ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاضرة المحيط تتحدث عن نفسها "الاخيرة:
نشر في بيان اليوم يوم 11 - 08 - 2013

مدينة آسفي.... تاريخ وحضارة... وهوية متعددة الأعراق
اختلف المؤرخون في تاريخها، كما تم الاختلاف في أصل تسميتها، وبين كل خلاف أو اختلاف، كان لابد من إعادة رسم المشاهد والصور والوقائع التاريخية .. مدينة تحمل أكثر من اسم، وتنتسب لأكثر جهة .. لكنها تظل شاهدة على كل ذلك الاختلاف بالكثير من الإصرار على مواجهة المستقبل .. فمن هنا مر الفنيقيون والكنعانيون والبربر والبرغواطيون واليهود والفاتحون المسلمون والبرتغاليون والإنجليز والإسبانيون والمورسكيون والفرنسيون، جميعهم مروا من مدينة وديعة تنام على ضفاف الأطلسي، بينما بقيت آسفي شاهدة على زخم تاريخي يمتد إلى بدايات البدايات، دليلنا في ذلك أن التأريخ لهذه المدينة ينطلق من مرحلة ليس لها امتداد كما باقي الحواضر والمدن، فكان لزاما علينا أن نعود لما وراء الكتابات التاريخية، إلى حيث تم الاتفاق رغم روح الخلاف، إلى آسفي الأصل.
والأصل منارة ووادي ومنحدر وبحر. وحين يجتمع البحر بالوادي والمنارة، تكون ولادة آسفي التي سماها ابن خلدون «حاضرة المحيط». من أجلها سنكتب تأريخا بسيطا يعتمد أمهات الكتب رغم قلتها، وبحوث المؤرخين الجدد رغم اختلافها، والرواية الشفهية رغم تضاربها.
لكننا حتما لن نذهب أبعد من كل ذلك، لتبقى آسفي تحمل لغز البداية، من بداية الحكاية، والحكاية رواية بين بدايتها. والنهاية ألف سؤال.
آسفي .. حكم الدولة السعدية والدولة العلوية الشريفة
كان لزاما علينا بعد أن انتقلنا مباشرة من الحديث عن مدينة آسفي وهي تنعم بالفتح الإسلامي، تم وهي تحت نفوذ الأدارسة، والفترة التي رزحت تحت حكم البورغواطيون، تم وهي تحت حكم المرابطون، وبعدها تحت حكم الموحدين، كما تحدثنا عنها وهي تحت حكم المرينيين، وكنا توقفنا للحديث عن الاحتلال البرتغالي والبصمات التي خلفها اليهود في تاريخ المدينة، تم تحدثنا عن التصوف والزوايا ورباط الشيخ وموكب الحجيج الذي يُعتبر أهم ما تميز به الشيخ أبو محمد صالح وطريقته الصوفية التي جعلت آسفي منارة علمية ودينية في كل أرض الإسلام.
كان لزاما علينا بعد ذلك التوقف، أن نعود للسلالات التي حكمت المغرب وحكمت آسفي من أجل ربط الماضي بالحاضر، ولربط كل ذلك، سنعود قليلا للوراء، إلى الفترة الأخيرة من الاحتلال البرتغالي واشتداد الحركات الجهادية ضد الوجود البرتغالي بكل الثغور المحتلة ومنها آسفي، فكان أن بدأ تضييق الخناق على البرتغاليين بكل المدن المُحتلة، ومنه حصار الملك السعدي أحمد الأعرج لآسفي، وهنا جاء الدور للحديث عن الدولة السعدية التي نزح أجدادها من الحجاز نحو منطقة واد درعة، حيث بدأ يتقوى دورها ونفوذها، خصوصا بالجنوب المغربي الذين كان انطلاقتهم نحو الجهاد، والبداية بتحرير مدينة آكدير سنة 1541 م، ومنها انطلق الزحف نحو الثغور والمُستعمرات البرتغالية الأخرى، وهو الأمر الذي أشعر البرتغاليين بقرب نهايتهم ونهاية استعمارهم للعديد من المدن والموانئ والنقط الإستراتيجية، فكان الجلاء عن مدينة آسفي بين سنة 1541 و1542 م، وكان الخراب مرة ثانية بعد ذلك الذي أحدثه البورغواطيون، خراب لازالت كتب التاريخ تذكره وتتحدث عنه، خصوصا بالطريقة الهمجية والوحشية التي تم بها تدمير الرموز الدينية للمدينة من مساجد وزوايا ومعالم تاريخية وإهانات وإذلال للمسلمين لازال جزء منها يحكيه الأجداد لأبنائهم بالكثير من الرهبة والخوف.
