النظام المالي في المغرب «الأمبراطورية المتداعية، المغرب المعاصر» مؤلف وضعه الفرنسي لودوفيك دي كامبو، وهو من الكتابات التي مهدت للاستعمار الفرنسي للمغرب. ويتناول فيه الكاتب فترة حكم السلطان المولى الحسن الأول. طبعت النسخة الأولى من المؤلف سنة 1886، وهو ثمرة رحلة قام بها الرحالة الفرنسي، لودوفيك دي كامبو، عبر مجموع تراب ما كان يسميه «الأمبراطورية الشريفة»، تمهيدا لوضع المغرب تحت الحماية، بعد أن رسخت فرنسا أقدامها بالجزائر قبل حوالي 56 سنة من صدور الكتاب. وقد رصد صاحب الكتاب / الرحلة، خلال سنوات إقامته بالأمبراطورية الشريفة مختلف أوجه الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ووضع أمام سلطات بلاده، التي كانت تتهيأ لبسط سيطرتها على كامل شمال إفريقيا، وثيقة يبين فيها حالة الضعف والاضمحلال التي آلت إليها الدولة المغربية، نتيجة الفساد المستشري في دواليب الحكم، وانعزال السلطان عن تدبير شؤون البلاد والعباد، وانصرافه إلى ملذاته. وترك السلطان أمور تدبير الدولة والحكم في يد زمرة من المستشارين والوزراء الذين لم يكن همهم سوى تضخيم ثرواتهم، حتى وإن كان على حساب فقراء البلد. مستعملين كل الدسائس والحيل لإبعاد السلطان عما يجري في أطراف أمبراطوريته المتهالكة. فصول من كتاب حول فترة من التاريخ الحديث للمغرب، يرسم صورة أحوال الحاكمين والرعايا، كانت تمهيدا لاحتلال الأمبراطورية الشريفة من قبل دولة فرنسا. -3- الضرائب، حت وإن كانت غير مرتفعة إلى درجة المبالغة، فإنها تؤدي إلى الانهيار والتدمير من خلال الفساد وسوء الاستعمال اللذان تفتح الباب أمامهما. فالضرائب العقارية هي العشر، وهي بمقدار عشر المحصول الزراعي أو يزيد قليلا، ولكن يحدث أن يفرض الأمين المكلف بجمع هذه الضريبة، ليس 10/1، بل 12/1 أي بزيادة مقدارين آخرين. وأذكر أني رأيت في منطقة «عبدة» مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة ذات اللون الأسود، ربما الأجمل في المغرب، غير مزروعة، وكان جواب العرب الموحد الذين سألتهم عن سبب ذلك: «في السابق كنا نزرع الأرض، إلا أن ضريبة العشر ألحقت بنا الإفلاس. حيث كان الأمين المكلف بجمع الضرائب يزور حقولنا الجميلة، وكان يفرض علينا مقدار أربعين صاعا من القمح، بينما نحن لم نجن من المحصول سوى 30 صاعا، وكنا مجبرين على نقل ما جنيناه على حسابنا إلى مكان التجميع، ونضطر إلى بيع ماشيتنا لإكمال الباقي المفروض علينا، ومنذ ذلك الحين لم نعد نزرع أراضينا». وكانوا يرفعون رؤوسهم إلى السماء ويقولون :»إننا ننتظر مستقبلا مغايرا». ما يحدث بالنسبة لضريبة العشر يحدث بالنسبة للضرائب الأخرى، في حالة بيع جواد أصيلا، فإن للسلطان في غالب الأحيان نسبة 5 في المائة، على البائع ومثلها على المشتري. إلا أن القياد غالبا ما سيلجؤون إلى سرقة هذه الضريبة دون الخوف من العقاب، أو عندما يعلمون أن البائع توصل بكامل أمواله من البيع، يعمد إلى سجنه إلى