تراث لا مادي مغربي أصيل... حكايات.. قوانين .. أنواع.. طرائف وصور من الموروث الثقافي والرياضي رياضة الجمباز التقليدية (حركة أولاد سيدي حماد أوموسى) الحلقة2 لاحظ في الآونة الأخيرة اهتمام مركز من قبل العديد من الدول على اختلاف مشاربه السياسية والإيديولوجية، على إيلاء اهتمام وعناية خاصة بالرجوع إلى الوراء والسعي الحثيث لإحياء العديد من الألعاب والرياضات التقليدية سواء بالصين ، هنغاريا، تركيا، فرنسا، منغوليا ...وبالتالي فإن التساول الذي يطرح نفسه بحدة معرفة سبب أو أسباب هذا الاهتمام وأية علاقة له بالرياضات العصرية؟ ويمكن أن ندفع بحدة التساؤل لمعرفة : هل الرياضات المتداولة حاليا من كرة القدم ومصارعة وسباحة وجمباز...كانت موجودة من ذي قبل أم أنها مرتبطة بالدخول الاستعماري؟ سؤال تقليدي وأثار نقاشا طويلا. ولماذا اندثرت هذه الرياضات والألعاب التقليدية بسرعة برق؟ تتميز الألعاب والرياضات الشعبية عن غيرها من الرياضات الأخرى بكثير من الخصائص كالبساطة والسهولة والتلقائية والتدرج في الصعوبة والتنوع والشمول. وتؤدي الألعاب الشعبية دورا هاما في تأطير الموروث الشعبي المرتبط بالحركة والإيقاع والأناشيد الشعبية كما تساعد على انتقال العادات والتقاليد والمعارف بصورة طبيعية وتلقائية من جيل إلى جيل مكونة بذلك ثقافة شعبية تؤكد أهمية الانتماء إلى الجماعة ، الارتباط الجدري بالأرض والوطن. وساهم اللعب إسهاما فعالا في بناء الشخصية الاجتماعية وتربيتها من النواحي الوطنية والنفسية والجسدية فاللعب يختلف ويتطور حسب مراحل العمر التي يمر منها الإنسان . فإذا كان الطفل يمارس العاب تناسب سنه وبنيته فإن الشاب والكهل والشيخ جميعا يستجيبون لهذه النزعة ويلعبونها حسب أعمارهم وبنياتهم ومستواهم الاقتصادي والثقافي وأجمل ما في هذه الألعاب أنها غير مقيدة بهالة مقدسة. فيجوز فيها التحريف من إضافة أو حذف حسب ما تقتضيه الحالة وعادة ما تكون هذه الألعاب بأبسط أدواتها وقلة تعقيداتها ولكل لعبة دلالتها النفسية والفكرية مما يجعل لها وقع على عامة الناس و بالقدر الذي تحظى به في نفوس العامة تحظى بنفس المكانة على المستوى التاريخي والموروث الإنساني ، فهي أشبه بالحرف اليدوية والعادات والتقاليد والموروثات عند عامة الناس. وعلى مدى سنوات طوال عرف المجتمع الحساني أنواعا عديدة من الألعاب الشعبية التي تختلف في الشكل و المضمون وطريقة الأداء، تمارس من قبل الصغار والكبار على حد سواء وان كان الصغار أكثر ارتباطا بتلك الألعاب. لأنها جزء منهم ومن عالمهم ونشأتهم الاجتماعية وتمكنهم من احترام الحقوق والواجبات واكتشاف العادات الاجتماعية التي تعلم الصغار والكبار على التكيف مع عناصر البيئة والتوافق مع جميع من يتصل بهم . وتنقسم الألعاب الشعبية إلى ثلاثة أقسام ترفيهية، ذهنية، عضلية. سلسلة الحلقات التالية تسعى لتقديم ورصد بعض من أكثر الأنواع الألعاب والرياضات التقليدية المشهورة بالمغرب على أمل أن تثير اهتمام المسؤولين بالشأن الرياضي والثقافي والترابي حول أهمية توظيف هذه الألعاب كرمز للهوية الضاربة في عمق التاريخ وعنصرا للتميز الثقافي والأثنلوجي المرتبط بكل جهة على حدة. إن هذا الجرد التاريخي يفسر عمليات التوظيف وبأشكال متعددة للممارسة الرياضية. وفي نفس الوقت لا يشكل نظرة متعصبة وانسياقا وراء أفكار ترجع كل ما استقدمه الغرب بجرة قلم طائشة إلى ممارسات سبق و أن عرفتها الشعوب، إذ لاجدال في أن الممارسة الرياضية بشكلها المستحدث وقوانينها المضبوطة هي من إفراز الحضارة الغربية وبالأخص في إنجلترا، لكن الإشكال الذي يجب أن يثار هو لماذا لم تصمد العديد من الرياضات الشعبية التي كانت من إبداع هذه الشعوب؟ فباستثناء رياضة الفروسية (التبوريدا)، الجمباز التقليدي( مع حمادشة ،أولاد سيدي احماد و موسى)، وهي مرتبطة بظاهرة الاحتفال بالمواسم الدينية والالتصاق الشديد للمغاربة بهذه العادات، فإن العديد من الممارسات التقليدية قد انمحت إلى الأبد. فعندما نقوم بعملية البحث عن الممارسات التقليدية نصطدم بأنه في ظرف جد قصير قد اندثرت ولم تبق لها سوى آثار ضئيلة. وهذا ما يعكس الرغبة في إضعاف الثقافة المغربية بإضعاف إحدى واجهاتها أي الثقافة الجسدية بفعل العمل الإجتثاتي الذي مارسته ببراعة آلة الحماية. جمباز أولاد سيدي حماد أوموسى سيدي أحمد بن موسى، ومن يتبركون به ومن ثمة سميت بإسمه، وهو شيخ مشهود له بالتقوى والورع، تاريخ ميلاده، إلا أن إتباعه يؤكدون أنه توفي سنة 971 ه بتازوالت، وقد مورست هذه الرياضة في المنطقة التي تواجد بها ذلك الولي بتازروالت قرب مدينة تزنيتجنوب المغرب، ثم انتشرت في عدة مناطق من المغرب وبفضل نشاط ممارسيها، وجودة العروض التي يقدمونها، استطاعوا أن يقدموا عروضا خارج المغرب في مراة عديدة. فالعروض المقدمة من طرف هذه المجموعات ترافقها نغمات موسيقية عذبة، تزيد من حماس الممارس،هي بمثابة ايقاع يبني عليه الممارس حركاته الرياضية حتى يؤديها على الشكل المرغوب. وبذلك يكون قد أعطى في النهاية، لوحة جميلة تتناسق فيها النغمات الموسيقية بالحركات الرياضية. والعروض المقدمة، لاقتصر على لاعب واحد فقط بل تتعداه ليصل العدد في بعض الاحيان إلى عشرة ممارسين دفعة واحدة. ولازالت تمارس هذه الرياضة إلى يومنا هذا، يحث أنها تلقى إقبالا جماهيريا كبيرا، في المواسم فقط، بل حتى في الساحات العمومية والأعياد والمناسبات الغير الرسمية. والطابع الشعائري فيها يظهر بوضوح حين ينادي الممارس، عند بداية العرض، إسم الوالي للإستعانة ببركته وبحمايته ويعتقد الممارس أنه يستمد من الولي الليونة وببركته يتقن الحركات الرياضية ومن المعتقدات الشائعة أن الولي لايشمل بركته إلا سلالته ومن تتلمذ على يدها. ومن هذا الاعتقاد كان متجدرا بعمق بذاكرة المغاربة مما ساعد على احتكار هذه الرياضة من طرف سلالة الولي وإتباع طريقته، وقد كانت هذه المجموعات الرياضية تقدم عروضا في مختلف المناطق، وتجمع تبرعات المشاهدين بحيث تحتفظ بجزء منها، وتخصص جزءا آخر لصندوق الزاوية.بالإضافة إلى كون هذه المجموعات مصدرا لتمويل الزاوية كانت أيضا وسيلة للتعريف بهذه الزاوية في باقي المناطق المغربية. ومع مرور السنين عرف المغرب تطورات اجتماعية وفكرية، مما دفع المغاربة إلى وضع بعض المعتقدات محل تساؤل، فتلاشت بعض المعتقدات الرجعية واندثرت، ومن ضمنها الفكرة القائلة بأن رياضة الجمباز (أو حركة أولاد سيدي أحماد بن موسى) هي هبة من الولي لمجموعة معينة من الناس. فأقبلت مجموعة من الشباب على ممارستها، وأتقنها كل الإتقان، واحتفظت لها باسمها الأصلي، وبالزي الذي يلبسه الممارس..