المهم أن ذلك الجهاد الذي كان من أهم الشعارات التي رفعه السعديون، لم يأتِ من فراغ، بل كان سنده طريقة صوفية جهادية بأرض سوس،انبثقت عن الطريقة الجزولية التي تنتسب للشيخ محمد بن سليمان الجزولي دفين مدينة مراكش، وهي الطريقة التي تحولت مع مرور الأيام إلى طريقة توحيدية لكل حركات الجهاد بالمغرب، وعليها نشأت حركة سياسية كانت هي البداية لولادة الدولة السعدية، وكانت بدايتها بمبايعة السلطان محمد القائم بأمر الله، وقد تم ذلك سنتين بعد احتلال آسفي من البرتغاليين، وكان ذلك التزامن كفيلا بأن يحمل كل سلاطين الدولة السعدية هَمَّ تحرير الثغور والمدن المحتلة، انطلاقا من السلطان أبو العباس أحمد الأعرج الذي ورغم استشهاد ابنه عبد الكريم في معركته الأولى ضد البرتغاليين وعملائهم بآسفي، انتصر في المعركة الثانية حتى قيل بأن ما تقدم له لم يتقدم لغيره، ومن هناك كانت بداية جهاد السعديين لتوحيد المغرب، مرحلة دامت 40 سنة، تم خلالها توحيد معظم المغرب وتحرير عدد من قواعد البرتغاليين بالشواطئ الأطلسية، خصوصا في عهد السلطان محمد الشيخ المهدي السعدي الذي كان جلاء البرتغاليين من ثغور آسفي آزمور على يديه، وهو نفسه السلطان الذي أصلح أحوال مدينة آسفي بعد تخريبها من البرتغاليين، حيث تؤكد كتب التاريخ بأنها ظلت كذلك لمدة 12 سنة، فكان أن أعاد إليه أهلها الذين هجروها قبل وأثناء وبعد الاحتلال البرتغالي، وهو من أسس بها القصبة العليا والمسجد الكبير، كما رمم الأسوار وانطلقت نهضة حمرانية جديدة وعادت آسفي ومينائها للتوهج بعد فترة سوداء.
وعاشت آسفي فترة جديدة من الإزدهار بعد رجوع الروح لمرساه التي حولها السلطان السعدي لميناء تصدير السكر الذي أُشأت معامله بمنطقة شيشاوة، كما أصبحت آسفي وميناءها قبلة للبواخر المحملة بالثياب والمَلْف والساعات والعطور، خصوصا من بريطانيا التي بدأت تتعرف على الميناء وأهميته الإستراتيجية، فكانت تستورد السكر والذهب والجلود والثمر والشمع واللوز وريش النعام، وتطور الأمر إلى تأسيس أول شركة بريطانية مغربية تحمل اسم الشركة «البربرية Barbary Company» وهي الشركة التي لم تُعَمِّر طويلا بسبب منافسة اليهود الذين كانوا لا يزالون يحتكرون مقاليد تسيير الاقتصاد بالمدينة، وكل ذلك الصراع التجاري ساهم في تقوية الدولة ورِفعة مدينة آسفي، فكان أن خص السلاطين السعديون أهل آسفي بمكانة متميزة، ومعه خصوا أبناء وحفدة الشيخ أبو محمد صالح وزاويته مدخولا رسميا مع كل التقدير والاحترام ومعه منحوها أراضي شاسعة وأملاكا عقارية وخصوها باحتكار زكوات وأعشار الحارثين ببلاده التابعة لرباط آسفي كما ذكر ذلك الأستاذ أحمد بوشرب في كتابه «دكالة والإستعمار البرتغالي إلى إخلاء آسفي وآزمور».
