ماذا جرى خلال اليوم الأخير في حكم مبارك؟ هل حدثت صفقة بين المجلس العسكري والإخوان؟ ما القصة الحقيقية وراء قرار الرئيس المصري محمد مرسي بإقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان؟ ماذا عن مستقبل علاقة الجيش بالإخوان؟ أسئلة عديدة يجيب عنها مصطفى بكري في كتابه الجديد «الجيش والإخوان: أسرار خلف الستار». كشفت صحيفة «وورلد تريبيون» الأميركية أن الإخوان ينتشرون «بسرعة» داخل الجيش المصري وهم يخطّطون للوصول إلى «القيادة» لأنهم متأكّدون من الدور الهام للقوات المسلّحة في إدارة البلاد. وحذر اللواء المتقاعد طلعت مسلم من خطر اختراق الإخوان لصفوف الجيش المصري. وأكد على ذلك اللواء المتقاعد سامح سيف اليزل الذي أكد أن ذلك قد يغير الجيش الوطني وعقيدته والذي يعتبر من أكثر مؤسسات الدولة مصداقية. يؤيده في ذلك الكاتب السياسي وعضو البرلمان السابق مصطفى بكري الذي أكد أن «أغلب قوى المجتمع المصري اكتشفت تناقضات تصريحات الرئيس محمد مرسي، وهي تعي خطورة العملية القائمة الآن لتفكيك الدولة المصرية لصالح الأخونة، غير أن الجيش المصري ما زال حاميا للدولة الوطنية». وكان بكري أصدر مؤخرا كتابا حمل عنوان «الجيش والإخوان: أسرار خلف الستار» وفيه يسجل ما يقول إنه حقائق عن دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم الرئيس حسني مبارك أوائل عام 2011 نافيا حدوث انقلاب عسكري. ولا يستبعد بكري الذي يقول في الكتاب إنه كان يقوم بمهمة مستشار للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في الفترة الانتقالية قبل تولي الرئيس محمد مرسي السلطة في نهاية يونيو 2012، حدوث صدام بين مؤسستي الجيش والرئاسة في ظل ما يراه صراعا بينهما. ويقول إن ما حدث مساء 11 فبراير 2011 الذي ترك فيه مبارك السلطة لم يكن انقلابا عسكريا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة شؤون البلاد حتى تسليم السلطة في 30 يونيو ولكنه «قرار توافقي» بين مبارك وقادة سياسيين وعسكريين لتجنيب البلاد سيناريو الفوضى. ويضيف بكري أنه قبل إذاعة بيان تخلي مبارك عن الحكم اتفق من وصفهم بالأربعة الكبار: عمر سليمان: نائب رئيس الجمهورية، والمشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأحمد شفيق رئيس الوزراء وسامي عنان، رئيس الأركان، على تشكيل مجلس رئاسي مدني «كهيئة تنفيذية إلى جانب المجلس العسكري» الذي كلفه مبارك بإدارة شؤون البلاد. وطالبت قوى سياسية في ميدان التحرير بؤرة الانتفاضة التي استمرت من 25 يناير حتى 11 فبراير بإنهاء حكم مبارك وتسليم السلطة إلى مجلس رئاسي مدني يضم شخصية عسكرية ويتولى إدارة الفترة الانتقالية التي تتضمن تشكيل لجنة تأسيسية لكتابة الدستور قبل إجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية. و لكن بكري يقول إن «الأربعة الكبار» اقترحوا أن يكون المجلس الرئاسي هيئة تنفيذية مساعدة للمجلس العسكري في تولى الحكم. هذا الاتفاق جرى قبل إذاعة بيان تخلي مبارك على الحكم ويقوم على تشكيل المجلس من طنطاوي وسليمان وشفيق كما تم اقتراح ضم السياسي البارز محمد البرادعي ممثلا للتيارات الليبرالية إلى جانب ممثل «لم يقترح اسمه» لجماعة الإخوان المسلمين. وقال إنهم اقترحوا مساء اليوم نفسه ضم رئيس البنك المركزي حينئذ فاروق العقدة ووزير العدل بدلا من البرادعي وممثل الإخوان ولكنهم لم يتوصلوا إلى موقف موحد وتواعدوا على الاجتماع في صباح اليوم التالي لمناقشة الفكرة مع المجلس العسكري. ويسجل