ضرورة التوفيق بين الأمن والنظام العام وحقوق الإنسان أجمع متدخلون حقوقيون وأكاديميون وخبراء أمنيون خلال لقاء دراسي احتضنه المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة على أن هناك حاجة ماسة إلى التوفيق بين متطلبات فرض الأمن والنظام العام وبين احترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية. واعتبر المتدخلون في الجلسة الثانية من هذا اللقاء نظم يوم الخميس الماضي حول موضوع «دور الأمن في تدعيم وحماية منظومة حقوق الإنسان»، أن من شأن هذا التوفيق تذليل «التنافر المفتعل» بين مصطلحي الأمن وحقوق الإنسان، وتجاوز «التنازع الوهمي» بين مفهومي الحرية والنظام العام، فضلا عن إتاحته تبديد الصورة السلبية التي ظلت عالقة بموظف الأمن «بفضل ترسبات الماضي». وشددوا على الرغبة في تطوير وتعزيز التعاون بين الفاعل المدني والمتدخل الأكاديمي والحقوقي من جهة، وبين مصالح تطبيق القانون من جهة ثانية، بما يدعم دولة الحق والقانون ويسهم في بناء قدرات العاملين في الأجهزة الأمنية وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان لديهم. وأكد المشاركون على أهمية خلق شراكات بين المجتمع المدني والجامعات والمصالح الأمنية بشكل يسمح بتطوير مفاهيم علمية لمبادئ الحكامة الأمنية الجيدة، ويتيح وضع منظومة توثيقية للبحوث والأطروحات المنجزة في مجال العلوم الأمنية لإثراء الرصيد المعرفي لكل المهتمين بالشأن الأمني. وتناولت الجلسة الثانية من هذا اللقاء مداخلات مقتضبة حول «الأمن وحقوق النساء»، و»الحكامة الأمنية الجيدة ودورها في تدعيم حقوق الإنسان»، و»تحقيق الأمن وحماية حقوق الإنسان معادلة ممكنة»، و»الإطار القانوني الوطني المتعلق باللجوء واللاجئين والهجرة»، و»الآليات المؤسساتية الوطنية لحماية حقوق الإنسان». و استعرض إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان السياق والدوافع التي كانت وراء إحداث المجلس وكذا المقتضيات التي تضمنها الدستور الجديد في مجال حقوق الإنسان والحريات، مشيرا إلى الدور الهام الذي تضطلع به المؤسسة الأمنية في مجال حماية الحريات التي يضمنها الدستور. وأشار اليزمي إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يؤمن بالدور الأساسي لموظفي الأمن الوطني وكافة الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين في ورش تفعيل المفهوم الجديد للسلطة وترشيد الحكامة الأمنية الجيدة وترسيخ معنى الشرطة المواطنة، مضيفا أن المجلس يعتبر المؤسسة الأمنية شريكا استراتيجيا وحليفا ميدانيا، وطنيا وجهويا، في كل القضايا العامة والخاصة ذات الصلة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان وترسيخ البناء الديمقراطي. وعبر عن استعداد المجلس الوطني لحقوق الانسان لترجمة هذه الشراكة الاستراتيجية إلى برامج وإجراءات عملية وفق خطة عمل متكاملة ومندمجة بالتعاون الوثيق مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان. وشدد المحجوب الهيبة المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، من جانبه، على الحاجة إلى ضمان التناغم والانسجام بين الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب مع المقتضيات التي أقرها الدستور الجديد، مشيرا إلى أن هذه المواثيق ليست جامدة وتظل في حاجة دائمة ومستمرة إلى بذل مجهود قانوني وتشريعي متواصل لملاءمتها. وأبرز الهيبة أن قضية الانسجام مع المواثيق والاتفاقيات الدولية ترتبط بشكل وثيق بتكوين الموارد البشرية وكفاءتها وتفاعلها مع المجتمع المدني بهدف إشراكه في تحضير النصوص القانونية الخاصة بحقوق الإنسان، مشددا على أهمية التكوين المستمر ووضع دلائل تطبيقية خاصة