أن تنضب مذخراته. ويحظر تصدير الحبوب، بما فيها القمح والشعير، على الناس العاديين، ولكن الشريف/السلطان، يقوم بالتصدير لحسابه من أجل كسب موادر مالية، كما أنه يشتري القمح والشعير بأثمنة جد زهيدة المال من الفلاحين، هؤلاء الأخيرين يفرض عليهم الخضوع لرغباته، خوفا من حجز كا ما له، بل وحتى الزج به في السجن كل شيء قابل للابتزاز. خلال الأعياد الدينية، التي يحتفل بها ثلاث مرات في السنة، تم سن تقليد وطني لمنح الهدايا والهبات. فكل مدينة وكل بلدة، وكل دوار مدعو للمساهمة في قوافل الهدايا التي تبعث إلى جلالته. حتى الحمالون الذين لا يكسبون إلا 10 قروش في اليوم مطالبون بدفع ما يعادل أربعة أيام من عملهم، والمزارع مجبر على توفير نفس عدد الأكياس من البذور، وهكذا دواليك. نفس الأمر ينطبق على نظام «المؤونة»، الخاص بإقامة السفراء في العواصم. فالأكل يوفره، ليس السلطان، الذي يقدم بكثير من العظمة، الخبز والسكر، بل المدن، وحتى الأمتعة والفراش، من طاولات وأسرة وغيرها، يوفرها هذا الحي أو ذاك، دون أن يكلف المخزن نفسه عناء توفير حتى كرسي واحد. ويوجد النظام الإداري في نفس مستوى النظام المالي. ولا يوجد موظف واحد يتلقى أجره من الحكومة. فالباشوات والقواد والشيوخ، لا يتلقون أي راتب أو أجر فحسب، وإنما أيضا مرغمون، من أجل التعيين في مناصبهم، دفع مبالغ باهظة للوزير. ويعوضون أنفسهم من خلال سرقة أملاك وممتلكات المواطنين دون الخشية من العقاب. وإذا تولدت في ذهن أحد الحمقى الفكرة البليدة لرفع شكوى إلى السلطان بشأن الابتزازات التي يتعرض لها، لا يتم إنصافه، ويتم التعامل معه دائما أنه المخطيء، لان القائد غالبا ما يكون سبقه إلى إرسال هدية إلى االصدر الأعظم الذي يأمر بوضع المشتكي في الحبس. أما الجنود فإن أجرتهم لا تتعدى أربعة قروش في اليوم، في زمن السلم، ويتحملون مصاريف التغذية على نفقتهم الخاصة، في حين أن البعض منهم، المنتمون لقوات خاصة، الذين لا يحكمهم أي وازع، فإنهم يلجؤون إلى بعض الوسائل الملتوية لزيادة إيراداتهم، وكثير منهم لديهم قوة خارقة في خطف طفل أو حصان. ففي مدينة فاس استطاع أربعة جنود قطع حزام سرج أحد الأغنياء وهو على جواده في طريقه إلى المسجد، وسقط الفارس على الأرض دون أن يصاب بأذى، وهو لا يستطيع الحراك من على سرجه خوفا من أن يسرق منه، بينما استطاع اللصوص الثلاثة الفرار آخذين معهم الحصان. ويكون أهل فاس دائما في حالة تأهب عندما يتواجد بها السلطان، بسبب حالات السرقة التي تقع فيها من طرف أفراد الدرك. كثرة الاعتداءات وكثرة الابتزاز من طرف الحكومة هي التي أدت إلى تقسيم المغرب إلى جزءين، من جهة القبائل البربرية المتمردة، التي تعيش في الجبال، تحكم نفسها بنفسها، ولا تدفع أي نوع من الضرائب، ولا تعترف حتى بسلطة السلطان. ومن جهة أخرى القبائل العربية الخاضعة، التي يستقر أفرادها في السهول والنجود، مقهورين مظلومين، وحيث الخوف قتل فيهم أية فكرة للمقاومة.