الكتابة ممكن شعري يختار أكثر من دال في مختبر مفتوح على المجهول والعبور في إطار فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته العشرين شهدت قاعة محمد العيادي مساء الأحد الماضي، حفل تقديم كتاب تحت عنوان «شعرية محمد بنيس: الذاتية والكتابة» للكاتب عز الدين الشنتوف» وأثت فضاء هذا الحفل كل من عبد الجليل ناظم وعز الدين الشنتوف كاتب ومؤلف الشعرية. المؤلف صدر عن منشورات دار توبقال طبعة 2014، ينتمي إلى سلسلة المعرفة، ويحوي في طياته 456 صفحة، قسمت إلى خمس فصول خصص فصلها الأول والثاني للقسم النظري، وباقي الفصول حلل وفصل فيها كيفة الممارسة النصية، والكتاب في الأصل أطروحة قدمها عز الدين الشنتوف حول « الذاتية و الكتابة « تحت إشراف كل من عبد الجليل ناظم والشاعر محمد بنيس. وفي كلمة تقديمية، قال عبد الجليل ناظم عضو في لجنة نقاش هذه الأطروحة الشعرية « إن هذه أول دراسة تخصص لشاعرنا ومبدعنا محمد بنيس الّذي أثث المشهد الثقافي بالمغرب منذ فترة السبعينيات وبقي خادما للشعر إبداعا وتنظيرا «. و اعتبر ناظم، أن «هذه الشعرية تتمحور حول ثلاثة أبعاد مختلفة البعد النظري، البعد الإبداعي والبعد التربوي المعرفي، ومن أبرز تيماتها الاستمرارية، العمق والإنفتاح، كما أكد أن هاته الشعرية ترتبط بإشكال الممارسة النصية النظرية التي لا تنغلق ولا تفقد جذورها في مرحلة الإنفتاح، ومنهج الحوار المستمر العميق بين ماهو نظري وإبداعي في تناوله للقضايا على طول الكتاب، ويمثل متن الشاعر محمد بنيس شعر الذاتية بامتياز، لأنه متن متعدد النصوص والأبنية من جهة ولأنه ما زال يتحقق بالممارسة في الزمن، وما دمنا بصدد فريضة الذاتية والبناء فإن مختلف دواوين هذا الشاعر تتميز بإعادة الكتابة كسمة بنائية خاصة، تفرد بها بنيس في المشهد الشعري المعاصر، وهو ما يدل على صيرورة النص، وحياته في تغيراتها وتشكيلاتها المستمرة، كما أنه يضمن الذاتية في عديد القصائد بناء، وتعتبر الكتابة ممكنا شعريا، إذ يختار هذا الممكن أكثر من دال في مختبر مفتوح على المجهول والعبور. من هنا يمكن القول إن الذاتية في شعر بنيس تتشكل أثناء البناء من خلال أقوى عنصر هو مادية الكتابة، ومع هذا العنصر نرى اشتغال الدوال مع بعضها وهي تنشئ دلالية النص بلانهائية الكتابة نفسها، حيث تصدمنا أهوال ومنعرجات في البناء على مستوى « اللغة، الصفحة، البياض، لعبة العين، التركيب وغيرها من العناصر البانية للخطاب و تفتح أمامنا الذاتية أفقا معرفيا بالشعر وفي الشعر، إذ تنهدم أوضاع وتنبني أخرى في مستمر الإيقاع، وبهذا الأفق المعرفي تكون عملية البحث عن قوانين البناء النصي، في أعماله الشعرية، خارج اليقينيات و المتعاليات المسبقة». وأضاف قائلا،» إن لمن الصعب الدخول إلى عالم محمد بنيس دون معاناة، فعز الدين الشنتوف داوم على دراسة شخصية محمد بنيس، وهاته الشعرية مجهود سنوات وسنوات متتالية من الدراسة «، فالغاية من وراء هذه الشعرية هو القراءة والكشف عن الممارسة النصية عند محمد بنيس وأهم وظائف خطابه النقدي، وأكد أن مفهوم الكتاب هو مجال معرفي واسع تنخرط فيه الذات، اللغة والمجتمع، وشدد على اللغة التي تعطي للنص الأدبي إيقاعه العام. وفي سياق آخر، تقدم بالكلمة الكاتب عز الدين الشنتوف الذي أكد أن هذه الشعرية أخذت من حياته عشر سنوات في الجهد والعمل المضني، تحت إشراف كل من عبد الجليل ناظم ومحمد بنيس، تعالج عديد القضايا المنهجية والنظرية المتعلقة بالذاتية والكتابة، ففي هذه الشعرية تحضر بقوة الفلسفة والأنطربولوجيا وعلم الحفريات، وأقصى الثنائيات في أطروحته واعتمد على عملية الملاءمة أي نقل مفهوم الشعرية من الفلسفة الظاهراتية إلى الشعرية الحديثة وجمع بين مكوني الذاتية و البناء، وأضاف « أننا بصدد إعداد جزء ثاني لهذه الشعرية و يتمحور حول مادية الكتابة عند محمد بنيس أي دينامية الجسد وتمثلاته الكبرى الإنصات، الذوق، اللسان واللغة عكس الجزء الأول الذي اهتم بالخطاب «. وفي ختام هذا الحفل، أشاد بكل الجهود التي كان يقوم بها محمد بنيس باستمرارية ودون سكونية في إصداره للدواوين والأشعار، وتمثل كتابات الشاعر محمد بنيس، في الشعر كما في التنظير للشعر، عملا متكاملا ومتعدد الاتجاهات. فهذه الكتابات تنخرط في حركة التحديث العربي، التي جددت القصيدة، منذ السبعينيات من القرن الماضين، مثلما قادت تنظير الشعر إلى أسئلة و فتحت نوافذ لم تكن تتمتع بما أصبح لها من سعة في التفكير، وفي تناول زوايا كثيرا ما كانت مختفية أو مسكوت عنها، و من هذا، فالنظر إلى كتابات الشاعر محمد بنيس بما هي خطوة تتفرد بخصائص تبقى لصيقة بتجربته الشعرية والتنظيرية، مع ما صاحب ذلك من حركية ومن انتقالات، هي من طبيعة كل تجربة حديثة في عالمنا، ولكنها في الوقت ذاته، كتابات سعت، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، إلى تعميق الاتصال بالعالم والإنصات، بمسؤولية وجدارة، إلى ما يشغل القصيدة وما كان العالم يقبل عليه في الوقائع والأفكار. صحافي متدرب