أجمع عدد من الكتاب والمفكرين مؤخرا بأصيلة على فرادة وثراءالتجربة الإنسانية والسياسية والثقافية للكاتب المغربي محمد العربي المساري الذي أضحى علامة مميزة تسم المشهد السياسي والفكري والإعلامي الوطني. وأبرز المشاركون خلال حفل تكريمي خصوصيات هذه التجربة التي زاوجت بين الواجهة السياسية والإعلامية والثقافية والنقابية، مشكلة بذلك الثراء المعرفي والفكري الذي يميز شخصية الأستاذ المساري وحضوره الإنساني اللافت، وحرصه على مد جسور التواصل الثقافي وتعميقه بين المثقفين والإعلاميين. كما توقف المشاركون عند خاصيات وملامح كتاباته المتسمة بالدقة والبحث والوعي التاريخي، والمسكونة والمنحازة إلى الإنسان والقضايا العادلة، ومساهماته في استنبات مقومات النهضة والتقدم من خلال تبني منهج ورؤية قائمة على الإصلاح الممكن والواقعي دون التخلي عن المبادئ والقيم، وكذا الدفاع عن القضايا الوطنية والعربية، وعن صورة المغرب والتعريف برجالاته، مشيرين في نفس الوقت إلى ما تعكسه مؤلفاته ومقالاته من تحاليل رصينة بشأن كثير من القضايا التاريخية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وكذا مواقفه وحضوره في المنتديات السياسية والثقافية. وفي هذا السياق قال محمد بن عيسى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأسبق أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة بالمناسبة إن تكريم المساري نابع من تقدير لجهوده الموصولة وعطاءاته القيمة ومسيرته الإعلامية المتميزة على مدى أكثر من نصف قرن، زاوج من خلالها، في توازن وانسجام، بين متطلبات الكتابة الملتزمة في الصحافة والتأليف الحر، والبحث والترجمة، وبين أعباء النضال السياسي في واجهات الحزب والنقابة والمجتمع المدني، عدا المهام الرسمية التي اضطلع بها، ومحاولاته لإصلاح القطاع ونهج سياسة إعلامية اتسمت بالعقلانية والتدرج والانفتاح على المشهد الوطني العام. وبدوره أوضح أستاذ العلوم السياسية عبد الله ساعف أن المساري يمثل تلك المسارات الفردية المتميزة لشخصيات ناجحة من جانب، وفي نفس الوقت تلك المعبرة عن تركيبتنا الثقافية والسياسية، مبرزا أن للسياسة حضورا مركزيا في ممارساته وسلوكه وإنتاجاته منذ التحاقه بالإذاعة سنة 1964 واضطلاعه بمهام الوزارة والعمل البرلماني ونقابة الصحافة. وأضاف أنه رغم هذا الحضور المركزي للسياسة في مسار المساري فإنه مافتئ يقيم نوعا من المسافة بين الممارسة السياسية والحديث عنها والتأمل فيها والكتابة بشأنها مضيفا أن سمو الأخلاق على السياسة والتمسك بالقيم والمبادئ تشكل أسلوب ومنهج حياة المساري. ومن جهته أشار الكاتب عبد الكريم غلاب إلى أن المساري مسكون بوسواس الكتابة ومهووس بها ومن خلالها أبدع وانفتح على عوالم متعددة، مشيرا إلى أن أعماله تنبض بالحياة وتتميز بالدقة والجدة والصدقية. وأوضح أن المساري كان يلتقط بحدسه ونظره الثاقب تلك المؤشرات الانعطافية التي تحيل على التحولات وعلى المستقبل، إذ كان سباقا لتمثل والوعي بمتطلبات التقدم والنهضة في عدد من المجالات خصوصا تلك المتعلقة بالمجالين الإعلامي والسياسي. ومن جهتها أشارت كاتبة الدولة في الخارجية سابقا لطيفة أخرباش إلى أن المساري يمثل نموذجا فكريا لشخصية متفردة في اختياراتها الثابثة ومواقفها الواضحة ، وعلامة مميزة في مشهدنا السياسي والفكري والإعلامي، موضحة أن المحتفى به انتصر على الدوام للصحافة التي شكلت عشقه الأزلي ، علاوة على أنه كان أول حامل لمشروع إصلاح الإعلام في المغرب الحديث. وأضافت أنه وإن لم يفلح في تنزيل مشروعه، فإن مقترحات كثيرة من هذا المشروع دخلت منذئذ إلى الدورة الفكرية للمجتمع الصحفي المغربي وخاصة ما كان له صلة بقضايا ديمقراطية التحرير وضبط سوق الإشهار والدعوة إلى صيانة الوضع الاعتباري للصحفي. ووصف محمد أوجار المساري بالقوة الهادئة العميقة، وأحد قادة العمل البرلماني والسياسي في مرحلة سياسية دقيقة عرفها المغرب ، مسكونا بقضايا الوطن وقضايا الديمقراطية مشيرا إلى أن مسار المساري يختزل الكثير من تطورات المشهد السياسي في المغرب، ويمثل نموذج التماهي بين العمل السياسي والإعلامي. واستعرض يونس مجاهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية مساهمات المساري في المحطات التأسيسية الكبرى ومواقفه النضالية من أجل إصلاح الحقل الإعلامي من خلال مساهمته القيمة في أوراش المناظرة الأولى حول الإعلام، ومسار الانتقال بالنقابة الوطنية للصحافة من إطار للناشرين إلى هيئة للصحافيين والعمل من أجل استقلالية العمل النقابي. وبخصوص كتاباته التاريخية أشار مجاهد إلى أن المساري كان مسكونا بالقضايا الآنية في الحياة السياسية والفكرية والإعلامية مع الحرص على ترسيخ آليات البحث التاريخي والتحري والرجوع غلى الأرشيف للرد على بعض الشخصيات والكتابات التي تريد تحريف التاريخ المغربي موضحا أن الالتزام السياسي بالنسبة للمساري شكل البوصلة والعمق في مساره وتجربته. يذكر أن محمد العربي المساري من مواليد تطوان سنة 1936 التحق بالإذاعة الوطنية سنة 1958 كمنتج ثم كسكرتير قسم الإنتاج حتى 1664. وفي سنة 1964 التحق بجريدة العلم كمحرر ثم رئيسا للتحرير ثم مديرا في 1982 كما التحق بالمجلس الوطني لحزب الاستقلال في المؤتمر السابع سنة 1965 وانتخب في اللجنة المركزية للحزب في نفس السنة كما انتخب أول مرة في اللجنة التنفيذية للحزب سنة 1974. شغل منصب كاتب عام اتحاد كتاب المغرب في ثلاث ولايات، وهو عضو مؤسس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، ثم كاتب عام مساعد، وعضو الأمانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب منذ 1969 ثم نائب رئيس الاتحاد في 1996 حتى 1998. عين سفيرا لصاحب الجلالة بالبرازيل من 1985 الى 1991 كما تولى وزارة الاتصال من مارس 1998 إلى سبتمبر 2000. من مؤلفاته العديدة «معركتنا ضد الصهيونية والامبريالية 1967» و«المغرب/اسبانيا في آخر مواجهة 1974، و«الأرض في نضالنا السياسي بعد الاستقلال 1980»، و«صباح الخير أيته الديمقراطية 1985»، و«المغرب بأصوات متعددة 1996»، و«المغرب ومحيطه 1998»، و«محمد الخامس: من سلطان إلى ملك 2009»، و«ابن عبد الكريم الخطابي من القبيلة إلى الوطن 2012».