سفر إيقاعي وتنوع فني وأسئلة أكاديمية عن «إفريقيا القادمة» اختتمت، يوم أمس الأحد، بمدينة الصويرة ، الدورة الثامنة عشر لمهرجان كناوة وموسيقى العالم، وقد أحيى الحفل الختامي من على بلاطو منصة مولاي الحسن، بمزج موحد منفتح على ألوان موسيقى العالم ، عميد "تكناويت" محمود غينيا، إلى جانب عازف البيانو عمري مور والطبال الجزائري كريم زياد، ويعد « غينيا معلم » الصويرة، و من الأوائل الذين صدروا موسيقى كناوة إلى العالم، بفضل الحفلات الموسيقية وأولى التسجيلات الصوتية. هذا وقد شكلت هذه الدورة من المهرجان، على غرار الدورات السابقة احتفاء حقيقيا بالموسيقى، عمل الفنانون على اقتسامه مع الجمهور، سواء بشكل انفرادي أو ضمن مجموعاتهم الأصلية أو عبر المزج من خلال برمجة دقيقة تم إعدادها من طرف مدراء فنيين موهوبين، حظيت ككل سنة برضا الجمهور المغربي والدولي، والنقاد ووسائل الإعلام. هكذا ودع المهرجان ضيوفه، بعد أربعة أيام من الاحتفاء بالتنوع الموسيقي حيث صدحت في أفق مدينة الصويرة ألحان الجاز، والإيقاعات اللاتينية، ونغمات الريغي ذات الامتداد الأفريقي والأمريكي عزفت جنبا إلى جنب مع "الهجهوج" و"القراقب" وطبول كناوة. وبعد أن أحيى كل من الموسيقي اللاتيني "صوني تروبي" القادم من جزيرة "كوادلوب" بجزر الأنتيل الصغرى، والمعلم الكناوي "عمر حياة"، ليلة الجمعة الماضي، وسط حضور جماهيري كثيف بساحة مولاي الحسن، المنصة الرئيسية لهذه التظاهرة الثقافية، اقترحت منصات المهرجان وفضاءات زاوية عيساوة وباب دكالة ودار الصويري ومنصة الشاطئ وبرج باب مراكش، باقة متنوعة من المقطوعات الموسيقية الكناوية المشحونة بالإرث الحضاري الإفريقي والأمازيغي. وبدءاً من منتصف ليلة الجمعة السبت أيضا أحيت الفنانة المغربية هندي زهرة، ثاني أكبر حفلات مهرجان كناوة وموسيقى العالم بمدينة الصويرة، وسط حضور جماهيري قدّر بالآلاف. وقدمت حصرياً لجمهور المهرجان أغنيات من ألبومها الجديد الذي صدر في شهر أبريل الماضي ويحمل عنوان "هوم لاند". وحافظت هندي في حفلها، على وفائها للغتها الأم -الأمازيغية-، مقدمة بها وباللغة الإنجليزية أيضا أغاني تجمع بين موسيقى البلوز والجاز والبوب، حيث رسخت هندي لنفسها شهرة عالمية في إجادة هذا المزج الموسيقي باللغتين، فيما تكتب بنفسها عدداً من كلمات أغانيها. وقدمت هندي زهرة ديو غنائي مع معلم كناوة الشاب مهدي ناسولي، كما بات مألوفا خلال مهرجان كناوة وموسيقى العالم، المزاوجة بين لونين غنائيين مختلفين وبين خلفيات موسيقية متعددة تحقق التبادل والتقاسم الثقافي. وعلى غرار باقي احتفاليات هذه التظاهرة الثقافية الدولية، وضعت الموسيقى الآلية والغناء والرقص، وهي ثلاثة أمور مترابطة تشكل عصب موسيقى كناوة، ليل السبت الأحد اختلافات جمهور المهرجان الدينية والحضارية جانبا، وحملتهم في سفر فني وإيقاعي كان بمثابة تخليص للجسد من آلامه وأعبائه . وقد اشتملت حفلات الدورة المنتهية من مهرجان كناوة موسيقى العالم، على سهرات إيقاعية وأمسيات وملتقيات وندوات، وحط الرحال بمناسبة هذه التظاهرة الموسيقية الدولية، الرامية إلى الدفاع عن التعايش بين مختلف الأديان والحضارات ومقاومة التعصب الأفكار المتطرفة، عشرات الفنانين والموسيقيين من مختلف