ومع التوهج والتطور، أصبحت آسفي مدينة للقناصلة ومبعوثي الدول الكبرى، حتى أطلق على مرساها «الميناء الديبلوماسي» للدولة السعدية، وانطلق اهتمام الإنجليز به، وتم به فتح أهم مركز جمركي لجباية الضرائب، تم إنشاءه بطريقة إدارية أكثر احترافية وإتقانا من باقي المراكز الجمركية الأخرى، ومع الإنجليز تسابقت دول أخرى إلى كسب جانب السلطة المركزية، من أجل مكانة آسفي التجارية والاستفادة من رواج مينائها، الذي كان هو الميناء الرئيس للدولة السعدية
ولأن لكل بداية نهاية، فإن أوج الدولة السعدية سيتحول إلى أفول وتدهور وتقهقر وانكماش، خصوصا بعد وفاة السلطان أحمد المنصور السعدي، ليتواصل ذلك مع السلطان المولى زيدان الذي استنجد بآسفي حين تم طرده من مراكش من طرف يحيى زكرياء الحاحي وقيل أن اسمه الفقيه بن أبي محلى، إلى أن وصل الحكم إلى يد السلطان أبو العباس أحمد بن محمد الشيخ، الذي خرج عليه أخواله من عرب «الشبانات» وقتلوه غيلة سنة 1070 هجرية، فكان هو آخر السلاطين السعديين وبذلك يكون انقراض الدولة السعدية وبداية عهد الدولة العلوية الشريفة.
بداية الدولة العلوية الشريفة كانت مطلع القرن 11 هجرية، بعد أن تشتت أوصال الوطن، فكانت واحات تافيلالت نقطة الانطلاق لحركة سياسية تدعوا للجهاد وتوحيد أوصال الوطن وهم الشرفاء المنتسبون إلى الحسن السبط عن طريق القاسم بن محمد النفس الزكية الذي ينتهي نسبه إلى الرسول الكريم «صلعم»، فكان أن تربعوا على عرش الدولة المغربية في فترة حساسة كان فيها المغرب في حاجة إلى من يُعيد للدولة هيبتها وقوتها ووحدتها، وتلك مرحلة أخرى من مراحل تاريخ آسفي بدايته مبايعة أهلها للمولى رشيد وبعده بايعوا المولى إسماعيل الذي أظهر لأهلها العناية الكريمة وأمر ببناء مدرسة علمية قرب المسجد الأعظم، وهي نفسها الذي تم تجديدها من طرف السلطان سيدي محمد بن عبد الله، وكانت الإنطلاقة مع السلاطين العلويين الذين أولوا لمدينة آسفي وأهلها اهتماما وعطفا وتقديرا وتمكينا لأبناءها، لدرجة أن المولى إسماعيل اتخذ له أحد أكبر حُجَّابه من مدينة آسفي «أحمد بن حدو العطار»، والذي تم تعيينه بعد ذلك سفيرا للدولة العلوية بإنجلترا، والذي يُعتبر مهندس اتفاقية السلام والتجارة بين الدولة العلوية والإمبراطورية البريطانية العظمى، ولعل لمدينة آسفي دور كبير في تثبيت دعائم الدولة العلوي، خصوصا بعد أن عاش المغرب بعد وفاة المولى إسماعيل ومعه تم تقسيم المغرب إلى عدة ممالك، في هذه الفترة الحالكة ستقوم آسفي وأهلها وكبارها بدور المنقذ الباحث عن رمز لتوحيد الوطن، فكان الاتفاق على مبايعة عبد الله بن إسماعيل سنة 1728م من طرف جملة من القواد، يتقدمهم القائد عبد الرحمان بن ناصر العبدي، الذي كان عاملا على منطقة تادلة، وبعد مبايعة السلطان عبد الله بن إسماعيل، عينه هذا الأخير عاملا على آسفي، وهي الصفة التي خولته أن يساهم في تأسيس أول نواة لجيش الدولة العلوية بمشاركة ألف فارس دعما للسلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي اتخذ آسفي عاصمة له فرارا من قبائل الرحامنة، وهنا يقول المؤرخون عن هذه الفترة: «ولما اطمأنت به الدار بآسفي، سرح لِوَسْقِ التجار بالمرسى، فأقبلت عليه المراكب من سائر الأقطار بأنواع السلع، فتكاثرت الخيرات ونمت البركات وصارت آسفي من أعظم الثغور التي لها بال»، بل إن كتب التاريخ تذكر بأن مدينة آسفي كانت ملجأ كل سلطان أو أمير شعر بالضيق أو ثورة من السكان، حيث نجد أن السلطان أحمد بن عبد الله بن إسماعيل التجأ هو الآخر إلى أخيه سيدي محمد بن عبد الله بآسفي حين ثارت عليه ساكنة الرباط وسلا.
