جمعية بييزاج للبيئة والثقافة تدعو السلطات المحلية والمنتخبة إلى إعمال القانون للحد من تفاقم الظاهرة أصدرت جمعية بييزاج للبيئة والثقافة بأكادير، تقريرا أخضر بعد معاينتها للأوضاع بالعديد من المناطق القروية ومناطق شبه الحضرية بضواحي المدينة، حيث رصدت مشاكل بيئية وتنموية تلقي بظلالها على منطقة سوس، تتجسد في تفشي المدن غير المهيكلة والسكن العشوائي الذي أصبح يتفاقم ويزحف على مساحات كبيرة ويطرح بالتالي مشاكل عويصة حالية ومستقبلية. وترى جمعية بييزاج للبيئة، أن المشكل الأكثر خطورة يتجلى في تفشي السكن العشوائي بالجماعات القروية، والذي ما يلبث أن يتحول في لمح البصر الى مدن شبه حضرية منعدمة التجهيز، مع ما يصاحب ذلك من أضرار بليغة تستهدف البيئية والتنمية البشرية، إضافة إلى استهدافها صحة وسلامة وأمن الساكنة المحلية، لاسيما، الأجيال الصاعدة التي يتسبب مثل هذه الأوضاع في إهدار حقوقهم الأساسية، هؤلاء الأطفال والشباب الذين ينشئون في بيئة متردية غير مهيكلة، يكونون عرضة للإقصاء والتهميش. 1- حق السكن من وجهة نظر الجمعية تؤكد جل المواثيق الدولية التي وقعها المغرب على حق الإنسان في السكن المناسب وفي مستوى معيشي كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له وأسرته ولخلفه، (المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر سنة 1948). وتعتبر الجمعية السكن في بيئة سليمة ونظيفة تتوفر فيها شروط العيش الكريم للأجيال الحالية والقادمة، حقا من حقوق الإنسان. وهو مؤشر قوي على التقدم والازدهار، وغياب هذا المؤشر، يمثل فوضى وعدم استقرار، على اعتبار أن هذا المؤشر يشكل حجر الزاوية في تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبانعدامه تتضعضع باقي الحقوق المرادفة، كالحق في العمل وحق التعليم وحق الصحة وغيرها من الحقوق الأساسية. كما أن مضامين الدستور الجديد والدساتير السابقة تعتبر السكن حقا مشروعا وحقا دستوريا لجميع المواطنين المغاربة باختلاف ثقافتهم وأعراقهم ولسانهم دون ميز أو حيف. 2 - السكن العشوائي حزام للفقر والأمراض الاجتماعية من خلال الزيارات الميدانية التي قامت بها الجمعية للمناطق شبه الحضرية والجماعات القروية الواقعة في الضواحي، لاحظت الجمعية انتشارا واسعا للسكن العشوائي وغير المهيكل، وتعتبر هذه المناطق القريبة من المراكز الصناعية والضيعات الفلاحية بسوس الكبير، ملاذا للنمو الديموغرافي غير المتحكم فيه، وفضاءا يحتضن نشاطا متناميا للراغبين في العمل من المهاجرين أساسا ومجالا خصبا ومتسارعا لانعدام الأمن وتفشي مظاهر التفسخ، وكل الأوبئة والأمراض الاجتماعية التي تتوارى في هذه المناطق، وقد صاحب ذلك انتشار للبناء العشوائي نظرا للطلب المتزايد على السكن ولجوء أصحاب الأراضي الى خلق تجزئات عشوائية بتضافر جهود أطراف متعددة ساهمت الى حد كبير في استشراء هذه الفوضى، التي تقوم على غياب تصاميم مديرية لتلك المناطق وتصاميم البناء وتحرير الملك الغابوي وتحديده وفق ضوابط قانونية للتعمير، مما يشجع الهجرة غير المنظمة طلبا للعمل في الضيعات الفلاحية المحاذية للمناطق الصناعية، حيث يؤدي غياب التأطير، إلى الاستغلال في أبشع صوره تحت الطلب المتزايد على السكن بالقرب من الوحدات الصناعية والضيعات الفلاحية والمدن التي تعرف رواجا تجاريا. 