تقرير رسمي يرصد تطور أسعار الاستهلاك في مدن شمال المغرب خلال أكتوبر 2024    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    تقرير إخباري: العدالة الدولية تلاحق "أصدقاء الغرب" وتكسر حصانة الكيان الصهيوني    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    انطلاق عملية "رعاية 2024-2025" لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد    بتعليمات سامية من جلالة الملك ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    بعد الإكوادور، بنما تدق مسمارا آخر في نعش الأطروحة الانفصالية بأميركا اللاتينية    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    أسباب الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار وقف الحرب!    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكل يعي أهمية المعرفة التاريخية بالنسبة للشعوب
نشر في بيان اليوم يوم 13 - 01 - 2013

الدفالي: كلما كثرت أعداد المتعلمين كثرت الحاجة إلى معرفة تاريخ البلاد
في حوار مطول مع المشرف على مجلة «أمل» للثقافة والمجتمع، وأستاذ التاريخ والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء محمد معروف الدفالي، والذي سننشره على ثلاثة أجزاء، يتحدث في لنا فيه عن سوق النشر والثقافة في المغرب، ومستوى الطلبة الباحثين الذين بالإضافة إلى غياب المادة التاريخية في وسائل الإعلام العمومي، والتاريخ الراهن للمغرب، وحركة 20 فبراير.
كما يتحدث لنا الدفالي، عن اليسار والإسلاميين، وعن الوضع السياسي في مرحلة التينات والسبعينات من زاوية الباحث التاريخي.
لو بدأنا الحوار بمجلة «أمل» العدد الأخير (39-40) يصادف مرور 20 سنة من عمر المجلة، باعتباركم المسؤول الأول عن التحرير في هذه التجربة العلمية الرائدة في مجالها، كيف تقيمون أدائها في ظل أصوات متخصصة تتحدث عن في المستوى العلمي المتفاوت لملفات المجلة؟
في ظل الشروط التي نشتغل فيها لا يمكن لمجلة مثل أمل إلا أن تكون متفاوتة الأهمية حسب الملفات، ثم إن هذا التقييم بالتفاوت يستند أساسا إلى اهتمامات مختلف الناس، شخص معين قد يعجبه ملف فيحكم بأن المجلة تتعامل علميا فيمدحها، لكن عندما يصدر ملف لا يعجبه يصدر حكما سليبا، هذا لا يعني أن ملفات المجلة دائما جيدة.. لماذا؟ طبعا عندما تحدد أنك ستصدر ملفا معينا وتعطي وعدا للقارئ بقرب صدور العدد، وتعلن عن الملف في المجلة وتتصل بالباحثين قد تنتظر أكثر من سنة أو سنتين، بل هناك ملفات أعلنا عنها منذ أكثر من 5 سنوات ولحد الآن لم نتوصل فيها إلا بمساهمة أو مساهمتين، الشروط العامة غير مواتية كلية، ومن جهة أخرى التزامنا مع القارئ بخصوص الأعداد التي تصدر كل سنة، مثل أن تعلن أنك ستصدر عددين أو ثلاث أعداد في السنة، هو التزام غير سهل، وأكثر من ذلك، ولعلها من الأمور التي تجعلنا متشبثين بإصدار المجلة، أن تصادف في مرورك بالشارع العام أشخاصا وأصدقاء ومعارف يسألونك أين العدد؟ الأمر يجعلك تحس بالتزام معنوي مع الناس، فإذا كانت بعض الملفات تصدر ناقصة، نوعا ما، فهذا أمر عادي بالنسبة لي، غير العادي هو أننا لا نتوصل بانتقادات مباشرة من طرف المهتمين، بمعنى أن ضعف المدرسة النقدية يسري حتى على مجلة أمل فالمهتمون لا يوجهون ملاحظاتهم حول ملفات المجلة.. بالنسبة لي مادام الناس صامتون فمعناه أنهم راضون على ما يصدر في المجلة، وهذا أمرا سلبي تجاه المجلة، فلو كنا نتوصل مثلا بنقد وحوار مستمرين فسنكون مضطرين وحريصين على أن تكون المجلة مستجيبة وملتزمة لرغبات المهتمين، أما أن تحافظ المجلة على خط معين أو تميز معين فربما هذه ملاحظة توجه إلى كل المنابر الثقافة التي تصدر..
