نبيل بنعبد الله: التدبير السيئ للمشاكل الاجتماعية وتغليب الحسابات السياسوية وراء أحداث العيون كانت حالة الطقس تنذر بقدوم عاصفة قوية، وبدأت السماء تتلبد تارة بالغيوم وتارة تفسح المجال أمام أشعة الشمس الصباحية حينما تشتتها الرياح القوية المحملة برائحة البحر، وكان هدير الأمواج الصاخبة يصل إلى الآذان حين تقل حدة الرياح. وكانت الساحة الفسيحة لمركب الشباب ببوزنيقة تعج بالرفيقات والرفاق الذين جاؤوا لحضور أشغال الدورة الثالثة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية. الكل كان يترقب موعد انطلاق الأشغال في الوقت الذي لازال باقي الأعضاء يتقاطرون على مكان الاجتماع. البعض كان منشغلا بالإجراءات العادية، والآخرون تناثروا جماعات صغيرة هنا وهناك يتبادلون التحايا وأطراف الحديث حول القضايا المطروحة على جدول أعمال الدورة. بين لحظة وأخرى كانت الأنظار تتوجه إلى المدخل الرئيسي للمركب، يستطلعون القادم، وكأنهم يبحثون عن رفيق تائه أو عزيز ضل الطريق. ورغم مرور وقت طويل عن الموعد المحدد لانطلاق الدورة، إلا أن لا أحد اشتكى من التأخير، وكأنهم استأنسوا بتلك الأجواء. قبل أن يأتي صوت ينادي بالالتحاق بالخيمة المنصوبة في الجناح الغربي من الفضاء الذي خصص لاحتضان الجلسة العامة، حيث تحرك الجميع بخطوات متثاقلة ثقل المتوجس. المتتبعون لأشغال الدورة الثالثة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية كانوا يتوقعون أن تكون عاصفة، مثلما كانت حالة الطقس عاصفية، إلا أن تنبؤاتهم لم تكن في محلها. فمباشرة بعد إعلان تنصيب رئاسة الدورة التي أوكلت إلى عبد اللطيف أوعمو، وعضوية كل من أحمد سالم لطافي، و قاسم الغزوي، وفاطمة فرحات، وكرين لبيض، ورشيدة الطاهري، ومحمد أمين الصبيحي، وكجمولة بنت ابي أعضاء المكتب السياسي للحزب، تنفس الكثيرون الصعداء، فيما شردت أذهان البعض في قراءة تجليات اختيار أعضاء الرئاسة. بعد الترحم على أرواح شهداء الواجب الوطني الذين راحوا ضحية الأحداث المؤسفة بالعيون، كان أول امتحان أمام الدورة المصادقة على مقترح المكتب السياسي حول جدول أعمالها. ولم يقنع التقديم المقتضب لرئيس الدورة، بعض أعضاء اللجنة، الذي أكد فيه أنه بعد الاستماع إلى تقرير المكتب السياسي ستلتئم اللجن الدائمة لهيكلة أجهزتها وعرض التقرير للمناقشة، ورفع تقاريرها أمام الجلسة العامة، بينما سيتم استكمال هيكلة باقي اللجن في اليوم الموالي. وارتفعت بضع أصوات بضرورة طرح التقرير أمام الجلسة العامة لمناقشته، كما جرت العادة. وحسم عبد اللطيف أوعمو، دون انفعال، شكوك البعض حول مصداقية رئاسة الدورة، حين حظيت بتأييد أغلبية أعضاء اللجنة، مقابل معارضة 9 أصوات وامتناع 8 آخرين عن التصويت، مثلما حسم التصويت أيضا الخلاف حول مناقشة تقرير الأمين العام أمام الجلسة العامة أو داخل اللجن، بتأييد أغلبية الحاضرين مقابل معارضة 14 صوتا وامتناع 10 عن التصويت. هذا الأسلوب الديمقراطي في حسم القضايا الخلافية، بعد الاستماع إلى مختلف الآراء المعبر عنها، قوضت آمال الذين كانوا يراهنون على توتر أجواء اللجنة، وجنوح أشغالها إلى غير الأهداف المنوطة بها. سادت لحظات هدوء وصمت لم تسمع فيها حتى الهمسات الثنائية، ولم يكسرها سوى صوت هبوب الرياح القوية التي كانت تهز أركان الخيمة الكبرى التي تحتضن أشغال الدورة، قبل أن يشرع الأمين العام في تقديم تقرير المكتب السياسي، الذي حمل إشارات قوية وجريئة حول مختلف القضايا المطروحة أمام أنظار الدورة؛ (أنظر النص الكامل للتقرير على الصفحات 6،7،8). واستهل الأمين العام، محمد نبيل بنعبد الله تقريره بالتذكير بالظرفية السياسية التي تهيمن عليها مستجدات القضية الوطنية، بتزامن مع الأحداث المؤسفة التي عرفتها العيون قبل نحو شهر ونيف، داعيا إلى وضعها في صدارة مهام الحزب