يعود مشروعا القانونين المتعلقين بالنقابات وبممارسة حق الإضراب بأماكن العمل، إلى واجهة الأحداث ليشكلا محور نقاش في الساحة الاجتماعية بين الحكومة من جهة، والنقابات من جهة ثانية؛ بعد تصريح جمال أغماني، وزير التشغيل والتكوين المهني مؤخرا، بكونه يعتزم إدراج مشروعي القانونين المذكورين والمثيرين للجدل في الدورة التشريعية المقبلة ليكونا من بين المشاريع التي سيتم الحسم فيها بالبرلمان. مشروع القانون المتعلق بتقنين ممارسة الإضراب هو بمثابة قانون تنظيمي لحق الإضراب الذي نص الدستور على ضرورة وضعه لتقنين ممارسته، لكنه ظل لسنوات بل لعقود يراوح مكانه بين رفض النقابات واستعجال الباطرونا إخراجه إلى حيز الوجود فيما ظلت الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام مترددة في التدخل للحسم بين الموقفين. أما مشروع القانون المتعلق بالنقابات فيندرج في سياق إعادة هيكلة الحقل السياسي والنقابي والجمعوي بشكل عام. ورغم عدم التمكن من إخراج القانون المتعلق بتقنين حق الإضراب إلى الوجود، فإن الحكومة ترى إلى جانب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن ضرورته يستمدها من ضرورة وضع ضوابط وشروط قانونية لممارسة الإضرابات، في حين تنظر إليه النقابات كعامل تكبيل لممارسة حق مشروع، وكمحاولة لسحب ورقة ضغط من أيدي العمال والموظفين التي يلجؤون إليها كلما اعتبروا أن هناك تعنتا وعدم رغبة للمشغلين، أكانوا خواص أم دولة، في فتح حوار جدي من أجل تسوية عدد من النقط والمطالب المتعلقة بأوضاع الشغيلة المادية والمهنية. وإذا كانت آراء المركزيات النقابية تتقاطع بشأن مشروع القانون المتعلق بالإضراب، فإن الإجماع ليس حاصلا بينها بخصوص إدراج مشروع قانون النقابات في جلسات الحوار الاجتماعي رغم أنها ترفض كلها أن يدرج في البرلمان في الوقت الحالي قبل أن يستنفذ حقه في النقاش في إطار جلسات الحوار الاجتماعي كما هو رأي الفدرالية الديمقراطية للشغل التي صرح أحد قيادييها لبيان اليوم أن الفدرالية «تتشبث بقانون النقابات» مبررا ذلك بكون «المشهد النقابي يعرف تفككا كما يعرف هجوما على الحريات النقابية»، وبالتالي فهذه المركزية النقابية تعتبر أن هناك «ضرورة إخراج هذا القانون إلى الوجود شريطة أن تتم مواصلة التداول فيه داخل جلسات الحوار الاجتماعي للتوصل إلى صيغة مرضية لكل للجميع». غير أن الاتحاد المغربي للشغل يذهب في رفضه بعيدا. فهو لا يرفض فقط أن يدرج مشروعا القانونين المذكورين في البرلمان في الوقت الراهن، بل يرفض حتى أن يكون هذان المشروعان ضمن جدول أعمال الحوار الاجتماعي» على اعتبار أن «وضع قانون للنقابات هو تدخل في شؤون المنظمات النقابية»، مثلما أن وضع قانون للإضراب يدخل في «سياق التضييق على الحريات النقابية»، حسب محمد الهندوف أحد قياديي الاتحاد المغربي للشغل.وعلى كل حال فالنقابات ترى أنه مازال لدى الحكومة ما تقوم به قبل كل شيء، ومن ضمن ذلك إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يجرم بشكل فعلي الحق في ممارسة الإضراب، بالإضافة إلى «التصديق على عدد من القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بالحريات النقابية». ويبدو أن سياق إدراج مشروعي القانونين غير موات على الإطلاق لا سيما وأن الحوار الاجتماعي لم يستقم بعد. فحسب محمد هاكش، الكاتب العام للاتحاد النقابي للموظفين والقيادي بالاتحاد المغربي للشغل، «فما يجري لا يمكن اعتباره حوارا اجتماعيا». وأضاف لبيان اليوم أن «الحوار الاجتماعي هدفه خلق جو من السلم الاجتماعي وتوفير سبل تجاوز الخلافات والإضرابات وتعطل العملية الإنتاجية، لكن ما نلاحظه هو أنه، في أوج النقاش بين الحكومة والمركزيات النقابية، تخاض الإضرابات وتقرر المسيرات وتحتد أجواء التصعيد والتوتر في الساحة الاجتماعية، مما يدل على أن ما يجري ليس حوارا اجتماعيا حقيقيا، وهذا ليس في صالح أي طرف حيث لا يمكن إقناع الناس بالسلم الاجتماعي»، يقول الهاكش.