تعلمون أن سوق النشر الثقافي في البلاد يعاني الكساد المزمن، قليلة هي المجلات المتخصصة عندنا، كيف تدبرون الأمور المالية للمجلة في ظل الدعم القليل وربما المنعدم للمنشورات الثقافية؟
هنا سأعود بك إلى البدايات، لما عزم مجموعة من رواد جمعية أمل الثقافية على إصدار هذا المنبر الذي يحمل نفس الأمل، وضعنا له ورقية عبارة عن «أرضية» ووزعت على العديد من المهتمين والمثقفين في سائر المغرب، أغلب المراسلات التي توصلنا بها حبذت الفكرة، لكنها تحددت كذلك عن السوق والإمكانيات، نصحنا الكثيرون بعدم الأقدام على الخطوة، هناك من قال لنا إنكم لن تستطيعون تجاوز العدد الثالث، هذا الأمر لم يكن غريبا عنا، ففي مقدمة العدد الأول قلنا إننا نفهم السوق ومشاكل النشر والطبع والتوزيع ومشكل الاستمرارية ونعرف أن عددا من المنشورات الثقافية قاوم واستمر، وعدد منها لم يتجاوز العدد الثاني أو الثالث، قلنا بالحرف «إننا قررنا أن نركب المغامرة» والأمر الذي فوجئنا به هو في صدور العدد الأول، كنا قد بدأنا العمل عليه في بداية 1992 وفي منتصفها كان جاهزا، أردنا نشره في غشت، أي في عز الصيف، نصحننا العديد بأن الصيف ليس وقتا مناسبا للإعلان عن منبر ثقافي جديد وعلينا أن نترك الإعلان إلى بداية الموسم الدراسي المقبل، لم نسمع للنصيحة وقررنا إخراج العدد في غشت والناس في أماكن اصطيافهم، رغم ذلك فوجئنا بالموزع يتصل بنا ويهنأنا بأن العدد بيع منه رقم مهم لم يسبق لأي مجلة ثقافية أن حققته، فهمنا أن الساحة محتاجة إلى المعرفة التاريخية، مما حفزنا ودفعنا إلى التمسك أكثر بالمشروع، اتصلنا بمجموعة من الأستاذة السابقين لنا في البحث التاريخي للاستفادة من توجيهاتهم، هذه كانت البدايات المشجعة، ثم إن أمل لقيت دعما من طرف العديد من الباحثين الشباب أنداك، أولا لأنها كانت منبرهم، فالكثير ممن صاروا اليوم باحثين معروفين ومرموقين أحيانا، بداياتهم الأولى كانت في هذه المجلة، لم يكونوا ينشرون في المجلة فقط بل تعاطفوا معها وكانوا بشكل غير مباشر أداة دعاية لها وسط طلابهم وبين باحثين آخرين، والأكثر من ذلك أن العديدين من خارج حقل التاريخ أصبح لهم تعاطف معها، وهذا نلمسه أحيانا في المعرض الدولي للكتاب والنشر في رواق المجلة، فأحيانا يسألك شخص من مدينة بعيدة عن أعداد بعينها تنقص مجموعته، والأكثر من ذلك أن الأمر لم يبقى مقتصرا على المغاربة بل هناك مشارقة يزوروننا في المغرب ويسألون عن أعداد تنقص مجموعاتهم، مرة في معرض الكتاب زارني كتبي من لبنان وألح علي امتلاك العدد 12 الخاص بمحمد بن عبد الكريم الخطابي، وكان العدد نفد من السوق ألح علي إلى أن زودته بعدد فضل في مكتبتي الخاصة ففرح به وبدأ يفاخر رفاقه اللبنانيين بكونه الوحيد من بينهم من يملك المجلة كاملة الأعداد.. لم نفكر قط أن الاهتمام سيكون بهذا الحجم، مثل هذه الأمور تجعلك تصر على الاستمرار في المجلة رغم كل العراقيل.. صحيح هناك مشاكل في النشر، قد تضطر أحيانا أن تنتظر إلى أن يباع العدد لتخرج العدد المقبل، ومع ذلك إمكانية الاستمرارية موجودة لسبب بسيط، هو أن المجموعة المشتغلة والملتفة حول المجلة مجموعة جمعوية متشبعة بالفكر التطوعي، بمعنى أن المشاكل المادية التي تقع عادة بين المشرفين على أي مجلة غير مطروحة عندنا، الرقم الغائب لدينا هو الرقم المادي، لا أحد يفكر في الاستفادة من المجلة ماديا، لذلك هي قادرة على تمويل نفسها، صحيح نضحي بالوقت والجهد، ولو كان عندنا طاقم شاب أكثر دينامية لأمكن المجلة أن تحقق أرباحا. والأكثر من ذلك أنه في منتصف عمر المجلة بات لنا دعم من طرف وزارة الثقافة، من خلال تأديتها لنصف تكلفة طبع العدد، العقدة لا تربطنا مباشرة مع الوزارة، هذه الأخيرة فضلت أن تكون العقدة بينها وبين المطابع، ولو أن الأمر في لحظة من اللحظات خلف لنا متاعب مع المطابع بسبب تأخر الوزارة في تسديد المتأخرات.