3 -الانعكاسات الخطيرة للظاهرة من وجهة نظر الخبراء والباحثين يرى المختصون والباحثون في الظاهرة، أن المناطق العشوائية هي تجمعات سكنية تنشأ في غياب التخطيط العام، وتمثل خروجا عن القانون، وتعديا على أملاك الدولة والخواص، وهي مناطق محرومة من كافة أنواع المرافق والخدمات الأساسية مثل الماء الصالح للشرب، قنوات الصرف الصحي ، والربط بالكهرباء، ونقط الأمن، والوحدات الصحية، والمدارس والمواصلات، كما أن أزقتها لا تستطيع أن تمر منها سيارة إسعاف، أو مطافئ، أو الأمن. وكنتيجة لغياب البنيات التحتية في هذه المناطق، لاسيما، قنوات الصرف الصحي، تعاني الساكنة من غياب الحد الأدنى للمعيشة، إذ تنتشر بينهم عدة أنواع من الأمراض المستوطنة وتتفشى الأمية والجهل و ارتفاع معدلات الجريمة، وتشكل ملاذا للمجرمين بعيدا عن أعين السلطات الأمنية، وهي أحزمة تشجع على الانحراف والإجرام والاتجار في الممنوعات والمخدرات، كما تصبح كما يرى الباحثون مصدرا للعنف بكل أشكاله ومرتعا خصبا قد يولد الإرهاب. وقد أجمل الباحثون والمختصون في المجال البيئي العديد من الخصائص لهذه التجمعات العشوائية من ضمنها: -انعدام نسب في تحديد المساحة المخصصة للطرق والممرات وانعدام فضاءات وحدائق ومنتزهات عامة. - عرض الشوارع والأزقة لا يحتمل ازدياد النمو الديموغرافي للسكان وحركة المرور. -عدم تناسق المعمار والبناء بأماكن ممنوعة وغير مهيكلة تتخذ شكل منحدرات خطيرة وأودية. - تدهور في الكتل المبنية ومخالفة قوانين البناء والتصاميم التقنية والهندسية الصحية السليمة. -تدهور في المرافق والتجهيزات الأساسية والخدمات نتيجة زيادة الضغط السكاني عليها بشكل لا يستوعب حاجيات السكان. -التدهور في شبكة الطرق والأزقة حيث يصعب ولوج سيارات الإسعاف والمطافئ والأمن في حالات الطوارئ وازدياد مشاكل الازدحام والضوضاء والتلوث البيئي. -عدم كفاية الخدمات المختلفة الصحية، الإدارية، التجارية، التعليمية، من حيث الكم أو التوزيع. -غياب وتدهور نظام جمع النفايات والصرف الصحي وانتشار المطارح العشوائية واللجوء الى حرق الأزبال مما يسبب تلوثا خطيرا ومضرا بالبيئة والإنسان بشكل مباشر وانتشار كبير للكلاب الضالة والقطط المتشردة التي تكون مصحوبة بإمراض خطيرة. -التشوه البصري وانتشار لأحزمة الفقر والهشاشة والانحراف وتعاظمها. ويرى الأخصائيون أن السكن العشوائي مرتبطة بالعامل البشري، ويبرز من خلال الاعتداء على أملاك الغير و أملاك الدولة، وينشأ عبر تضافر هشاشة البنية الاجتماعية والعشوائية في البناء، وكل ذلك نتيجة خلل مجتمعي ينتهي بنشأة مناطق مهمشة واتساع حجمها وعدد سكانها نموذج منطقة "القليعة" و"أيت عميرة" و "التمسية" "أورير" و"الدراركة"... الخ ويرى "هرناندو دي سوتو": بأن السكن العشوائي عبارة عن رأسمال عقاري عاطل حيث تكاليف الاستغلال والبناء منخفضة من الناحية الاقتصادية، وهو ما يؤدي الى إهدار قدر كبير من الموارد المالية للدولة، وبالتالي يساهم في انخفاض مستوى الدخل المتحقق عنها. وتتمثل عشوائية المكان حسب ذات الباحث والخبير في كونه غير قانوني وينشأ خارج الضوابط المرتبطة بحيازة العقار والتصاميم الهندسية والتقنية والمجالية، ويؤثر هذا سلبيا على مستوى بالإنسان وعلى نوعية حياته، ويساهم في ازدياد أعداد الفقراء الحضريين الذين لا يحققون الحد الأدنى من الخدمات الحضرية مما يضطر الدولة الى تخصيص اعتمادات مالية هرقلية لإعادة هيكلة تلك المناطق فتكون الخسارة بالتالي على الدولة مضاعفة من جهة عدم تحصيل موارد مالية من هذه العشوائيات وتخصيص أموال لحل إشكالاتها. 