المسألة أكثر من جسد، إنه الرحم اشتعلت نيران النقاش علنا حول تقنين الإجهاض بعدما عاش لعقود طويلة مخفيا أو متخفيا في ملجأ الممارسة السرية ومطوقا بالممنوع. الكثير من المنابر والأقلام تداولت أن جسد المرأة ينتمي إليها وهي المالكة له، لذلك فهي الوحيدة المؤهلة والتي لها أحقية التقرير متى وإن كانت ترغب في الحمل أم لا؟ لكنها تناست أو لا تعي أن المسألة أكثر من جسد: إنه الرحم. بعد طول تردد استطعنا أن نكسر أقفال الصمت وفتح أبواب كانت موصدة أمام ما نمارسه بداخل أجسادنا، أو بالأحرى استطعنا أخيرا أن نحرر أرحامنا لتحل الرحمة بالرحم ونتجاوز زمن العار والخزي. من قبل كنا نعيش حياتنا عبر الشقوق التي جعلتها مليئة بالتشققات والتصدعات. كنا نطعمها بكل أنواع التشوهات، نتذوقها بمرارة التفاوتات، نلقي بها في سلة المهملات، نرسمها بصورة التفاهات ونعيب على بعضنا البعض الحديث عن الرحم باعتباره من الحماقات، كل ذلك انتهى، فحذاري من أي التفافات حول الرحم حتى من أي مصدر جاءت: حكومات، نقابات أو جمعيات.... اليوم رحمي يثور بجسد مقهور وعقل مبثور وقلب مكسور. يسأل كيف لحريتي أن ترى النور ومازالت تتحكم فيها عقلية الذكور، تغتالها كالدم المغدور، تلطخ بياض صورتها وتلقي بها بجوار أقدم سور؟ اليوم بعدما أنصفني رحمي وجعلني في صيغة الفاعل لأني أنا الحامل وللخصب مصدره متكامل، ولديمومة الحياة شامل لجميع التفاصيل أتساءل كيف يجبرونه على الرضى بالقوانين والأغلال والسلاسل وكأن بداخله يرقد وحش ويتصدره مقاتل؟ من الرحم إلى صلة الرحم علاقاتنا الإنسانية والبشرية تتجسد في صلة الرحم، وحتى الدين يحثنا على الحرص عليها وينهانا "إياكم ثم إياكم وقطع الأرحام" كي يجعل المحبة والمودة سائرة بيننا ضمانا للتآزر والوئام بين معشر الناس. بالمقابل ينحو المجتمع نحو تكبيلها بسلاسل العار وفتاوى الحرام ويجبرنا على ترك ما في أحشائنا ليصنع منه مولودا يسميه فيما بعد ولد الحرام أو ابن زنا ويرفض أن يمنحه هوية، وأحيانا تقطع صلة الرحم بين "ابن الزانية" والزانية عندما ينزع أو تجبر على أن ينزع منها مولودها. بالمقابل يهبه الناس هدية الدونية ويعتبر الفعل جناية ومالكة الرحم تحوز صفة زانية، تتعرض لأحكام قاسية، لتعيش بجسد مشلول يتناول كل الحبوب التخديرية لتبقى هي في قارة وجسدها في قارة أخرى دون بداية ولا نهاية. لكن حتى وهي تعيش حبيسة مدن الثوابيت الرخامية فإنها تصرخ ملئ حنجرتها: أنا امرأة حية ولحقوقي سأبقى مبالية ولأجل رحمي مجاهدة متفانية. ظلموك يارحمي حينما جعلوك سلاحا كرها قبلنا جهاد النكاح!عفوا هو جهاد الرحم ليس إلا. استثمروه زورا في "سبيل الله وسبيل الدين". لكن القصد والصواب كان ولا يزال بغاء فيه إمتاع للمقاتلين لسويعات قليلة بمقتضى عقود نكاح شفهية لتشجيعهم على قتال بني جلدتهم وملتهم. بذاك صار الرحم أداة لزنا الأركان الحربية في مهاجع ومخادع المتطرفين التي أشعلت الحروب على البلاد والعباد، ثم انقلبت حروبا أبدية على الرحم والأرحام وأدرجوها في مهمات عسكرية باسم الدين، وصنعوا منها على مقاساته أسلحة ترهيبية. آه