لاحظنا في الآونة الأخيرة ولادة مجلات ورقية وإلكترونية تعنى بالشأن التاريخي المغربي، تحقق أرقاما محترمة في البيع، هل تزايد مثل هذه المنابر يظهر حاجة مجتمعية متزايدة للمادة التاريخية أم هو طلب تجاري فرضه السوق؟
يمكن النظر إلى الأمر من زاويتين، الأولى هي حاجة المجتمع طبعا، في أي مجتمع كلما كثرت أعداد المتعلمين كثرت الحاجة إلى معرفة تاريخ البلاد، فالوعي التاريخي يتجدد باستمرار مع تزايد أعداد المتعلمين والمهتمين، حتى العلوم الإنسانية أصبحت حاجة مجتمعية، ومن هذه الحاجة وهذه العلوم يأتي علم التاريخ. التجربة بدأت مع بعض الصحف التي كانت تخصص ملفات لحدث تاريخي معين، فالإقبال الذي كانت تلقاه هذه الصحف جعلت العديد من الناس يقبلون عليها، الجانب الثاني الذي يجب الانتباه له هو تزايد عدد الباحثين في المعرفة التاريخية نسبيا، حاليا الأمر يختلف عن العقود الثلاثة الأخيرة حيت كان عددهم محدودا على روس الأصابع، وكانت الاهتمامات منصبة على جانب واحد، الأمور الآن تختلف، الجامعات المغربية وخاصة جامعة محمد الخامس بالرباط وكلية آدابها خرجت العديد من الباحثين في مجالات التاريخ، قبل ثلاث عقود أو عقدين فقط لم تكن تجد باحثا مغربيا فيما قبل التاريخ أو التاريخ القديم إلا بشق الأنفس، الآن هناك باحثين كثر فيما قبل التاريخ والتاريخ القديم تخرجوا من هذه الجامعة، تاريخ العصر الوسيط الذي كان في يد قلة من الباحثين الآن يتخصص فيه عدد لا يستهان به، نفس الأمر بالنسبة للعصر الحديث، طبعا الحديث والمعاصر كان وضعهما في تلك الفترة أفضل نسبيا من وضعية الحقب الأخرى، كثرة الباحثين نسبيا اليوم ووفر المادة التي تنشر وتناقش، فبعدد الباحثين تعدد الآراء والنقاشات، وبتعدد النقاش تتعدد المادة المعرفية التاريخية وتعرف طريقها للأخر المهتم وغير المهتم.
باعتباركم تدرسون في ثلاث جامعات مغربية وتعرفون أن جل المؤرخين المحترفين سيغادرون إلى التقاعد الطبيعي، كيف ترون مستويات الطلبة الباحثين ممن يمكن أن يعول عليهم لسد الخصاص مستقبلا.
الخطأ التي وقت فيها الجامعة المغربية، وبشكل مباشر سواء الأستاذة المؤسسون أو الذين أتوا من بعدهم هو تغيب التفكير في الخلف، لم ينتبه الباحث إلى أنه سيغادر يوما إلى التقاعد، ومن التقاعد إلى القبر، وبالتالي لا يفكرون في الخلف، وبالتالي لا تجد أساتذة يؤطرون مجموعة من الباحثين الشباب ويهيئونهم، ولما لا الدفاع عنهم ليلتحقوا بالجامعة، هذا الأمر غير موجود لدينا، فجأة لما بدأ الأستاذة يقتربون من التقاعد انتبهوا للأمر، أصبح هناك نوع من التخوف من أن مغادرتهم قد تلحق بالجامعة أناس لا يحافظون على نفس المكانة التي حصلت عليها شبعة التاريخ، وللتذكير شعبة التاريخ وخاصة الصيت الذي أعطته لها كلية الآداب بالرباط، جعل المعرفة التاريخية معرفة محترمة، ينظر لها على أساس أنها معرفة جدية ورصينة، أصحابها ليسوا من النوع المتسرع، قلت انتبهوا في ظل ذلك التخوف وبدأ التفكير نسبيا في الخلف، لا أدري أين وصلت الأمور لكن على كل حال بالنسبة لي لا خوف على الجامعة لسبب بسيط، هو أن الطلبة الباحثين الموجودين حاليا وجدوا أمامهم من يوجههم، ومن يستشيرون معه، وبالتالي انطلاقتهم جاءت في درجات أعلى بكثير من الدرجات التي انطلق منها السابقون، كان الباحث في السابق «دونكشوطيا» بهذا الشكل أو ذلك، يحارب في معركة البحث طواحين الهواء، حتى الأرشيفات كانت غير متاحة وشبه غائبة وكذلك الوثائق، بل حتى الكتب، أحيانا كان لزاما على الباحث التنقل إلى مدينة أخرى من أجل الحصول على بعضها، الشروط أفضل الآن وربما ما وصله البحث التاريخي سيسهل مأمورية الباحثين الجدد، ويفتح أمامهم آفاقا لا شك أنها ستجعل مستواهم في البحث أفضل من مستوى الجيل السابق.
