حملت الأخبار قبل أيام معطيات تثير الضحك والاشمئزاز في نفس الآن. 95 في المائة من منتخبينا الجماعيين الذين ترشحوا لنيل الشهادة الابتدائية «سقطوا» يوم الامتحان، وعدد منهم سبق أن صدرت في حقهم أحكام قضائية جراء قيامهم بتزوير هذه الشهادة «السحرية» من أجل تولي أمر تدبير جماعاتنا، خصوصا القروية منها. يوم الامتحان، عجز منتخبونا الأشاوس عن فك طلاسم تمارين الحساب ومادتي العربية والفرنسية والتربية الإسلامية، ومنهم من لديه أبناء وأحفاد ربما تجاوزوا هذا الامتحان بسهولة، ويستغربون اليوم كيف للأب أو الجد الذي لم يستطع نيل معدل 5 / 10 في امتحان الشهادة، أن يفهم في ميادين التدبير وتدقيق الصفقات وإعداد مخططات التنمية والميزانيات... لقد وصلت ملفات طعن حول عدم امتلاك الشهادة الابتدائية من طرف رؤساء انتخبوا على رأس جماعات قروية إلى المحاكم، بل وإلى المجلس الأعلى، ودام رواجها في ردهات المحاكم شهورا وسنوات، وطيلة كل هذه الفترة بقيت الجماعات المعنية تعيش على إيقاع هذا العبث. المغرب انخرط في تجربة الجماعات المحلية منذ عقود، وعاش العديد من العمليات الانتخابية، وهو اليوم يستعد لولوج مرحلة جديدة من الجهوية ومن الديمقراطية المحلية، وبالتالي راكمت البلاد خبرات وتجارب على هذا الصعيد، ما يؤهلها لتملك هذه المنظومة الحديثة في العمل السياسي المحلي، بدل الاستمرار بعقلية القبيلة وبمسلكيات غارقة في التقليدانية. لم يعد من المقبول الاستمرار في إحداث نوع من القطيعة بين جماعاتنا القروية كمجال اجتماعي وثقافي وبشري، والممارسة السياسية الحديثة المجسدة في المجالس الجماعية، حيث أن قرانا وأريافنا باتت بدورها تتوفر على شباب يمتلكون مستويات تعليمية مهمة، ومن حقهم المشاركة في الحياة العامة والسياسية لجماعاتهم. اليوم، عدد من رؤساء جماعاتنا القروية لا زالوا يعتمدون سلوكا سياسيا أقرب إلى الشخصنة والأبوية التقليدية بأشكال تشبه بنيان النظام القبلي القديم، وهذا الواقع أحيانا يغلق الباب على شباب هذه المناطق للمشاركة في تدبير الشأن المحلي لجماعاتهم، ونجد عددا من «منظري» الانتخابات يدافعون على تكريسه، وبذلك يساهمون، بالمعنى الاستراتيجي، في ترسيخ البعد بين مناطقنا الريفية والعمل السياسي الحديث، ومن ثم فمن الطبيعي ألا نجد أمامنا سوى أولائك الذين لا يمتلكون حتى الشهادة الابتدائية، ومن الطبيعي أيضا أن ينحصر الحديث فقط عن الابتدائي، وألا نرفع من السقف مثلا إلى الباكالوريا كحد أدنى. ما تعنيه الأرقام والنسب المشار إليها أعلاه، يخلف، حقا، أسى في النفس، وامتعاضا من هذا «السقوط» الذي نزلنا إليه ببلد نال استقلاله منذ عقود، ولديه آلاف الدكاترة والمهندسين وحملة الإجازة، وعشرات الآلاف من حملة الباكالوريا. عيب، أن تستمر ظاهرة كهذه في بلادنا اليوم...