آسفي .. الدولة العلوية الشريفة ومِسْكُ الختام
المهم أن مدينة آسفي كانت تعيش العز والتوهج مع قوة الدولة المركزية وعظمتها، وكانت تعيش التقهقر والركود السياسي والتجاري حين يَضعف الحكم المركزي، بسبب مجموعة من العوامل، منها صراع الأمراء على السلطة، وتقسيم المغرب في كثير من المراحل التاريخية للدولة العلوية إلى دولتين، كما وقع حين تم تقسيم المغرب إلى دولة شمالية وجنوبية يفصل بينهما وادي أم الربيع، وبالتالي لو حاولنا الحديث عن آسفي والدولة العلوية لاحتجنا لحلقات وحلقات، لأنه تاريخ حافل، بين التوهج وبين الانحسار، بين العظمة والضعف والضمور ، لكن مع ذلك يمكنُ القول أننا ومن خلال محاولة قراءة تاريخية لآسفي طيلة الحكم العلوي الشريف، وقفنا أمام فترات زاهرة ومتوهجة، اللَّهم مراحل متقطعة عاشتها في ركود وتدهور، تم عادت لتوهجها مع سلاطين يسبقهم شرفهم وعدلهم وقدرتهم على توحيد كلمة المغاربة، تاريخ مدينة ودولة شريفة تبوأت آسفي ومرساها وأهلها مكانة متميزة منذ البداية، والبداية لن نخوض فيها إلا مع السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي لازال قصر الباهية بدار السلطان عنوانا لفترة مزدهرة من حكمه، وكذا «السقالة» التي لازال أبناء المدينة يتحسرون على هدمها في فترة الثمانينات، ومع وفاته وفترة ازدهار آسفي التي عاشتها آسفي معه، ستعود للتدهور بعد حدوث فتنة بين أبناءه، «المولى اليزيد والمولى هشام»، ليزداد الأمر سوءً بعد وفاة المولى اليزيد وتمرد القبائل على أخيهما المولى سليمان، لتظهر شخصية القائد عبد الرحمان بناصر العبدي مرة أخرى في مجموعة من المحطات التاريخية الخاصة بآسفي في ظل الحكم العلوي الشريف، الذي لعب دورا كبيرا في جعل آسفي ضمن تاريخ دولة إسلامية سيكون لها شأن كبير إلى اليوم، شخصية محورية لعبت دورا في استمالة القبائل لصالح هذا الملك ضد آخر، انتهت بانحيازه وقبيلتي «عبدة واحمر» وكل آسفي للسلطان مولاي سليمان، وبالتالي كان ذلك دافعا أساسيا لاستتباب الأمن وتوحيد المغرب من شماله إلى جنوبه، هذه الشخصية التي كتبت عنها كتب التاريخ واعتبروها جزء من ترسيخ حكم الدولة العلوية بكل المغرب، ولعلنا حين نتصفح كتاب «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» أو «تاريخ الضعيف» للمؤرخ محمد الضعيف الرباطي، سنتوقف أمام رجل ينتمي لأسرة عريقة تمتلك من الوجاهة والنفوذ والكلمة المسموعة، وهي صفات ورثها رجل كريم معطاء ورجل سياسة كبير كما يتم وصفه في الكثير من البحوث التاريخية، عايش ملوكا في بدايتهم، ناصر أقواهم بدعم من قبائل كانت تعتبره ممثلهم لدى الدولة المركزية، وحرض الناس على ملوك آخرين، استضاف ملوكا بالمدينة وببيته، وهو ما جعله أعظم شأنا لدى العامة والخاصة على حد سواء، خلف مجموعة من المآثر التي يمكن تصنيفها أنها تراث علوي شريف، وفي نفس الوقت يمكن أن ننسبها للقائد عبد الرحمان بناصر العبدي الجرموني قائد «عبدة والحوز»، وبالتالي لا يمكننا أن نفصل تاريخ هذا الرجل عن بدايات الدولة العلوية الشريفة ومدينة آسفي.