ارتباطا بالباحثين القدامى تعقدون في جمعيتكم «الجمعية المغربية للبحث التاريخي» شبه موسم ثقافي كل سنة، واحدة في الرباط وأخرى في مدينة جامعية أخرى، كيف تقيمون تلك الأيام أخدا بعين الاعتبار بعض الأصوات التي تتحدث عن التفاوت الكبير في مستوى تلك الدورات، وتتحدث عن لا جدوى عقد دورات سنوية.
زاوية النظر إلى مثل هذه الأعمال يجب أن تكون نوعا ما ذات أفق واسع، فاللقاء السنوي متعدد الأهداف. بدأت الجمعية مع الأستاذ إبراهيم بوطالب هذا النوع من الأنشطة واللقاءات السنوية، فهي توفر للأستاذة المهتمين فرصة اللقاء سنويا، وهذا جانب إيجابي، كنا لا نعرف حتى أسماء أساتذة في جامعات أخرى، فنحن في الدار البيضاء نعرف أساتذة الرباط، أو بعض الأسماء الذين انتقلنا لجامعاتهم للمشاركة في ندوات علمية، الجمعية وفرت لنا هذا اللقاء السنوي، وهو ليس لقاء للتعارف الشخصي فقط بل تعارف في مجال البحث، تبادل الأسئلة والتعرف على مجالات اشتغال الباحثين، هذا أمر مهم من الناحية الإنسانية والمعرفية، الجمعية ليست مسؤولة بالكامل على مواضيع اللقاءات السنوية، فهي تتكلف بالتنظيم، المواضيع تختارها الجامعات الحاضنة للقاءات، وهي تقترح الموضوع من اهتمامات باحثيها بذلك الموضوع، والأكثر من ذلك أنها أحيانا إذا لم تقترح أغلبية المشاركين فهي على الأقل تقترح جزءا مهما منهم، ثم حتى أهمية المساهمات وتوازن المواضيع مع بعضها دائما ذات أهمية، طبيعة الموضوع وطبيعة الاهتمام به وتناول المؤرخ له كلها عوامل تتداخل وتفرز نتائج للقاء قد تعجب البعض وقد لا تعجب البعض الأخر، المهم النسبة لي أرى أن المرحلة التراكمية ضرورية، لا يمكن أن نفرز الجيد من غيره ما دمنا لم نحقق تراكما في الإنتاج المعرفي التاريخي، وهنا لابد من الإشارة إلى أن أقل الباحثين في أصناف المعرفة إنتاجا هم المؤرخون، لأنهم الأكثر تؤدة، دلو المؤرخين هو أصغر الدلاء في بئر الثقافة، الأدباء والفلاسفة والسوسيولوجيون والسياسيون وغيرهم ينشرون وبكثرة، لكن المؤرخ لا ينشر إلا قليلا، رغم أن ما نشر في المعرفة التاريخية مهم جدا، وهنا لابد من الإشارة ثانية إلى الدور الكبير الذي لعبته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في نشر المعرفة عامة والمعرفة التاريخية على وجه الخصوص، فداخل ما نشر في هذه الكلية مكانة التاريخ في النشر مكانة رئيسية، وفي جزء منها الكلية لعبت دورا كبيرا وحتى الباحثين في التاريخ لعبوا دورا حتى يصبح لهذه المعرفة مكانتها التي تستحق في الساحة الثقافية والمعرفية المغربية.
