسان وإغناء للممارسة الديمقراطية، بقدر ما تثير كثيرا من الريبة والشك، خصوصا فيما يتصل بخلفياتها وفي تزامنها مع هجوم منسق ومنظم ومنهجي لا أقول ضد الحكومة لان هذا ثانوي وغير مهم ولكن ضد قوى الإصلاح ومعسكر الإصلاح ومطالب الإصلاح ببلادنا. هذه الريبة تزكيها الكلمات غير المحسوبة التي استعملها السيد الأموي في ندوته الصحفية ومنها نعت أول حكومة نابعة من صناديق الاقتراع بالحكومة اللاديمقراطية ووصف حكومة الإصلاح ومحاربة الفساد بنعوت لم تصدر حتى من أشد المناهضين للحراك الديمقراطي المغربي, وهذه الريبة يعمقها التوقيت الدقيق الذي يتوج على المستوى المحلي الحملة التي يقودها فلول الاستبداد في القطاعات التي شهدت دينامية وحيوية لافتة من قبيل الإعلان والإتصال والتجهيز والنقل والعدل وغيرها ويتزامن على المستوى الإقليمي بحالة الإنحصار الذي يعيشه الربيع العربي في كلب من الجزائر وسوريا. المضحك في مبادرة الأموي ليس هو لجوؤه إلى ما سماه المجتمع المدني والحركة النسائية ومغازلته للمعطلين لكي يعوض بهم بشائر العزوف في الاستجابة لدعوة يصعب إنكار طابعها المسيس، ولكن في استغلاله للعمل النقابي لتأدية خدمة مجانية للاستبداد وفلوله المنتشرين في مفاصل الدولة ومراكز النفوذ . إذا كانت للسيد الأموي غيرة على الطبقة العاملة فعلا فأين كانت إضراباته العامة ودعواته للتظاهر وتهديده للسلم الاجتماعي طيلة 15 سنة المنصرمة؟ هل مصالح الطبقة العاملة مهددة في عهد حكومة الإصلاح بأكثر ما كانت مهددة في عهد حكومة عباس الفاسي على سبيل المثال أم تراه نوع من الكيل بمكيالين؟ هل يريد السيد الأموي أن يفهم الشعب المغربي أن الحساسية الإجتماعية الواضحة في البرنامج الحكومي وفي قانون المالية الذي صودق عليه هو الجديد الذي أصبح مهددا فعلا لمكتسبات الشغيلة؟ أم أن المسؤولية عن غلاء المعيشة وتدني الأجور وهبوط مستوى العيش الكريم يريد أن يحملها لحكومة لم يمر على تنصيبها أربعة أشهر؟ إن الشفافية والنزاهة ليس خطابا نابعا من الأسفل نحو الأعلى وحسب، كما أن محاربة الفساد لا تعني فقط مجال الثروة والسلطة ولكن النقابات والممارسات النقابية هي الأخرى معنية بمحاربة الفساد داخل صفوفها ومحاربة المفسدين الذين عاثوا فسادا وهم يمثلون بعض هذه النقابات في مؤسسات وشركات وصناديق عامة وفي مالية النقابات ذاتها والدعم العمومي الموجه لها. كما أن إسقاط الإستبداد ليس مطلبا حصريا على دائرة السلطة وحدها إذ أن بعض الزعماء النقابيين الذين عمروا لعقود طويلة على رأس بعض هذه النقابات بشكل لم يضاهيهم فيه إلا الطاغية القذافي ومبارك وعبد اله صالح يعتبرون بلا منازع مغتصبين للسلطة في النقابات. كنت سأتفهم دعوة السيد الأموي للتظاهر وربما منخرطا في ذلك لو اتسمت هذه الدعوة بقليل من الوضوح والإنسجام مع النفس، وفي الحالة التي يعلن فيها صاحب هذه الدعوة بشكل مباشر أنه يعارض تقنين الإضراب أو إصلاح الإطار القانوني المنظم للنقابات على الأقل في هذه السنة أو لو كانت الدعوة إلى هذه التظاهرة مؤسسة على فعل استباقي للفت الإنتباه إلى الضمانات التي ينبغي أن تحصل عليها الشغيلة في ما يتعلق بإصلاح صندوق المقاصة ونظام التقاعد بالمغرب، فتكون هذه الدعوة عندئذ دعوة نقابية ذات أبعاد سياسية لكنها مشروعة ومقبولة. أين السيد الأموي عندما تم الشروع في كشف لوائح المستفيدين من الريع وأين السيد الأموي عندما تعالت الصيحات بإيقاف مسلسل الكشف عن لوائح الرخص والأذونات في مجالات النقل والصيد والأراضي الفلاحية وما هو موقفه بخصوص رفض الكشف عن لوائح المستفيدين من العقار العمومي ومن مختلف أشكال الريع والدعم العمومي من الدقيق إلى السكن؟.هل قضايا من هذا النوع لا تستحق أن يتظاهر من أجلها السيد الأموي. مرة أخرى أنا لست ضد مبادرة أيا من النقابات إلى التظاهر دفاعا عن مطالب مشروعة، لكني خشيتي تبقى جدية من أن تتم سرقة النقابات كما سرقت بعض الأحزاب التي تسعى لترميم مصداقيتها المهدورة أو أن يصادر العمل النقابي كما صودرت كثير من المجالات الحيوية بهذه البلاد . لم أعلق على مشاركة الفدرالية الديمقراطية للشغل لأنها منسجمة مع نفسها في تنفيذ قرار حزب الإتحاد الإشتراكي الذي طوحت به صناديق الإقتراع إلى الصفوف الخلفية في المعرضة على خلاف ما يروج ببطولة بلا مجد.