الطفرة في الإنتاج والنكسة في الاستهلاك التقينا برئيس جمعية نقاد السينما بالمغرب خليل الدمون، أثناء حضوره لمهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة، الذي نظم مطلع الشهر الجاري، وتحدث لبيان اليوم، عن جملة من القضايا المرتبطة بالإنتاج السينمائي المغربي، وظروف استهلاكه وتلقيه، وطبعا تطرق في هذا الحوار إلى وضعية النقد السينمائي ببلادنا. * كيف تقيم الانتاج السينمائي الوطني خلال السنوات الأخيرة؟ - خلال العشر سنوات الأخيرة،أعتقد أنه حصل تحول كبير في السينما المغربية،من حيث أن المغرب انتقل من إنتاج سنوي يقدر بثلاثة أو أربعة أفلام سنويا، إلى خمس عشرة فيلما في السنة، وهذا رقم قياسي، لم يصل إليه المغرب، منذ ميلاد السينما في أواخر الستينات.هذا بطبيعة الحال شيء مهم جدا وأساسي، فلكي نقوم بتقويم معين، لا بد من التقويم الكمي. بدون أفلام، لا يمكن أن نصل إلى تقويم حصيلة معينة. وفي ما يتعلق بالجودة-حيث أنه لا بد من ربط الكم بالكيف-أعتقد أن الفيلم المغربي، لا يزال في حاجة إلى مزيد من العمل، في حاجة إلى بحث عن مواضيع أخرى وعن أساليب أخرى مختلفة، وبالتالي أصبحنا كأننا ندور في حلقة مفرغة، ثم من ناحية المواضيع المطروحة بالخصوص.بالطبع، هناك استثناءات، بعض المخرجين الشباب اليوم، مثل محمد مفتكير،ونرجس النجار وغيرهم، ممن أصبحوا يبحثون عن أساليب أخرى. لكن في الغالب، نجد الرواد، كأنهم يصطدمون بشيء معين، ويدورون في حلقة مفرغة، بمعنى أننا إذا رجعنا إلى أفلام الثمانينات، وحتى التسعينات، ربما قد نجد بها، كتابة أخرى، فإذا طلب منا أن نختار عشرة أفلام، في الخمسين سنة الماضية،نلاحظ أنها كلها تقع تقريبا في مرحلة الثمانينات والتسعينات، بمعنى أنه إذا وجدنا فيلمين أو فيلما واحدا، في هذه السنوات الأخيرة، التي عرفت طفرة على مستوى الكم، قد لا نجد ضمنها فيلما، يمكن أن يشكل طفرة نوعية. لحد اليوم ليس لدينا عمل رئيسي، والدليل على ذلك أن المغرب يحصل على جوائز في مهرجانات متوسطة، مثل دمشق والقاهرة وقرطاج، لكنه لم يحصل على جائزة كبيرة في مهرجان كبير، مثل مهرجان كان أو برلين أو البندقية، هذه هي المهرجانات التي تعطي الإشارة إلى أن إنتاجنا السينمائي قد وصل بالفعل إلى المستوى الذي نريده. طبعا، هناك طموح، وهناك رغبة لدى المسؤولين ولدى المخرجين، لكن لا بد من بذل مجهود أكبر،للحصول على هذه النتائج. هذا في ما يتعلق بالانتاج، أما في ما يخص التلقي، أو مجال عرض الأفلام بالقاعات السينمائية، نصطدم بمشكل عويص. فهناك دائرة، ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وهي الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، بدون احترام هذه الدائرة، لا يمكن للسينما أن تقف على رجليها. فما دمنا أننا لم نحل مشكل القاعات السينمائية بالمغرب، لا ينبغي أن نسمح لأنفسنا بالقول إن هناك طفرة سينمائية. إن الطفرة في الإنتاج، لكن النكسة في الاستهلاك، وهذا عيب كبير جدا. في بلدان أخرى، مثل بلجيكا، أو هولندا التي تنتج مثلنا ما يقارب خمس عشرة فيلما طويلا في السنة، نجد أن القاعات تتزايد سنة بعد أخرى، في حين إذا استمررنا على نفس الوتيرة التي نحن عليها الآن، فإن السينما ستندثر، بعد خمس أو ست سنوات، وأتمنى أن لا نصل إلى هذه الوضعية الكارثية. * ماذا تقترح للخروج من هذه الأزمة؟ - الحل لتفادي هذه الكارثة، مسؤولية الجميع، مسؤولية المركز السينمائي المغربي،باعتبارها السلطة الوصية على هذا القطاع، وبطبيعة الحال، هناك الجماعات المحلية، والجهات، التي تقدم رخصا لبناء تجزئات سكنية، لكن من المفروض أنه ضمن تصاميم هذه التجزئات السكنية، أن يتم التفكير في القاعة السينمائية،نستحضر المسجد والمدرسة وسوق المواد الغذائية، لكننا نغفل القاعات السينمائية. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى، فإن القطاعات الحكومية لها دور في إنقاذ هذا الوضع، فمثلا وزارة المالية تفرض ضرائب مرتفعة، لا قدرة لأرباب القاعات على أدائها. ينبغي إذن أن يكون هناك قرار سياسي، يحدد المشكل ويبحث عن الحل، وعند البحث عن الحلول، يجب أن تتضافر جهود الجميع بعد ذلك لتنفيذ هذه الحلول. ينبغي التفكير في المزج بين القاعات التجارية وتلك التي تنتمي إلى مؤسسات ثقافية، مثل وزارة الثقافة. لماذا لا تتوفر مندوبيات وزارات الثقافة والشباب، على قاعات سينمائية. موقع القاعات اليوم، أغلبها يوجد في وسط المدينة، فبالنسبة لمن يقطن في الضواحي، لا يمكن له أن ينتقل عبر سيارة الأجرة، التي قد تكلفه الكثير، سواء عند الذهاب، أو عند العودة إلى بيته في العاشرة ليلا، حيث ينعدم الأمن. الإشكالية إذن متعددة، ومتشعبة. * عرفت الكتابات النقدية المنصبة حول الأعمال السينمائية، خلال المدة الأخيرة، انحسارا ملحوظا، ما أسباب ذلك؟ - لا أعتقد أن هناك تراجعا على مستوى الكتابات النقدية، فعدد النقاد اليوم يتكاثر. بالطبع هناك خلط بين العمل الصحافي والعمل النقدي.فهناك العمل الصحافي ومواكبة المهرجانات والكتابات السريعة لتلبية رغبات الصحافة اليومية، وهناك الكتابة النقدية التي لا تخضع لإكراهات الوقت. نحن اليوم، نواجه مشكلا كبيرا، في الحصول على مساحة للكتابة. لهذا لا بد من وجود مجلات متخصصة في الحقل السينمائي.هذه المجلات تعاني من مشكل الاستمرارية في الصدور، مثل مجلة «سينما» التي تظهر وتختفي، وكذا مجلة «سينماك» التي توقفت بصفة نهائية.هناك مجلات أخرى، لم تتجاوز عتبة ثلاثة أعداد. تبقى مجلة وشمة التي تصدر في تطوان، لكنها تصدر مرة واحدة في السنة، وبشكل غير منتظم. هذه المشاكل، مرتبطة بالتمويل وبالبحث عن موارد. لا يمكن للجمعيات وحدها أن توفر الإمكانيات المادية لهذه الإصدارات، لهذا نقترح أنه، مثلما يقدم الدعم لإنتاج الأفلام، يقدم كذلك دعم لإصدار الكتب والمجلات المتخصصة في السينما. هناك مشروع الآن، لاستئناف صدور مجلة «سينما» بدعم من المركز السينمائي، أما في ما يتعلق بمستوى الكتابة النقدية، فأعتقد أن مستوى ما يقدمه النقاد المغاربة الآن، سواء من خلال تدخلاتهم أو كتاباتهم، هو مستوى مقبول، بشهادة الأجانب. عندما ننظم موائد مستديرة، نلاحظ أن نقادنا أصبحت لهم وسائل تحليل جديدة جيدة، ويبحثون عن نظريات ومناهج في النقد العالمي. هذا هو المقياس، لكن خلال المهرجانات، عندما يكون المجال مفتوحا للجميع لكي يتدخل، فإنه لا يكون من السهل الارتقاء بمستوى النقد.