4 - مدن عشوائية بمشاكل اجتماعية وصحية و بيئية معقدة. لاحظت الجمعية أن جل المشاكل البيئية والصحية بالمدن والجماعات شبه الحضرية حيث ينتشر السكن العشوائي، تتمحور حول طرق التزود بالماء الشروب، وتجهيزات الصرف الصحي المنعدمة، وانتشار كبير للمطامير والبرك الآسنة للمياه العادمة سطحيا وجوفيا، والتي تؤثر على الموارد والفرشة المائية، وأحيانا تختلط بمياه الآبار ويصاحبها كذلك انتشار كثيف للحشرات الضارة والمطارح العشوائية للنفايات المنزلية المتناثرة في كل مكان، وكذلك انتشار الكلاب الضالة الحاملة لإمراض خطيرة، بالاضافة الى نقص كبير ومهول على مستوى التجهيزات الأساسية والاجتماعية، والسبب في ذلك هو الإقبال الكبير على البناء العشوائي بدون تصاميم تقنية أو هندسية أو مديرية للتهيئة، تمكن من تهيئ المجالات بما يحفظ استمرار التنمية البشرية والتنمية المستدامة المتوازنة والمحافظة على البيئة من كل أشكال التلوث واجتناب المخاطر الصحية في أوساط الأطفال والنساء الأكثر عرضة للأمراض، وذلك حسب الحاجيات الأساسية للسكان وتنويع الفضاءات والموارد الطبيعية المتاحة لهم، كما لاحظت الجمعية نقص مهول في المرافق الاجتماعية والصحية والتربوية وهو شيء طبيعي جراء هذا المد العشوائي ، ولاحظت الجمعية أن عدد سكان مدن الضواحي يفوق سكان الجماعة الحضرية لاكا دير بكثير ويمكن لجماعتي ك"أيت عميرة"، والتمسية و"وادي الصفا" "القليعة" و"أورير" لوحدهما، معادلة ساكنة اكادير وتجاوزها كذلك، رغم وجود فرق كبير جدا على مستوى التجهيزات والمؤسسات وكذلك منهج التنمية البشرية والمستدامة والمحافظة على البيئة، ومن هذا الباب فالجمعية تدق ناقوس الخطر، على اعتبار أن هناك مدنا تحتضن أعدادا ضخمة من المهاجرين بمشاكلهم الاجتماعية والصحية والبيئية المعقدة، ومن هذه المناطق "القليعة" و"أيت عميرة" و"التمسية" و"أورير" و"الدراركة" و"تاعميت إيزدار" و"سفوح الجبال" المطلة على أكادير والقرى الممتدة على شريط نهر سوس. وتدعو الجمعية الى وضع حد للتنامي المستمر للعشوائيات بدون موارد مستدامة ولا مؤسسات تمارس الضبط الاجتماعي ولا تكوين فيما يخص العنصر البشري، ولا تجهيزات أساسية على المستوى البيئي، وهو ما ينذر بالكارثة صحيا، بشريا، واجتماعيا، لمستقبل الأجيال القادمة، والأمر يقتضي حسب الجمعية نهج أسلوب ورؤيا جديدة في التعامل مع هذه المناطق بعيدا عن الحسابات التي أغرقت هذه المناطق في ركام من المشاكل والفوضى العالقة الى اجل غير مسمى، كان أخرها تسرب مياه الصرف الصحي جوفيا وسطحيا واختلاط مياه الشرب بالمياه العادمة والقاذورات بين الأزقة والبرك الآسنة وانتشار المطارح العشوائية للازبال وما يصاحبها من حشرات سامة وضارة بالدراركة والقليعة وآيت عميرة وانتشار الأمراض الجلدية في صفوف الأطفال وارتفاع نسب المصابين بالايدز، نتيجة الكثافة السكانية الهائلة وانعدام الوعي والتحسيس، وفراغ المناطق من جمعيات المجتمع المدني العاملة في المجالات الاجتماعية والبيئية، وانعدام التجهيزات الأساسية للماء الشروب والصرف الصحي وأحيانا الإنارة العمومية. -5 الدولة والمجتمع المدني على صفيح ساخن ترى جمعية بييزاج للبيئة أن انتشار السكن العشوائي يساهم في إهدار مجهودات الدولة والقطاعات الأخرى في مجال التنمية البشرية والتنمية المستدامة، وكلما قفز المغرب نقطة إلى الأمام عبر برامج قطاعية في مجال النمو والتنمية البشرية بعد صرف ملايير الدراهم سنويا في السكن والصحة والتعليم، تعيده هذه المناطق أدرجا الى نقطة الصفر وتجعله بالتالي يجاور أسوء الرتب عالميا على مستوى التنمية البشرية حسب تقارير المنظمات الأممية الدولية في هذا المجال، وبالتالي تشكل هذه المناطق فرملة آلية للنمو والتنمية البشرية في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والصحية والبيئية، فإذا كانت مؤشرات التنمية البشرية والمؤشرات البيئة والمستدامة مرتفعة بشكل نسبي بالمجال الحضري بأكادير مثلا، فان هذه المناطق شبه الحضرية والتجمعات العشوائية