إن منظمة الشبيبة الاشتراكية وهي تحضر لعقد مؤتمرها الوطني السابع خلال الأيام القليلة المقبلة، اختارت له شعار: « الشباب: رهانات التغيير و الاستقرار» ويمثل هذا الشعار خلاصة قراءة المنظمة للوضع الذي يعيشه مجتمعنا العربي عامة والمغربي على الخصوص، وما وقع من تحولات نتيجة الحراك الشبابي ، الذي إن دل على شيء فإنه يدل على أن الشباب كان وسيظل الركيزة الأساسية لبناء كل مشاريع التغيير، لما يميز الشباب عن غيره من فئات المجتمع من طموح وحيوية متجددة وتفاعلية مع المتغيرات، وعدم اليأس والاستسلام لما هو جاهز ضمن الواقع المعيش والذي بدون شك يحمل في ذاته عدة مكتسبات ايجابية تحققت بفضل النضالات والتضحيات الجسام لكل القوى الوطنية والشبابية الحية والديمقراطية ببلادنا، كما أن عدة اختلالات تبقى مطروحة بدون شك وتتطلب مزيدا من الجهود النضالية قصد تجاوزها في إطار تخليق حياتنا العامة بكل جوانبها ومستوياتها . ان هذه الخصائص والسمات السيكولوجية والسوسيولوجية التي يتميز بها الشباب جعلته يتحرك بشكل قوي في وجه الاستبداد والظلم والفساد ضمن الحراك الديمقراطي فتحقق التغيير، لكن هذا الحراك أو سموه ما شئتم، سموه هبَّات شعبية، أوانتفاضات اجتماعية، أو زلازل سياسية، أدى في بعض الأقطار إلى أسوأ أشكال الارتداد و والنكوص، فعادت الدولة القديمة أشد فتكًا مما كانت عليه وانطبق عليها ما يقوله نجيب محفوظ في روايته (ثرثرة فوق النيل) من كون «الثورة يخطط لها الدهاة وينجزها الشجعان ويغنمها الجبناء»، وعندما غنم منها الجبناء دخلت تلك الأقطار إلى دوامة المجهول وعادت بعض دول ما سمي بالربيع العربي إلى الوراء، تماماً كما لو كانت في عصور التخلف والظلام والهمجية. وإذا استعملنا لغة الفيلسوف الانكليزي طوماس هوبز يمكن القول أن بعض الأقطار المذكورة، عادت إلى حالة الطبيعة حيث غياب المؤسسات والإنسان تحول إلى ذئب لأخيه الإنسان وأصبحت الحالة هي حالة «حرب الكل ضد الكل»، إلى درجة أن الكل أصبح يمتلك السلاح الفتاك أو بالأحرى أصبح عدد قطع السلاح في تلك الأقطار يضاعف عدة مرات عدد السكان، وصارت بعض مدنها مجرد أنقاض وركام ودمر البشر والشجر والحجر وفقد الأمن والاستقرار والحياة الكريمة. إن نفس الحراك عرفه مجتمعنا المغربي مما أدى الى حصول التغيير لكن ضمن الخصوصية التي ميزته عن باقي التجارب في المحيط العربي والإقليمي، وبالتالي فان هذا الحراك شكل بحق استثناءا ملحوظا، وذلك على اعتبار أن الشباب المغربي طالب بإسقاط الفساد ولم يطالب بإسقاط النظام، لأنه لم يكن مقصيا من المشاركة الفعلية في الحياة العامة، كما سنحت له الفرص لإبراز ذاته وطاقاته الخلاقة، وإبداء آرائه والمساهمة في النقاش العمومي العلني والحر، ولم يحرم من التدخل الإيجابي في الشأن العام. لهذا عندما خرج الشباب المغربي إلى الشارع طالب بإسقاط الفساد وعيا منه بأهمية المؤسسات داخل المجتمع، وحفاظا على أمن الوطن والمواطنين من العبث والفتن فتجاوبت معه المؤسسات (الملكية، الحكومة، البرلمان، الأحزاب، النقابات، الجمعيات...) وكانت ثمرة هذا التجاوب ما تحقق من إجماع على إقرار الدستور الجديد المتقدم في مبادئه ومقتضياته والذي أسس لمرحلة سياسية جديدة في بلادنا قوامها الفصل الحقيقي للسلط و تعزيز توازنها وتعاونها، كما نص على مبادئ الديمقراطية و المواطنة والتشاركية وعلى مبدأ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، علاوة على كونه اعطى الحق لكل أطياف