والتعامل معها كضرورة ملحة ومستعجلة، وإخضاع الأحداث لما يستحق من تحليل معمق لبحث سبل الارتقاء بمستوى أدائه في الدفاع عنها، على المستوى الداخلي، وبعين المكان، وعلى المستوى الخارجي. وذكر الأمين العام بموقف الحزب المتماشي مع الإجماع الوطني حول مشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، في الوقت الذي تتكثف فيه مناورات خصوم الوحدة الترابية للبلاد، التي اشتدت بعد بروز قضية مصطفى ولد سيدي مولود واختطافه واحتجازه وتعذيبه وإبعاده عن أسرته وذويه لمجرد أنه أبدى رأيا مؤيدا للمشروع المغربي. وبعد الوقوف على جرد سريع لمجريات الأحداث بالعيون الناتجة عن تفكيك مخيم «اكديم إزيك» ونتائجها الوخيمة، واستجلاء الأسئلة التي تفرض نفسها بقوة الواقع، التي كان الحزب أول من عبر عنها، خلص الأمين العام إلى أن التدبير السيئ للمشاكل الاجتماعية من قبل السلطات المحلية، وعمليات التجاذب وشد الحبل في ما بينها وبين الهيئات المحلية المنتخبة أفضت إلى المس بمصالح الدولة، من خلال محاولة تصفية هذه الحسابات عبر استغلال تطورات مخيم « اكديم إيزيك». وربط الأمين العام ما وقع بالعيون من تخريب الممتلكات العمومية والخصوصية، والنتائج الوخيمة للحركة الاحتجاجية بالحسيمة، مع قضية التأطير السياسي والآثار السلبية لتبخيس دور الأحزاب. ودعا نبيل بنعبد الله بشدة إلى ضرورة تحديد المسؤوليات، وعدم السماح بالإفلات من تحمل تبعات المسؤولية، فيما يتعلق بالحادثين، مشددا على أن أي محاسبة منصفة يجب أن تتم على أسس موضوعية، تأخذ بعين الاعتبار الوجود الفعلي لمؤامرات خارجية تتربص بوحدتنا الترابية، ولكنها لا تجعل نظرية المؤامرة تؤدي دور الشجرة التي تخفي غابة العيوب الداخلية. مشيرا إلى موقف الحزب الذي نبه أكثر من مرة منذ 2007 إلى من أسماه «الجيل الجديد من الانحرافات» التي بدأ الحقل السياسي المغربي يشهدها. ومن بين الإشارات الواضحة التي تضمنها تقرير الأمين العام ضرورة وضع توجه شمولي وعقلاني، يحدد دور ومسؤولية كل طرف من القوى الحية بالبلاد في احترام تام للمؤسسات، للحيلولة دون تدخل من أسماهم «بعض العناصر التي لا صفة لها في تدبير ملفات أساسية»، والحرص على القطع مع تدبير عدد من الملفات بشكل مواز لدور المؤسسات، لما يشكل من خطر على البلاد وتهديدا لمقومات استقرارها، باعتبار ذلك توجها من شأنه ليس فحسب حرمان البناء الديمقراطي للبلاد من دعم لا غنى عنه، بل وتكسير المكتسبات المحققة حتى الآن. واعتبر نبيل بنعبد الله على أن المؤسسات الموكول لها أن تدبير ملف القضية الوطنية يجب أن تضطلع بهذه المهمة بشكل تتحمل فيه السلطات التنفيذية والتشريعية مسؤولياتها كاملة، وتشرك فيها جميع القوى الحية، من أحزاب، ومكونات المجتمع المدني. وقال إن تطورات هذا الملف أضحت تستدعي إعادة نظر شاملة وبناءة، لكيفية تدبير الشؤون ذات الصلة بالقضية الوطنية، خاصة في الأقاليم الجنوبية، وذلك في أفق استدراك ما يمكن استدراكه، وتصحيح ما ينبغي تصحيحه. من خلال اعتماد المقاربة الشمولية الواردة في الخطاب الملكي الأخير، وتقوية الجبهة الداخلية، بإيجاد الحلول المناسبة للمطالب الاجتماعية وإعادة طرحها في سياقها الوطني وفي الإطار المؤسساتي والقانوني المشروع من خلال إعمال مبدأ المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات والقطع مع أساليب الريع والزبونية وتجنب الاختلالات، ومواصلة مسار البناء والتنمية. وانتقد نبيل بنعبد الله طريقة تدبير ملف الصحراء التي سعت إلى تقزيم دور الأحزاب السياسية ومسؤوليتها في التأطير السياسي، والذي أدى إلى انحسار نشاطها في الأقاليم الجنوبية، قبل أن تخضع هذه الأحزاب لمنطق الأعيان ومساهمتها في تكريس الانتماء القبلي على العضوية الحزبية والهوية السياسية. وأخرس تقرير الأمين العام كثيرا من ألسن الذين تهجموا على كجمولة بنت ابي، عضوة المكتب السياسي والنائبة البرلمانية بفريق تحالف القوى التقدمية الديمقراطية بمجلس النواب، بسبب آرائها الشخصية وتصريحاتها حول الأحداث، بالتأكيد على تتبعها لمجريات الأحداث منذ بدايتها وسعيها معالجة موضوع مخيم «اكديم إيزيك»، من موقعها الحزبي والبرلماني وبتنسيق متواصل مع قيادة الحزب، واستجابة لطلب رسمي وجه إليها في الأمر. مضيفا أن انتقادها لجانب من معالجة الموضوع يعبر عن صدق ما عاشته، ولم تنتبه إلى التوظيف المغرض لتصريحاتها. معتبرا أن تلك التصريحات لم تمس بثوابت البلاد وقناعتها الوطنية الراسخة، خلافا لما ادعته بعض الأوساط الإعلامية المغربية المسخرة، في سعي محموم يائس وبئيس لضرب الحزب ومؤسساته القيادية، بل النيل من مكانة ودور الإجماع الوطني الذي يعد أحد أهم أدوات هذه المعركة الوطنية المقدسة. وجدد نبيل بنعبد الله التأكيد على أن المكتب السياسي للحزب قام بتدبير هذه المسألة بما يكفي من التروي والحكمة والتبصر، وتفادى السقوط في أي مبادرة تكون لها نتائج عكسية ووخيمة على الحزب والبلاد. ووصف التقرير ما يتعرض له المغرب ب «الحرب الإعلامية المفتوحة والهجمة الديبلوماسية الشرسة» والتي لا يمكن مجابهتها فقط بردود الأفعال، بل بنظرة استباقية وابتكار صيغ تحرك ملائمة، داعيا إلى تفعيل الدبلوماسية الرسمية والبرلمانية والشعبية، وداخليا، باتخاذ كل التدابير العملية لتمتين الجبهة الداخلية وتوطيدها. ودعا التقرير إلى التعجيل بمعالجة هذه المطالب، وإشراك القوى الحية، من أحزاب ومجتمع مدني وفعاليات وطنية ومحلية، في هذا التدبير، وتكريس المشروعية السياسية المحلية في الأقاليم الجنوبية المغربية، وتحسين أداء الدبلوماسية الشعبية والبرلمانية، والاعتماد على نخب جديدة، وإعادة هيكلة ودمقرطة المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء (كوركاس) ليتحول إلى إطار يحظى بتمثيلية حقيقية ويتميز بفعالية في عمله ونجاعة في مهامه، والرفع أكثر فأكثر من مستوى تأهيل وسائل الإعلام الوطنية، وذلك ما سيشكل مداخل أساسية لإعطاء نفس جديد لمختلف أبعاد الإصلاحات التي تحتاج البلاد إليها. وشدد التقرير على أن الحاجة أصبحت ملحة إلى ضرورة إصلاح سياسي يوسع ويحصن فضاء الحريات العامة الجماعية والفردية، مع صيانة حرمة الأشخاص وكرامتهم، والإقرار بحقهم في اختيار قناعاتهم الفكرية والسياسية دون إكراه، وتطوير مفهوم حقوق الإنسان ليشمل الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحق النساء في المساواة، وضمان حقوق الطفل، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، إصلاح يرسي قواعد نظام تمثيلي أكثر مصداقية ونجاعة. هذا الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا بتوفير جو سياسي سليم، واحترام إرادة الناخبين، والابتعاد عن محاولات صياغة خريطة سياسية، بأساليب منافية للتطور الديمقراطي الطبيعي. وأشار التقرير إلى أن الضرورة تستدعي تقوية مكانة الأحزاب السياسية لجعلها تقارب إصلاح المنظومة الانتخابية، من أجل إعادة الاعتبار للعمل السياسي، مضيفا أن موقف الحزب ينبني على تهييء الأرضية الخصبة للرفع من نسب المشاركة في الانتخابات وتوفير آليات تنظيمية تتيح الاعتماد على الكفاءات والنخب الجديدة، وإيجاد السبل الكفيلة بمحاربة الاستعمال اللاقانوني للمال، ووضع حد لظاهرة الترحال، ومواجهة من اصطلح على تسميتهم بالكائنات الانتخابية من أجل ضمان مشاركة كافة القوى الحية من موقع المؤسسات المنتخبة في الحراك السياسي الجاد والمجدي. وبالإضافة إلى مهام استكمال هيكلة الحزب، تم انتخاب أعضاء لجنة المراقبة السياسية والتحكيم ولجنة المراقبة المالية، كما تمت هيكلة اللجن الدائمة وتفعيل عملها والشروع في وضع برامج عملها السنوي، وفق اختصاصاتها.