يا ديني متى يتركوك لنا لأنك منقوش في إيماننا. أما آن الأوان لإعادة الحوار الطبيعي بين عقولنا وبين أرحامنا وأجسادنا وإعادة الحرية إلى مكانتها الطبيعية كفعالية إنسانية مبدعة وخلاقة، لا كلص خارج على القانون تلاحقه شرطة الآداب العامة والمخابرات والكلاب البوليسية، غايتنا من ذلك أن يكف مجتمعنا عن أن يكون مستودع نفاق كبير وجهه وجهان، ونفسه نفسان، وخارجه وداخله متناقضان يقول شيئا ويضمر غيره، يحب شخصا ويرتبط بسواه وبسرعة النسانيس يعيش مع امرأة ويتعايش مع غيرها. آه يارحمي... لا تنهزم الآخر ينظر إليك كجرح ومقتل، لكنك بحر بعزة موجه لن يغتال، شموخه لا يطال، وكبرياؤه جمال، لكن إنصافه يبدو محالا أمام جبروت عقل ذكوري محتال. يا رحمي أنت عش عصفور على محيطك تجتمع العصور وبداخلك تربع أول وآخر الذكور. بك تم ذبحي على سرير زفافي وقبله على سرير ولادتي. ومع ذلك لم نثر نحن المذبوحات على ذابحنا، مثل القبر الذي لا يثور على حافره أو الميت على الموت أو اللحن على الفنان مبدعه. إن واصلنا هكذا ستكون هزيمتنا بنون النسوة وحاء الرحم، هزيمة لأجسادنا وهزيمة للربيع بالمؤنث، هزيمة للحرية التي سقطت أبراجها، ومعها سقطت أعمدة العدل والإنصاف وأقبرت المساواة في نفق وصار الرحم في عداد المفقودين. لذلك لنركب التحدي ونصيح ملئ أفواهنا: أنا مالكة الرحم الذي لم أستطع بعد أن أتملكه. أنا حاكمته التي فشلت في التحكم فيه لأن عقل ذكر هو حاكمي. أنا سلطانة رحمي وهو قصري الذي أتباهى برونقه وزخارفه كقصور العثمانيين. رحمي يحتاج أن أقرر فيه كي أجعله روضا عطرا وحقلا يانعا. انتفاضة رحم لأن أصابعي حرية وورقي حرية وحبري حرية فقد أصدرت هذا المقال واختطت هذا السواد لأحرض النساء على الحرية. التحريض على الحرية هو تحريض على السمو والنقاء والبراءة والطفولة والعافية. والتحريض على التصالح مع واقعنا وعيشنا وللمصالحة مع نمط حياتنا والتحريض على الحق والحقوق. أيتها النساء لم تصمتن؟ لا داعي للسكوت بعد اليوم... هل أكل الصمت ألسنتكن؟ أم سرق القمع أحلامكن؟ أم أن الخوف هو مننزع طموحكن؟ إن كان الأمر كذلك، فأنا محرضتكن على أجمل ما فيكن وأطهر ما فيكن وأنبل ما فيكن: أحرضكن كي ترتفعن وتسمون إلى مقام وسمو الإنسان ولنجعل هذا الركن في الجريدة شرفة من عل للتحريض لنكون ما نريد وكما نريد. يعني أن نكون ركنا للإنسانية ولإنسانية النساء. حقا نفذ صبري ونفذ معه حبري. لن أغلق دفتري وسيظل التعبير عن الحرية اختياري. ولن أغير خياري ولا حتى قراري لأن غابة تصرخ داخل صدري وتندد بتسييجي لأسراري. لعلمكن، أنا أكتب والسياف خلف بابي. عنترة الذكوري خلف داري وجدراني. سيذبحني إذا أبصر كتاباتي ليبعد الحرية عن مساري. ويغرس بجسدي مسمار ثقافة ابن جهل بالمفتاح والقفل ويقبر شعوري ويعارض قراري ثم يجتاحني ولن يحتاجني إلا فوق السرير ليفترسني وينهشني ثم يدعني على سطح المقبرة طعما لنسور. لن يبقى رحمي مثل ريشة تحملها الزوبعات بآمال مجهضة وأحلام مضطهدة ورغبة مفتقدة في أجساد مجلدة وعيون بجمر موقدة. سيصير رحمي.... سلا، 20 حزيران 2015