مناطق العالم بمدينة الصويرة للمشاركة في هذا اللقاء الذي استقطب عددا كبيرا من الزوار من المغرب والخارج على غرار كل دوراته السابقة. وفي منتدى "نساء إفريقيا .. الإبداع والاستثمار"، الذي انطلقت فعالياته يوم الجمعة، بالتزامن مع الشق الموسيقي لمهرجان كناوة موسيقى العالم بالصويرة، اعتبرت المشاركات في هذا المنتدى أن التطور الاجتماعي والاقتصادي للقارة الإفريقية يرتبط بشكل وثيق بأوضاع المرأة الإفريقية. وأبرزت المشاركات في هذا المنتدى، الذي جمع على مدى يومين نساء تنتمين إلى أوساط السياسة والأعمال والإعلام والفنون والنقابات وحقوق الإنسان، وجود حالة من التوازي بين التباينات على مستوى العديد من الدول الإفريقية كما تعكسها المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية ودرجة تطور أوضاع المرأة بهذه المجتمعات. وأضفن أن هذه التباينات الاجتماعية والاقتصادية، التي تشمل، على الخصوص، تمدرس الفتيات وولوج النساء إلى الخدمات الطبية، تطرح إشكالية وضع تقرير موحد ومنسجم لأوضاع المرأة بالقارة التي تتطور بوتيرات مختلفة، وتعطي الانطباع بأن القضايا المتعلقة بأوضاع المرأة الإفريقية تختلف من بلد لآخر. وأجمعت المتدخلات في هذا اللقاء على أن أوضاع المرأة الإفريقية شهدت تطورا شمل مختلف دول القارة تقريبا، بما في ذلك الدول التي تعرف أنظمة اجتماعية محافظة، وأوضحن أن هذا التطور تأتى بفضل التمدن والأزمة الاقتصادية التي غيرت الأنظمة الاجتماعية ودفعت نحو تثمين العمل والمشاركة الاجتماعية للنساء. وذكرن أن المشاركة المتزايدة للنساء في النشاط الاقتصادي لم تواكب بتطور لمكانة المرأة بالمجتمع، مضيفات أن هذه المكانة تعاني من معيقات تتعلق بالإطار القانوني غير المناسب، والأنظمة العائلية والاجتماعية والقبلية التي تحد من هذا التحول، مبرزات "غياب الإرادة لدى الطبقة السياسية التي تدعو إلى تحرير المرأة من جهة دون أن تضعها في صلب استراتيجياتها". وأثار محور دور المرأة نقاشا بين مشاركات طالبن بإنشاء ظروف قمينة بانفتاح هذا الجزء الحيوي من المجتمع لتمكينه من المشاركة في تعزيز التطور الاقتصادي، ومشاركات أخريات اعتبرن أن البنية العائلية بإفريقيا حاليا تشكل كابحا لتحرير المرأة وتشكل وقودا لمختلف الأفكار التي تحد من دور المرأة بالمجتمع. كما أشارت المشاركات في هذا اللقاء إلى أن أداء المرأة الإفريقية ترسخ في عالم الإبداع كما تبرز ذلك العديد من المؤشرات المتعلقة بالإبداع الإفريقي النسوي والحضور القوي للمرأة الإفريقية وحيازتها للعديد من الجوائز القيمة المخصصة لهذا المجال. ويشكل منتدى "نساء إفريقيا .. الإبداع والاستثمار"، المنظم بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فضاء للتفكير في أوضاع المرأة الإفريقية من خلال معالجة محاور تشمل الإبداع النسوي وتطور المرأة والنساء والسياسة والعمل. على إيقاع الفكر والنقاش والعروض الفنية والموسيقية أسدلت الصويرة الستار على مهرجانها على موعد يتجدد، بتوالى عروض المهرجان على مدى الثلاثة أيام المتبقية، تصدح فيها أسماء ألمع نجوم الجاز و"كناوة"، من بينهم أمادو باجايوك، وساليف كيتا، وليزومباسدور، وباري، والطفل المعجزة مهدي ناسولي، بالإضافة إلى مجموعة "دركا" وآخرون.