بالانتقال من المستوى الداخلي لبيت البحث التاريخي إلى مستوى تعامل الدولة مع المادة التاريخية، بدأت مؤخرا العناية رسميا بالتاريخ من خلال إنشاء العديد من المؤسسات الحاضنة للبحث التاريخي، كالمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب ومؤسسة أرشيف المغرب والتفكير الجاري حاليا في خلق دار تاريخ المغرب، كيف تقرؤون هذه الدينامية على مستوى المؤسسات الرسمية.
الأمر نسبيا واضح، من جهة الكل يعي أهمية المعرفة التاريخية بالنسبة للشعوب، ولا نبالغ إن قلنا مع القائلين إن من ليس له ماضي ليس له مستقبل، وعلى كل حال التاريخ هوية وذات، ومن جهة ثانية التاريخ في أبسط تعاريفه هو الإنسان، عندما يهتم الإنسان بتاريخه فهو يهتم بذاته ويشرئب إلى المستقبل، الاهتمام بالتاريخ له أهداف، هو ليس اهتمام مجانيا، بل اهتمام نحاول من خلاله بعث وتجديد الروح فينا وأن نرى المستقبل، ومن هنا أي دولة كيفما كانت تبحث عن مستقبل أفضل لابد لها أن تهتم بالتاريخ، وطبعا لما تجد مؤرخين يساعدونها بهذا الشكل أو ذلك، أو يكونوا مستشارين لها في هذا الصنف المعرفي تصبح الأمور سالكة، وهو ما لاحظناه مؤرخا، لما يتم الحديث عن المعهد الملكي للبحث التاريخي فهناك الملك أساسا وهناك أيضا الأستاذ أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية فالمعهد يتبع لهذه الوزارة، ولا شك أن الرجل لعب دورا أساسيا في خلق المعهد، وما دمنا نتحدث عن المعهد فلابد من القول إنه رغم كونه معهدا رسميا إلا أن إطاره العلمي شيء آخر، قد لال يتصور الآخرون درجة الاستقلالية التي يشتغل فيها المعهد ودرجة البحث المعرفي الأكاديمي الحقيقي الذي يتمتع به ، لا أحد يوجه المعهد في اتجاه معين خارج ما هو معرفي، وربما هناك عوامل كثيرة تضمن هذه الاستقلالية من بينها شخص المدير الأستاذ محمد القبلي، الباحث ذائع الصيت، وأحد المؤسسين للجمعية المغربية للبحث التاريخي وعمدة قوي في كتابة تاريخ المغرب الوسيط، والشخص على ما أعتقد لا يمكن أن يقبل بأي تدخل في الأمور المعرفية.
إذن أنتم تنفون ما أوردته أسبوعية الأيام في عددا 545 في خبر مقتضب تتحدث فيه عن كون مسودة كتاب «تاريخ المغرب تحيين وتركيب» التي سلمت للقصر كانت أقوى من النسخة الرسمية التي أعلن عنها في 17 نونبر 2012.
هذا كلام لا ينسحب عليه إلا بعض أقوال لينين في لحظة ما «والدين يأخذون على الصحافة أقوالها فليلغوا تاريخ مولدهم في القرن 20» لأن مثل هذا الكلام العائم الذي لا سند له يجب الاحتياط منه، الكتاب مثلما كتبه الباحثون مثلما خرج، وهذا الأمر موجود في حوارات كثيرة مع الأستاذ محمد القبلي ومع أساتذة من المعهد، ليس هناك مسودة أقوى من الكتاب، طبعا المسودة تبقى مسود، فعندما نقول إن 40 باحثا شارك في الكتاب، لا يمكن أن يكون هناك خيط ناظم بين 40 شخصا، فهيئة التحرير التي أعادت صياغة هذه الأعمال، هي التي وجدت الخيوط الناظمة بينها وهذا عملها، لكن هل تصرفت في المضمون؟ لا أعتقد، هذا الأمر غير موجود نهائيا..
مقاطعا.. هذا أمر مفهوم أكاديميا، أنا أتحدث عندما تقدم مشروع الكتاب إلى القصر وانتظر سنوات قبل الإعلان عنه، في تلك الفترة يتحدثون عن تدخل رسمي في الكتاب.
لا لم يتدخل أحد في الكتاب، بشكل مطلق، هذا أمر معروف لذا الجميع، أما التأخير في الإعلان عن الكتاب فلأنه كان فقط ينتظر دوره، لأن المعهد كما قلت رسمي ولا يمكن أن يصدر كتابا من هذا النوع والحجم دون أن يقدم للملك، فقط كان ينتظر الوقت المناسب الذي يقدم فيه للملك لا أقل ولا أكثر، وأي كلام خارج هذا الإطار هو كلام زائد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.