بممارسة وحماية حقوق الإنسان. ومن جانبه، أبرز محمد عبد النباوي مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل والحريات الدور الذي تضطلع به العدالة في احترام حقوق الإنسان. وأوضح أن جميع الثورات التي شهدها العالم كانت تحركها المطالبة باحترام حقوق الإنسان وإقامة نظام قضائي يتمتع بسمات الفعالية والنجاعة والعدل والاستقلالية ويوفر الحماية ضد الانتهاكات والظلم. وأضاف عبد النباوي أن هناك حالات تتسبب فيها حقوق البعض في المس بحقوق الآخرين مما يطرح إشكالية وضع حدود فاصلة تضمن تحقيق الصالح العام والديمقراطية، مشيرا إلى أن القاضي يعد الساهر على حماية الحقوق في إطار نظام قضائي مستقل ونزيه. فيما رأت أمينة بوعياش نائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان أن في التشاور والتحاور بين مختلف الفاعلين والقوى الحية أفضل سبيل لتطوير إعمال حقوق الإنسان، وأن الحق في الأمن هو حرية أساسية ومسألة يجب التداول بشأنها. وأكدت بوعياش على ضرورة حماية النساء من العنف، باعتبارهن «الفئة الأكثر عرضة لانتهاكات مستمرة، وخاصة منها العنف الذي يعد عاملا رئيسا في الحد من اختياراتهن المهنية»، بالنظر إلى أن «في هذه الحماية مناهضة صريحة لهذه الظاهرة». وذكر عبد الحميد الجمري رئيس منظومة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان بما راكمه المغرب على المستوى الحقوقي من توافر للنصوص تتناغم والمواثيق الدولية، ومن تعدد للمؤسسات الوطنية العاملة في المجال مما سمح بانخراطه الدولي أوروبيا وأمميا. ووقف الجمري عند المبادئ العامة المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي تعد معاييرها الدولية ملزمة لجميع الدول وموظفيها، بمن فيهم المسؤولون عن تطبيق القانون، مضيفا أن الشرطة ملزمة بدورها بالاعتماد في تنظيمها على سياسة حقوقية شاملة مع إدماج معايير حقوق الإنسان ضمن قانون الشرطة. ولم يخف الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، من جانبه، الرغبة في العمل أكثر على الإحاطة بمختلف جوانب الحكامة الأمنية التي كانت من الطابوهات حيث كان يمنع التحاور بشأنها بين ممثلين عن المجتمع والمؤسسات الأمنية «في إطار المساواة والاحترام المتبادل»، معتبرا أن التحاور بشأن هذه الحكامة في المرحلة الراهنة مسؤولية جسيمة ملقاة على الجيل الحالي ككل، مما يفرض «توظيف كل اجتهاداتنا وكل ذكائنا لكي ننتقل إلى مرحلة مغايرة يكون فيها شعار الجميع هو الالتزام بالقانون وباحترام دقيق لحقوق الإنسان». وحسب بلكوش، فإن فتح النقاش حول سياسة عمومية في مجال الأمن لابد وأن يستحضر متطلبات النهوض بهذا القطاع من خلال توفير الوسائل المطلوبة وتحديث البنيات والآليات والقوانين والاهتمام بالعنصر البشري على مستوى التأهيل والتكوين النظري والعملي والنهوض بأوضاعه، والانفتاح على ما يجري في عالم يتحول باستمرار. وأكد بوشعيب الرميل المدير العام للأمن الوطني في ختام هذا اليوم الدراسي أن هذا الأخير شكل أرضية صلبة لبلورة مفاهيم وتصورات متطورة لتدبير الشأن الأمني، تقوم على التوفيق بين تحديات فرض النظام العام ومحاربة الجريمة بمختلف أشكالها من جهة، ورهانات حماية حقوق الإنسان من جهة ثانية. حضر هذا اللقاء الدراسي، الذي نظم بشراكة بين المديرية العامة للأمن الوطني والهيئات الحكومية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني وأكاديميين، على الخصوص والي جهة الغرب الشراردة بني احسن عامل اقليمالقنيطرة ورئيس مؤسسة الوسيط ورؤساء الجامعات ونقباء هيئات المحامين ورؤساء هيئات وجمعيات المجتمع المدني وعدد من الأساتذة الجامعيين وممثلي المصالح الحكومية والأمنية.