مسارات شخصيات تعيش حيوات متشظية طافحة بالتوتر تحكي مسرحية «دموع بالكحول» التي عرضتها فرقة «مسرح أنفاس» مساء الاثنين الماضي بمسرح محمد الخامس، بحضور ثلة من المهتمين والمبدعين، مسارات متقاطعة لأربع شخصيات تعيش حيوات متشظية طافحة بالتوتر، من خلال مونولوغات متداخلة. هي حيوات أربع شخصيات يوحدها التشظي الناجم عن الاصطدام بواقع صلب وزائف، فاسد ومتعفن. فكل شخصية تطالها صدمة من اكتشاف حقيقة مرعبة في حياتها غير ما كانت تحلم وتعول عليه. وهكذا نجد «ندى» (وسيلة صابحي)، أستاذة الفلسفة وأم لتوأم، تعاني من سطوة وبطش زوجها الانتهازي، الذي لفق لها قضية شرف مع صديق له. ثم «صوفيا» (هجر كريكع)، التي تجمعها علاقة مع الطبيب أحمد الصنهاجي، وهو متزوج وأب لصبيتين، صوفيا أخت ندى التي تحبل من أحمد فتؤول علاقتهما إلى أزمة مضطرمة. فقصة «نوار» (زينب الناجم)، الطالبة المقموعة من طرف إخوانها، تخضع لشاب صور لقاءهما الحميمي، واتضح أنه يصور أفلام إباحية ويبيعها في الخارج. ثم أحمد الصنهاجي الطبيب (محمد الحر)، الذي كرس حياته للحزب والنتيجة لا شيء، انتهازية وتعفن وملل من مؤسسة الزواج، يتأرجح بين حبه لابنتيه وحبه لعشيقته. يتقفى النص، الذي كتبه عصام اليوسفي، (المدير السابق للمعهد العالي للفن المسرحي)، مسارات ذوات مآلها الرماد المؤسس على الخيبة والمشاريع المجهضة والأحلام المهشمة. فلا يبقى غير ملاذ الهروب من انشطار الذات والهروب من بؤس الواقع ومن قساوة العيش المزمن في الوطن أيضا. هذا الهروب الذي يتصدون له في منتهى المسرحية، بإصرار البقاء والإقامة والمواجهة وفتح هامش جديد مع الحياة. وكأن المسرحية، التي طغى على مناخها السواد، تنفض عن رؤيتها المأساوية غبار القتامة، لتوقد شعلة أمل في نهايتها المفتوحة. «دموع بالكحول»، محاولة غطس في ماء الأعماق السوداء، وتفجير سيكولوجي للمناطق الداخلية الصامتة التي يهدر تحت قشرتها بركان الغضب والقلق والخراب. أبدعت في إخراج المسرحية أسماء هوري بمساعدة محمد الحر الذي جسد دور أحمد الصنهاجي، إلى جانب التشخيص البديع لكل من وسيلة صابحي في دور ندى، وهاجر كريكع في دور صوفيا وزينب الناجم في دور نورا. سينوغرافيا المسرحية من توقيع عبد المجيد الهواس بمساعدة صلاح الدين بن عبد السلام، وصممت ملابسها بدرية الحساني، فيما ألف الموسيقى رشيد برومي، وكان ختامها أغنية بصوت خديجة العمودي، إلى جانب العازفين الموسيقيين مروان وسفيان. وتأسست فرقة مسرح أنفاس ضمن المسارات الجديدة للمسرح المغربي التي ينسجها فنانات وفنانون شباب من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وتعتبر فرقة أنفاس بقيادة المخرجة أسماء هوري حاملة لمشروع ثقافي وفني دافعت عنه بإثقان في مسرحيتها المونودرامية «بسيكوز»، وكذا في مسرحيتها الجديدة «أنت هو»، وواصلت تكريس مشروعها في مسرحية «دموع بالكحول».