عذبونا نفسانيا وسرقوا أمتعتنا وحذرونا من مغبة العودة «إننا نصحو اليوم من كابوس حقيقي. ونحمد الله أننا نعيش في وطن اسمه المغرب». بهذه الكلمات استهل لحسن فيتبادار سرده لملخص وقائع مهمة صحفية خارج الوطن، انقلبت إلى اعتقال قسري وسيل من الاستنطاقات. بفرح غامر، وبصوت مبحوح أنهكته خمسة أيام من المعاناة النفسية والجسدية، استعرض فيتبادار شريط الأحداث منذ الإقلاع من مطار أكادير المسيرة في اتجاه مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء. «توجس غريب اعتراني حين وطأت قدماي تندوف حيث حطت الطائرة القادمة من مطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة. مجموعة من الأطفال أتت للتو من مخيم بإسبانيا كانت توجه إلينا نظرات حقد دفين بمجرد ما همس لها بعض الرجال بكلمات عرفنا مغزاها. لم نجد سوى بعض رجال أمن المطار لنختبئ وراءهم خوفا من اعتداء جماعي. كنا حيينها مرفوقين بأشخاص لم نعرف هويتهم. طلبوا منا مرافقتهم إلى فندق بالمدينة. ولم يمض على ذلك سوى لحظات لنفطن أنهم حرس الحدود، توصلوا بتعليمات تقضي باستنطاقنا حول الهدف من زيارتنا وحول مواضيع كثيرة لا رابط منطقي بينها. كان الفندق ملكا للدولة الجزائرية تستعمله ك «مركز اعتقال مزيف» في انتظار ما سيتخذه رجال المخابرات من قرار بخصوص المقيمين فيه. لم يسمح لنا قط بالمغادرة. كانت الغرفة الضيقة وبهو الفندق حيث نتناول وجباتنا حدودا مرسومة لتحركاتنا، بعد انتهاء سيل الأسئلة المكرورة والاستنطاقات الساذجة التي عبرت عن حقد غير مفهوم للمغرب، وحاولت إيهامنا أننا غير معتقلين وبأن الإجراءات التي يقوم بها رجال الأمن الجزائريون ناتجة، بالأساس، عن زيارتنا لتندوف دون إذن مسبق من السفارة الجزائرية. وهو ما ستتم محاولة شرعنته بإرغامنا على التصريح لقنوات تلفزية، استقدمت إلى الفندق كرها لتغطية مخدومة. لكننا رفضنا القفز على الحقيقة وأكدنا أننا محتجزون تخضعنا الشرطة الجزائرية لاستنطاق بوليسي، منذ وصولنا لتغطية عودة مصطفى سلمى ولد مولود، المفتش بشرطة مخيمات تندوف. لم نكن نخشى شيئا. فلسنا مجرمين ولا إرهابيين. كنا على قناعة تامة، بعد اطلاعنا على ما تقدمه القنوات الأرضية في الجزائر، أن هذا البلد الجار يشهد تراجعا في مجالات الديمقراطية وتعزيز دولة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية مقارنة بباقي دول المغرب العربي، وأن القائمين عليه يستعملون بلدنا المغرب كورقة لتصريف مشاكل داخلية لا حصر لها. نعم، حاولنا التعبير عن ذلك علنا لرجال الشرطة دون خوف أو وجل. لكن، لم تمر تصريحاتنا بسلام؛ إذ توالت الاستفزازات في اليومين المواليين. ففي غفلة منا سرقوا أمتعتنا. وبحضورنا انتزعوا هواتفنا وكل الأدوات التي استقدمناها معنا لإنجاز عملنا الصحفي. كنا كمن دخل البحر للاستحمام فوجد نفسه عند الخروج منه وقد ضاعت ملابسه وحاجياته. لقد لعبوا على وتر العامل النفسي قبل أن ينهكوا جسدينا بالاستنطاقات المطولة التي جرى بعضها في مخافر الشرطة. والغريب أن سلوك السلطات الجزائرية شابه نوع من التمايز. فقد كان البعض من رجال الشرطة يحاولون التخفيف من معاناتنا النفسية عبر الحديث عن مقابلات كرة القدم بين المغرب والجزائر. ومنهم من حاول ضمنيا تحذيرنا من سلوك ترهيب الصحفيين المغاربة والأجانب، النزيهين، حتى لا يقتربوا من تندوف ويطلعون الرأي العام على واقع المخيمات. وفي وقت متأخر من ليلة الثلاثاء الماضي، داهم ما لا يقل عن 14 ضابطا من مخابرات الجزائر الغرفة التي تقاسمتها مع الزميل السليماني واقتادونا إلى وجهة مجهولة، حيث خضعنا للتفتيش من جديد ولحجز هاتفينا. وتم اقتيادنا، بعد ذلك، إلى المطار حيث استقلنا رحلة إلى الجزائر العاصمة ومنها إلى الدارالبيضاء ثم أكادير».