لتتوالى الأحداث وتكون آسفي حاضرة في كل مراحل بناء وتوطيد حكم الدولة العلوية، من خلال مجموعة من المحطات، ستصِلُ بنا إلى القرن 19، حين سيزداد الاهتمام الأوروبي بآسفي، خصوصا الإنجليز، الذين أبرموا معاهدات تجارية مع السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام، وازدادت أعداد جاليتهم بالمدينة، ومعه رجعت تسمية المحميين من طرف الإنجليز وباقي القناصلة الأوروبيين الذين استوطنوا آسفي، وهي عملية ساهمت بشكل أو بآخر في الدفع بدول أوروبية للتدخل في شؤون المدينة والمغرب، ومنها فرنسا التي أصبح لها دور كبير بعد معاهدة 1863م، والتي تُعرف بمعاهدة الحماية الشخصية، معاهدة ستُضعفُ المغرب، لأنها ستحرمه من موارد جمركية مهمة، وستسحب سلطة المخزن على الأجانب والمغاربة المستفيدين من تلك الحماية، لتعيش آسفي ومعها المغرب مرحلة من الضعف رغم محاولات المولى الحسن الأول، الذي حاول القيام بإصلاحات لإخراج المغرب من ورطة الحماية الشخصية، والتي رفضها أهل الطرق الصوفية، وتتوالى المحطات التاريخية من مَلِكٍ إلى آخر، ومعه ستظهر شخصية أخرى سيكون لها دور في كتابة تاريخ الدولة العلوية الشريفة بآسفي والمنطقة، إنه القائد عيسى بن عمر العبدي، الذي سيصل إلى مناصب كبيرة منها قيادة قبائل عبدة والعامر والربيع، تم قائدا ممتازا يُشرف على قواد دكالة احمر والشياضمة، لدرجة أنه كثيرا ما وُصف بأمير على الجنوب، وهو أمر كان يردده السلطان مولاي عبد العزيز الذي كان يعتبر السي عيسى وعائلته إحدى الدعامات الأكثر صلابة في الجزء الجنوبي من بلاد المخزن، شخصية ستُعايش أشهر حاجب السلاطين العلويين، الحاجب «ابَّا احماد» وستستفيد منه في وصولها إلى أعلى مناصب المسؤولية، لكن نفس الشخصية سينقلب عليها الحال بعد وفاة الرجل القوي، سيدخل السجن وتُصادر ممتلكاته ونفوذه وحظوته، لكنه سيعود أقوى بعد مشاركته السلطان العلوي في حربه على الجيلالي الروكي المُلقب ب «بوحمارة»، ليتوالى الصعود مرة أخرى إلى أصبح في عهد المولى حفيظ يُلقب بقائد الواد أو «قايد القُيَّاد» تم وزيرا للشؤون الخارجية أو وزير ما وراء البحار وبعده وزير الشكايات التي تشبه وزير الداخلية في عهدنا، وهو أمر سهل له في توطيد علاقاته مع فرنسا التي منحته حماية غير مباشرة، خوفا من انقلاب الحال كما وقع له في السابق، وهو ما كان بعد أن تم إعفاءه في وقت من الأوقات من مهامه، حيث سيعينه المولى عبد الحفيظ على مضض قائدا على عبدة واحمر، رجل وشخصية ستحكي عنه كتب التاريخ طويلا، وتُروى حوله أساطير وحكايات سينتهي به المصير في إقامة إجبارية بمدينة سلا بعد أن تقلصت نفوذ قيادته إلى أن أصبحت محددة في قيادة «ثمرة»، وهناك ستنتهي حياته، لكن أساطير وحكايات وكتبات الباحثين والمؤرخين لم تنتهي، ليتبين أننا لم نكن لنذكر حكم الدولة العلوية دون ذكر هاته الشخصية التي يتهمها الكثيرون بأنها ساندت الحماية الفرنسية بشكل ساهم في الإحتلال الفرنسي، الذي حول آسفي إلى مدينة للمقاومة والنضال ضد الإحتلال، بدليل أن المارشال «ليوطي» كان يقول في حديثه عن «السي عيسى» بأن يده كانت من الأيدي الأولى التي مُدَّتْ لفرنسا بالمغرب.