الكاتب أن اتصالا جرى مع سليمان وشفيق لتأجيل الموعد « ثم تم صرف النظر عن الفكرة نهائيا... كان المشير طنطاوي يتخوف من أن يثير تشكيل هذا المجلس ردود فعل غاضبة في الشارع... وسيكون مثار خلاف بين القوى السياسية المختلفة. فقرر التراجع عن الفكرة» مع الإبقاء على شفيق رئيسا للوزراء. انقلاب عسكري الكتاب الذي أصدرته «الدار المصرية اللبنانية» في القاهرة، يقول مؤلفه إنه ثمرة عشرات المقابلات التي أجراها مع المشير حمد حسين طنطاوي ونائبه سامي عنان وسليمان وشفيق وغيرهم من المسؤولين طوال المرحلة الانتقالية. ويقول بكري إن عنان اقترح يوم 29 يناير على طنطاوي «القيام بانقلاب عسكري ينقذ الدولة المصرية من الانهيار ثم يعقب ذلك الإعداد لانتخابات رئاسية جديدة. كان الفريق سامي عنان يريد اختصار الزمن لكن المشير رفض الاقتراح في هذا الوقت وقال: علينا أن ننتظر، حتما الشعب سيجبره على التنحي». ويضيف أن طنطاوي اتفق مع سليمان مساء الخميس 10 فبراير على ضرورة أن يغادر مبارك القاهرة إلى منتجع شرم الشيخ في صباح اليوم التالي بعد عزم المتظاهرين الزحف من ميدان التحرير إلى القصر الرئاسي. ثم فوجئوا بوصول الجماهير إلى القصر فاتفقوا على ضرورة رحيل مبارك الذي أبلغه سليمان هاتفيا بخطورة الموقف وأنه خائف من الدخول « في بحور من الدم، أرجوك يا ريس عاوزين نخلص.» ويتابع أن مبارك استمع إلى صيغة البيان الذي ألقاه سليمان عن تكليف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد ولكنه طلب أن ينص البيان على «تخليه» وليس «تنحيه» عن منصبه. عزل المشير ونائبه يستعرض مصطفى بكري جوانب من علاقات الجيش والإخوان ومنها ما يسميه (معركة الدستور) التي كانت «فاصلة بالنسبة إلى الإخوان المسلمين وحلفائهم. لقد سعوا إلى تأجيل إصدار الدستور في ظل وجود المجلس العسكري في السلطة. راحوا يناورون ويراوغون حتى استطاعوا فرض إرادتهم. كانوا يدركون أن إصدار الدستور في ظل إدارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية لن يمكنهم من ترسيخ أحلامهم في السيطرة والهيمنة على السلطة وفتح الطريق أمام أخونة الدولة وإسقاط ثوابتها». وينقل المؤلف وقائع اجتماع حضره يوم 29 مارس 2012 واستمر أكثر من أربع ساعات وشدد فيه طنطاوي على أن الدستور يجب أن يكون «للحاضر والمستقبل ولكل المصريين». وعلق مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة آنذاك -في حضور ممثلي القوى السياسية- قائلا إنه «ملتزم أمامكم جميعا... دستور مصر يجب أن يعبر عن مصر كلها. كما سجل المؤلف أيضا وعود مرسي قبل الانتخابات الرئاسية باختيار خمسة نواب بينهم امرأة ومسيحي وأحد الكفاءات من خارج الإخوان وأحد شباب الثورة. ويصف الكتاب عزل طنطاوي وعنان في غشت 2012 بأنه «انقلاب ناعم» ولكنه لم يحدث بعيدا عن موافقة القوات المسلحة مسجلا أن طنطاوي رشح اللواء عبد الفتاح السيسي الذي كان يشغل مدير المخابرات العسكرية لتولي وزارة الدفاع. لكن الفصل الأخير الذي يحمل عنوان «هل يحدث الصدام؟» يسجل ما يسميه المؤلف صراعا بين الجيش والإخوان بعد تكرار ما يسميه إساءة للقوات المسلحة من بعض الرموز الإسلامية. ويقول إن «المعركة بين الجيش والرئاسة تدار علانية تارة ومن خلف الستار تارة أخرى، خيوط تتحرك في العلن وفي الخفاء، أياد تحرض في الداخل وأصابع تعبث في الخارج. قوى أجنبية تتكالب وقوى داخلية تفتح لها الطريق. يبقى السؤال المطروح... إلى متى سيبقى الجيش ملتزما بسياسة ضبط النفس؟». عن جريدة «العرب»