بين ماضي التعايش الديني الذي لا يزال راسخا في ذاكرة الأسر التقليدية بآسفي والحاضر القائم على مظاهر الانفتاح على الحياة الجديدة التي أصبحت تطبع نمط العيش بجل أقاليم المملكة يمضي سكان آسفي شهر رمضان بإيقاع ينهل من تقاليد الأجداد ويتلاءم مع مستجدات العصر. ------------------------------------------------------------------------ في هذه الأجواء المليئة بالحنين الروحاني تقضي السيدة ربيعة بنهيمة، من الأسر التي عمرت آسفي منذ قرون، أيام شهر الصيام بذاكرة حية وحاضر متفائل. في بيتها بحي «بلاطو» بالمدينةالجديدة، حيث التغييرات الكبيرة في نمط العيش، وقبل تجاذب أطراف الحديث معها حول مستجدات مظاهر الشهر الأبرك، لم تكف ربيعة، التي دخلت عقدها السابع قبل أيام، عن الاسترسال في بسط صور من ذاكرتها عن طقوس شهر الصيام في المدينة العتيقة، وما كان يطبعها من تعايش ديني واحترام للآخر لا تزال بعض آثاره شاهدة عليه إلى اليوم. التعايش واحترام الآخر فمن الطبيعي جدا أن تعرف مناحي الحياة تغييرات بما فيها مظاهر الحياة في رمضان، لكن الأمر المهم والذي لا يزال راسخا في الذاكرة هو ذلك التعايش الذي عرفه المسلمون واليهود بشكل متميز في هذه الحاضرة. تحكي السيد ربيعة أن جوقا موسيقيا لفرقة مكونة من فنانين وعازفين يهود كانت تقدم ليلة عيد الفطر حفلا فنيا أمام بيوت ممثلي السلطة وأعيان المدينة وشيوخها، تعبيرا منها عن مباركتها لهم يوم العيد. فالتعايش الديني ظل وإلى اليوم من أهم مميزات هذه المدينة التاريخية التي لا تزال تتطلع إلى تطوير إمكاناتها مع الحفاظ على تقاليدها الروحية والدينية. أول صيام من أهم ما يميز شهر الصيام في آسفي هو أن الأسر، وعلى الرغم مما طرأ عليها من تقدم، تهيئ حفلا خاصا للأطفال ذكورا وإناثا بمناسبة أو صيام لهم. فبمجرد أذان صلاة المغرب إعلانا عن انتهاء يوم كامل من الصيام وأمام مائدة جاهزة للإفطار يتم إلباس الطفلة أو الطفل الصائم لباسا تقليديا ويضع أهله خاتما من معدن «النقرة» تحت لسانه ويقدم له الحليب والبيض والحلويات تحت زغاريد النسوة والأهل والأحباب الذين يقدمون للصائم أو الصائمة هدايا للطفل بمناسبة أول صيام له. مائدة الإفطار بدون منازع، شكلت أطباق السمك من مختلف الأنواع منذ عقود سيدة مائدة الإفطار في مدينة آسفي. فعلى الرغم من الاستنزاف الذي تعرضت له سواحل آسفي المعروفة عالميا بغنى مخزونها من الأسماك فلا يزال أهل المدينة يتوفرون على خبرة قل نظيرها في اختيار نوع السمك وطرق طهيه وتقديمه أكلة غنية ومتنوعة بعد الصيام. غير أن مائدة الإفطار في هذا الإقليم تكاد لا تختلف، بصفة عامة، عن نظيراتها في جل أقاليم المملكة، ما يميزها فقط بعض الحلويات وعلى رأسها «المقروط» وهي حلوة مغذية يتم عجنها بخليط من الدقيق وراس الحانوت والخميرة والسكر ومواد أخرى مقوية والعسل ويتم تقطيعها بواسط قالب على شكل معين الزوايا.