وباقي الحكاية ترويها كتب التاريخ، عن الإحتلال والمقاومة والأدوار التي لعبتها آسفي ورجالاتها في تحرير المغرب، يكفي أن نذكر أن المدينة قدمت ثلاث موقعين على وثيقة الإستقلال هم محمد البعمراني الفقيه عبد السلام المستاري و امحمد بلخضير، ومعه قدمت أسماء شهداء لمقاومون ومناضلين وفدائيين لا زالت كتب التاريخ تتحدث عنهم وعن بطولاتهم من أجل استقلال الوطن وعودة الملك الشرعي العلوي الشريف، لينعم المغرب باستقلاله، ومعه ستعرف آسفي فترات من المجد والإزدهار تم النسيان والإهمال، وهي اليوم وفي عهد الملكي العلوي الشريف سيدي محمد السادس تعرف مسارا متوهجا من النماء والتطور والأمل، وبالأمل تنعم آسفي ومنذ بداية الدولة العلوية الشريفة مسلسلا من التطور والمراحل يتحدث وسيتحدث عندها التاريخ، لنتوقف مع الحاضر، ومع أماني المستقبل الذي يبنيه المغاربة ومنهم أبناء المدينة ممن سيتحدث عنهم التاريخ في مختلف المجالات.
على سبيل الختم
هي كتابة تاريخية بسيطة، اعتمدت كما كتبت في المقدمة بأنها اعتمدت أمهات الكتب رغم قلتها، وبحوث المؤرخين الجدد رغم اختلافها، والرواية الشفهية رغم تضاربها، اجتهدنا، فإن أصبنا فإن لنا أجر المجتهدين، وإن أخطأنا فعذرنا أننا حاولنا، دافعنا في ذلك أن ننشر كتابة تاريخية لمدينة نعشقها حتى النخاع، حتى نؤكد لمن ينكر على آسفي قيمتها وحقيقتها وقِدَمها وعراقتها وقوة أبناءها ومكانتهم، ربما نكون قفزنا على محطات، وربما نكون قدمنا محطات على أخرى، المهم أننا حاولنا السير على نفس الترتيب التاريخي والعودة إليه في كل مرة، وهنا لابد من كلمة شكر للأساتذة الباحثين للأصدقاء والزملاء، لكل من أمدني بمرجع أو مُؤَلَّف أو كتاب أو نصيحة أو تصويب، شكرا لهم لأن ذلك زادنا إصرارا على مواصلة النبش في تاريخ مدينة تحتاج لآلاف الحلقات، فهناك الكثير ممن يستحق النبش والتحقيق، كما أود الإعتذار إن كان هناك خطأ في الكتابة أو في ذكر الأسماء والمصادر، والشكر لمن ساندنا طيلة هذه الحلقات، لجريدة بيان اليوم، التي فتحت لنا الطريق لإنارة تاريخ آسفي في شهر مبارك كريم، ومعه عيد مبارك سعيد لكل من تابعنا طيلة هذا الشهر الفضيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.