أعلن الزملاء في صحيفة « الأخبار» اللبنانية أن الموقع الالكتروني لصحيفتهم عاد للعمل مجددا بعد انقطاع قسري دام لبضعة أيام. وعلى الرغم من أن زملاءنا لم يتهموا طرفا معينا بالاعتداء على موقع صحيفتهم إلا أنهم لم يترددوا بالإشارة في أحاديثهم وتعليقاتهم إلى مسؤولية الأطراف المتضررة من المواد الإخبارية التي تنشرها الصحيفة وفي المقدمة منها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ومن تحالف معها سرا أو علنا في منطقتنا. عودة «الأخبار» الالكترونية للعمل مجددا لا تنطوي على حصانة إزاء اعتداءات أخرى يرى العاملون في الصحيفة أنها محتملة طالما أن الخط الذي انتهجته لن يتغير ما يعني أن خصومها سيردون عليها بوسائل مؤذية ماديا الأمر الذي سيؤدي إلى رفع الكلفة المالية لأقوالها وبالتالي تضمينها نفقات جانبية قد ترهق ميزانيتها وتحملها على التراجع عن لهجتها السياسية أو الاستسلام والتخلي عن مشروع الصحيفة برمته. لا يبدو عقاب «الأخبار» على أقوالها فريدا من نوعه فلطالما تعرضت وسائل إعلام عربية وأجنبية لمعارك مشابهة انتهت جميعها إلى الفشل وانتصر دائما حد القول على حد السيف.ففي فرنسا سمعت يوما الصحافي جان فرانسوا خان مؤسس مجلة «ماريان» الأسبوعية يروي كيف أن الأجهزة حاربته بكافة الوسائل حتى لا يصدر صحيفته ومن بينها الضغط على المصارف حتى لا تقبل حسابا تجاريا يفتحه باسم الصحيفة والضغط على المطابع حتى لا تطبع له والضغط على شركات التوزيع كي لا توزع صحيفته ولكنه تمكن من تجاوز هذه الصعوبات وغيرها وأصدر صحيفته المعارضة التي مازالت توزع حتى اليوم ومن جهة أخرى طرحت أسبوعية «لوكانار انشينيه» الصوت على قرائها لنجدتها قبيل اقتحام رجال الشرطة لمقرها فكان أن نجت وفشل الاقتحام و فيها أيضا وأيضا استخدم السلاح الضريبي ضد جريدة «المعتوه الدولي» الساخرة في عهد الرئيس الراحل فرنسوا ميتران فكان أن انتصرت الصحفية وفشل خصومها وكل هذه الأمثلة وقعت في فرنسا «بلاد النور» التي تفتخر بشرعة حقوق الإنسان وحرية التعبير فما بالكم بدول معينة حيث لا نور ولا حرية ولا تعبير ولا من يعبرون. أما في عالمنا العربي فقد دارت معارك مشهورة بين وسائل الإعلام الحرة و خصومها وكانت وسائل الإعلام هي المنتصر دائما ففي أواخر العام 1976 اقتحمت قوات الردع العربية مباني الصحف البارزة فور وصولها إلى بيروت إلا أنها اضطرت من بعد إلى إخلائها دون أن يؤدي الترهيب إلى تغيير خطها السياسي والدليل الأبرز هو مثابرة جريدة «النهار» على النضال ضد قوات الردع حتى رحيلها في العام 2005 وفي العام 1984 حاول الفريق السياسي بزعامة الرئيس أمين الجميل التعرض لرئيس تحرير جريدة «السفير» كي تمتنع عن معارضة حكمه فلم تنجح المحاولة وانتصرت الصحيفة اليسارية المعارضة بخروج الجميل من الحكم دون مجد يذكر. وفي العراق اعتقدت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها قادرة على تنميط التعبير وتمويل أقوال الصحف والصحفيين بما يرضي الاحتلال ويمدح ظله فكان أن «ودع» الزميل منتظر الزيدي الرئيس بوش برمية حذاء خلال مؤتمر صحافي في بغداد بثت وقائعه وسائل الإعلام الأهم في العالم. ثمة من يعتقد أن معارك الصحافة المظفرة مع التسلط والأنظمة الغشيمة تنتمي إلى زمن مضى كانت فيه وسائل الإعلام جديرة حقا بمرتبة السلطة الرابعة التي انتزعتها من براثن الاستبداد والقمع وأنها فقدت هذه المرتبة بعد انهيار الحرب الباردة وسيادة القطب الواحد وبالتالي ما عادت في هذا العالم سلطة رابعة و ما عاد ناطقون باسمها. ولعل هذا القول صحيح جزئيا في الديمقراطيات الغربية حيث نرى بأم العين كيف يطوع بيرلسكوني وسائل الإعلام في ايطاليا وكيف يردع ساركوزي وسائل الإعلام في فرنسا بيد أن هذا الحال لا ينطبق على الصحافة الناهضة في أمريكا اللاتينية ولا على الصحافة الناهضة مع حركات المقاومة العراقية والفلسطينية واللبنانية والدول الممانعة في العالم العربي.و... ويبقى الأهم وهو شبكة الانترنت التي صارت منبرا لكل من لا منبر له في هذا العالم وصارت سلطة مطلقة خارج سطوة وقمع وترهيب المستبدين ولأنها كذلك يسعى المتضررون من الصحافة الحرة إلى غزو الشبكة العنكبوتية وملاحقة المعبرين الأحرار على صفحاتها عبر اجتثاثهم لكن دون جدوى فتراهم ينتقلون من موقع إلى موقع كما تنتقل العصافير الحرة من غصن إلى غصن ما يعني أن الانترنت قد يكون النبأ الأسوأ في التاريخ بالنسبة للاستبداد والعسف والعبودية وأن فرص انتصار القول الحر تظل هي الأكبر والأرجح ولوكره الكارهون. كائنا من كان المعتدي على «الأخبار» اللبنانية فقد أخطأ مرتين. الأولى لأنه تصدى لها بطريقة لا يمكنها إلا أن تجعل العاملين فيها ينضحون بالادرنالين «الثوري» والثانية لأنه تصرف ك «أبن الطلاقاء» في وسط « أصولي علماني» تكاد أقدام عناصره لا تستقر على الأرض و تعتبر التضحية فيه عادة بل عبادة «قديمة» و «حديثة».. فافهم.. كما يختم مولانا «ابن عربي» قدس الله سره.