تسجل نسبا سلبية على مستوى هذه المؤشرات وبتكاثرها وتعاظم مشاكلها تزداد النسب السلبية، وتتقوى في التراجع على مستويات التنمية، وإذا ما أضفنا لها العالم القروي المجاور وإشكالاته البنيوية والثقافية تسجل هذه النسب تراجعا كبيرا بالمقارنة مع المناطق الحضرية والذي يتأثر كذلك بالإحياء القديمة والعتيقة الهامشية الناقصة التجهيز، ومدن الصفيح، ما يجعل المغرب يسجل نسبا متدنية في التنمية البشرية، ويزداد الأمر وعورة وتعقدا مع تنامي المدن العشوائية في غياب سياسات تستوعب حجم المشاكل المطروحة، وتبقى الإشكالات التنموية عميقة ومحدثة بالتالي لشروخ غائرة بيئيا ومجتمعيا وتنمويا، ومهما بلغت نسب التنمية من ارتفاع بالمجالات الحضرية فان التجمعات العشوائية والقرى الناقصة التجهيز تساهم في تدني وتراجع نسب التنمية وتعاظم المشاكل البيئة والصحية على الساكنة، التي تعرف انفجارا ديموغرافيا وكثافة سكانية هائلة، في تلك المناطق وترى الجمعية أن مشكل السكن العشوائي اعقد من مشكل السكن الصفيحي الذي هو ضمنيا قابل للتفكك بينما السكن العشوائي يصعب اجتثاثه ويتطلب الأمر عقود من العمل وميزانيات وموارد مالية ضخمة ومجهودات كبيرة. 6. الحلول والبدائل من وجهة نظر الجمعية ترى الجمعية بأنه لن تقوم قائمة لأية تنمية بشرية اقتصادية أو ثقافية أواجتماعية، بدون أمن واستقرار و تخطيط محكم مستقبلي معقلن، تساهم فيه مؤسسات الدولة المعنية بالتخطيط وبقطاع التعمير والإسكان والجماعات المحلية والسلطات المحلية وجمعيات المجتمع المدني والخبراء الاجتماعيون والنفسيون في التخطيط التشاركي، وان فات أوان التخطيط في هذه المناطق، فهناك إعادة التخطيط وفق هذا الأسلوب العلمي والمنهجي التشاركي، الذي يضع الجميع أمام المسؤولية بوطنية صادقة، والكفيل بحل معضلات السكن العشوائي وإعادة النظر في أسلوب التعامل مع التجمعات الاقتصادية والصناعية والفلاحية الناشئة، وحسن تدبير امثل لازمة السكن بعيدا السلوكات الاستفزازية للدولة أو للمواطنين على حد سواء، بشكل يتناسب وتوفير اليد العاملة التي تحتاج إليها تلك التجمعات. كما ترى الجمعية أن هنالك تجارب عالمية رائدة بدول شرق آسيا يمكن الاستفادة منها وهي دول سابقة في هذا الإطار، طرحت لديها مشاكل انتشار السكن غير المهيكل بجوار الوحدات الصناعية أو الفلاحية أو مدن الضواحي، لكنه رغم ذلك حققت قفزات نوعية في مجال التنمية المستدامة والنمو عبر تخطيط ونهج سياسات استباقية مستقبلية وحكامة رشيدة، وجيدة تقوم على الكفاءة العلمية والمنهجية والمواطنة الصادقة، كما تدعو الجمعية إلى اجتناب إغراق سوق العقار بعروض سكن لا يناسب ثقافة الإنسان المغربي الميالة إلى الاستقلالية في السكن مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والثقافية التي تعرفها الأسرة المغربية، كما يجب منع الحيازات غير القانونية للعقارات للمضاربة، فيها مما يساهم في استشراء الرشوة وإهدار مالية الخزينة والدولة، كما يجب توفير سكن مناسب لدخل الفئات الهشة والفقيرة، وتحرير الأراضي قانونيا وفتحها للتعمير وانجاز تصاميم مديرية للتهيئة الحضرية، بما يستجيب للطلب المتزايد على السكن وفق منظور بيئي اخضر بالجماعات القروية التي تعرف توسعا عمرانيا ونموا ديمغرافيا والتحكم فيه عبر حملات التوعية الصحية والإنجابية، وضرورة الحفاظ على الأوساط الطبيعية بشكل مستدام بهذه المناطق، يستحضر التنمية المستدامة والمحافظة على البيئة، كما تدعو الجمعية السلطات المحلية والمنتخبة والأمن إلى إعمال القانون وتطبيقه لحفظ الحقوق والوجبات على الجميع وحفظ الأمن والاستقرار الذي غالبا ما يتم المجازفة به.