المجتمع على مستويات وواجهات عدة ، وكرس مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية والمناصفة وحقوق الإنسان. وغيرها من المبادئ التي تساهم في تعميق وترسيخ الأدوات والآليات المتقدمة للديمقراطية التمثيلية . إن هذا الدستور عكس في العديد من مقتضياته ، مطالب الشباب من خلال إشارته إلى آليات تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة وما يترتب عن ذلك من إسقاط للممارسات الفاسدة داخل المؤسسات الوطنية، مما جعله يلقى التجاوب من قبل هذه الفئة الشبابية الحيوية بطبيعتها ،وكذا عموم فئات المجتمع المغربي وذلك بالتصويت عليه بنعم، فانطلق بناء الاستثناء المغربي من خلال ورش إقامة المؤسسات الدستورية الجديدة، التي كرست التميز المغربي في المنطقة وتم الحفاظ على استقرار البلاد، كثمرة اساسية لزخم الحراك الديمقراطي المغربي، وبدأ مسلسل أجرأة التغيير الذي سعى اليه الجميع وما يزال مستمرا في اطار تعميق أسس بناء دولة الحق و القانون وتوازن السلط والتوازن ضمن جدلية الحقوق والواجبات ، وفي سياق الدولة الضامنة للحريات الفردية والجماعية والتعددية الثقافية، والدولة الراعية للاختلاف والتنوع، والدولة المبنية على أسس الحكم العقلاني، الذي يعني تكريس الانتقال من سلطة الأفراد إلى سلطة المؤسسات ومن سلطة الزبونية والمحسوبية إلى سلطة القانون الذي يتساوى أمام هيبته الجميع لا يفرق في اطاره بين وزير وبرلماني ومعطل وعامل بسيط . إن هذا الورش، ورش بناء دولة المؤسسات المبنية على الاسس العقلانية يسعى الى التغيير الفعلي الكامل والتحول الشامل للمجتمع والذي بدأت معالمه في بلادنا ، لكنه يسير ببطء مما يحتم علينا العمل على تسريعه، لينعكس اقتصاديا على كل فئات المجتمع، كما علينا أيضا أن نتيقظ لنحميه من كل المنزلقات أو الانحرافات او النزوعات نحو المغامرة البعيدة عن نهجنا ومواقفنا والتي يمكن أن تجعله يزيغ عن مساره القويم والصحيح، وعلاوة على ذلك علينا كشباب باعتبارنا فئة حيوية تنهض بالقوة الحقيقية للتغيير في المجتمع، أن نعمل في اطار جدلية الوفاء والتجديد، المقرونة بكامل المسؤولية والثقة في المستقبل ان نعمل يدا في يد مع كل القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها حزب التقدم والاشتراكية وأيضا مع كل النسيج الشبابي والجمعوي ومنظمات المجتمع المدني الجاد ببلادنا لكي تنعكس هذه الإصلاحات السياسية إيجابيا على اقتصادنا الوطني من اجل تحقيق النماء الذي ننشده وترسيخ الديمقراطية كثقافة وكفكر داخل مجتمعنا، بدل اقتصارها على مجرد نصوص وتشريعات، لان التغيير الحقيقي هوالذي يطال الظاهر والباطن. وباعتبار الشباب قوة حقيقية للتغيير وعماد هذا الوطن ومستقبله الواعد ونظرا لكونه يشكل الفئة الأكبر عددا بين فئات المجتمع والثروة الحقيقية ، وجب ايلاؤه عناية خاصة وجعله في صلب كل المشاريع والمخططات الاستراتيجية للبلاد مما سيساهم في انجاح مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي يشكل الاطار الذي تشتغل عليه منظمة الشبيبة الاشتراكية كما يعتبر الضمانة الحقيقية لربح رهانات التغيير والاستقرار كشعار اختارته لعقد مؤتمرها الوطني السابع الذي سنعمل جميعا على انجاحه ، لان نجاحه هو نجاح لرهانات الشباب المغربي في التغيير الحقيقي المسؤول والايجابي ، ولبنة اساسية في مواصلة خدمة المصلحة العليا لوطننا وشعبنا. * عضو المكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية