«موقف متسرع وغير مبرر، يطبعه التحامل والذاتية» توصلنا ببلاغ من وزارة العدل والحريات ترد فيه على المبررات التي ساقتها جمعية هيئات المحامين لدى إعلانها عن انسحابها من الحوار حول إصلاح العدالة. وفيما يلي نص هذا البلاغ. على إثر البلاغ الصادر بتاريخ 16 يونيو 2012 عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب، والذي تعلن فيه عن انسحابها من هيئة الحوار الوطني حول إصلاح العدالة. بعد ما سجلت: «أنه وبالرغم من اتفاقية الشراكة التي تربط الجمعية ووزارة العدل والحريات، فإن الإعلان عن مبادرة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة تم دون إشراك الجمعية في أي إعداد أو تشاور مسبق حول هذه المبادرة وبمشاركة باقي مكونات السلطة القضائية تعزيزا للانتماء وتحفيزا للمشاركة وتوضيحا للرؤية نحو الأهداف المرجوة». «تشكيلة الهيئة العليا إلى جانب إغراقها بالعديد من المؤسسات الرسمية للدولة، فإنها لم تراع فيها أية مقاييس موضوعية موحدة، ما يمكن معه الجزم بأن العديد من التعيينات إنما تمت بناء على مقاييس ذاتية بالنسبة لبعض أعضائها، وبقصد ترضية البعض الآخر، وبمبررات غير مقنعة على الإطلاق بالنسبة للبعض الآخر، كما أن حضور مكونات السلطة القضائية وهيئة الدفاع وممثلي المهن القضائية فيها كان باهتا». وأن «المحاور المطروحة للنقاش أمام هيئة الحوار الوطني لا تلامس الموضوعات الكبرى للسلطة القضائية من قبيل ما يتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة». «النتائج السلبية للندوة الجهوية الأولى بالرباط يومي 11 و12 يونيو الجاري والتي غلب على أشغالها طابع الارتجال، والطابع الاحتفالي». فإن وزارة العدل توضح للسادة النقباء والسادة المحامين والسادة أعضاء مكتب الجمعية وللرأي العام، أنه: بالنسبة للمبرر الأول: خلافا لما ورد في البلاغ المذكور، فقد تم طرح فكرة الحوار الوطني حول إصلاح العدالة، خلال أول اجتماع لوزير العدل والحريات مع مكتب الجمعية المنعقد بوزارة العدل والحريات يوم 20 يناير 2012، أي بمجرد تولي وزير العدل والحريات مسؤولية هذه الوزارة، خلال فترة استقباله لكل مكونات الجسم القضائي من جمعيات مهنية للقضاة ومختلف المهن القضائية؛ كما عملت وزارة العدل والحريات بتاريخ 14 فبراير 2012، أي قبل تبلور فكرة الحوار الوطني في صيغتها الحالية، على مكاتبة السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب قصد إحاطته علما بكون هذه الوزارة تعتزم تنظيم حوار وطني من أجل إصلاح العدالة بكافة مكوناتها، موضحة أن هذا الحوار سيكون النواة الأساسية لبلورة ميثاق وطني سيعتمد كأرضية لهذا الإصلاح، وبعثت إلى السيد رئيس الجمعية بمشروع منهجية الحوار، ودعته إلى تقديم مقترحات الجمعية حوله. غير أن هذه المراسلة بقيت بدون جواب، مما اعتبرت معه هذه الوزارة أن الجمعية لا ملاحظات لديها حول الموضوع أو المنهجية، خاصة وأنه أعقب ذلك استشارة رئيس الجمعية عقب انتخابه قصد اقتراح اسمه لعضوية اللجنة العليا لإصلاح العدالة فوافق على ذلك. يضاف إلى هذا وذاك كون مسألة الإعداد لمبادرة الحوار الوطني حول إصلاح العدالة، لم يكن شأنا داخليا لوزارة العدل والحريات، بل سبقه مناقشة الموضوع في ندوة عامة، دعي لها جميع المسؤولين القضائيين بالمملكة يوم 22 فبراير 2012، وأعيدت مناقشة نفس الموضوع في ندوة عامة ثانية بتاريخ 13 مارس 2012، دعي لها جميع المسؤولين الإداريين من رؤساء كتابات الضبط ورؤساء كتابات النيابة العامة والمدراء الفرعيين ورؤساء مراكز الحفظ. هذا فضلا عن مناقشة الموضوع أمام ممثلي الأمة بقبتي البرلمان بمناسبة مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة العدل والحريات خلال شهر مارس 2012. بالنسبة للمبرر الثاني: على خلاف ما جاء في بلاغ جمعية هيئات المحامين، فإن الهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، هي هيئة استشارية كإطار تعددي وتمثيلي يتيح انفتاح القضاء على محيطه الداخلي والخارجي٬ وبغض النظر عن مهمتها المتمثلة في الإشراف على الحوار الوطني ورفع مشاريع توصيات بشأن إصلاح منظومة العدالة إلى صاحب الجلالة، فإن تركيبتها تتميز بأنها تركيبة تعددية، يتكون نصفها من قضاة ومحامين بصفات مختلفة ويتحملون مسؤوليات متنوعة ومن مكوناتها: البرلمان، بشكل رمزي عبر رئيسي لجنتي العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، ومجلس المستشارين؛ الحكومة في شخص وزير العدل والحريات؛ القضاة، وعددهم 12 قاضيا؛ المحامون، وعددهم 8 محامين؛ مؤسسات الحكامة وحقوق الإنسان والتقنين؛ منظمات المجتمع المدني المتخصصة بموضوع إصلاح العدالة؛ ممثل عن الصحافة والنشر؛ قطاع الأعمال والمقاولات ؛ الوسط الأكاديمي والجامعي؛ وبطبيعة الحال فإن الهيئة العليا، وكأي هيئة، لا يمكنها بحكم طبيعة مهمتها وتكوينها، أن تستوعب كافة الهيئات والشخصيات، ولا أن تقوم على معايير لا يختلف حولها الناس، لاسيما وأن أجهزة الحوار الوطني تضم جهازا موسعا وأساسيا في الحوار، هو هيئة ندوات الحوار على الصعيد الجهوي، الذي يشمل الجميع. بالنسبة للمبرر الثالث: إن مجرد الاطلاع على الصفحة 09 من مشروع منهجية الحوار الذي بعثته وزارة العدل والحريات إلى رئيس جمعية هيئة المحامين بالمغرب بتاريخ 14 فبراير 2012، يتبين أنه ينص على أن « فريق صياغة مشاريع النصوص القانونية، يقوم بمواكبة توصيات أشغال اللجان لتحضير مشاريع النصوص القانونية، لا سيما القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة»، كما أن هذين الموضوعين كانا من بين المواضيع الأساسية التي تضمنها مشروع «مخطط الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة» (ص 12 و16 و18 و19 و56 ) باعتباره وثيقة من وثائق الحوار التي سلمت للسادة أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني بمناسبة استقبالهم من طرف جلالة الملك يوم 8 ماي 2012، ومن بينهم طبعا السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، علما أنه سيتم تخصيص ندوة حوار جهوية خاصة لمناقشة هذه المواضيع بمدينة أكادير تحت عنوان استقلال السلطة القضائية. كما أنه بالاطلاع على دفتر شروط الندوات الموجه لدعوة العموم للمشاركة في الحوار الوطني، والمنشور على الموقع الإلكتروني للحوار، نجده يتضمن بالنسبة للندوة المتعلقة باستقلال القضاء تفصيلا للمواضيع التي ستطرح خلالها والتي من بينها موضوعا: أي تصور للقانون التنظيمي للسلطة القضائية؟ أي تصور للنظام الأساسي للقضاة؟ علما أن هذه الوثيقة بالإضافة إلى كونها وثيقة عامة موجه لعموم المهتمين ممن أرادو المساهمة بمداخلاتهم في أشغال الحوار الوطني، فقد تم توزيعها على السادة أعضاء الهيئة العليا بمن فيهم السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب. وبالتالي فإن هذه المواضيع كانت دائما، وظلت في صلب انشغالات هيئة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة. بالنسبة للمبرر الرابع: أما ما وصفه البلاغ بغلبة «الطابع الاحتفالي» على أشغال الندوة الجهوية معتبرا أن ذلك «مضيعة للوقت»، فإن وزارة العدل والحريات تؤكد أن ذلك أمر غير صحيح مطلقا، ذلك أن أشغال الندوة أدارها رؤساء جلسات مشهود لهم بالكفاءة العلمية والحنكة المهنية من خيرة القضاة والمحامين والأساتذة الجامعيين، أولهم السيد مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، وثانيهم النقيب عبد الرحيم الجامعي، وثالثهم الوزير السابق الدكتور مشيشي العلمي، ورابعتهم الدكتورة رحمة بورقية (رئيسة جامعة سابقا)، وقد ساعدهم في تدبيرها ممثلون عن مختلف الهيئات المشاركة في الحوار، وقد طبع أشغال هذه الندوة مناقشات جدية ومسؤولة، استمرت لما يناهز 15 ساعة من المناقشة تدخل خلالها ما يزيد عن 100 متدخل من مختلف الفعاليات المشاركة بمن فيهم قضاة ومحامون ومهنيون وفاعلون حقوقيون وجمعويون. لقد كان على جمعية هيئات المحامين بالمغرب، إذا كان لها بالفعل رأي في طريقة التنظيم ومستوى النقاش، أن تبلغ ذلك إلى وزارة والحريات، في إطار ما تستوجبه الشراكة القائمة بين الوزارة والجمعية، بدل اعتماد اسلوب التسفيه والتبخيس، وهو ما يتنافى بشكل مطلق مع أخلاقيات التعاون والتفاهم التي يفترض أن تطبع علاقة الطرفين، هذا فضلا عن أنه كان بإمكان رئيس الجمعية بحكم عضويته في الهيئة العليا للحوار الوطني، أن يتقدم بملاحظاته واقتراحاته لتطوير فعاليات الحوار، وهو الشيء الذي لم يتم للأسف الشديد. وفي الختام فإن وزارة العدل والحريات، إذ تأسف على الموقف المتسرع وغير المبرر لمكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، والذي يبدو أنه بني على معطيات غير صحيحة، مطبوعة بالتحامل والذاتية، فإنها تتمنى أن تتكلل المناظرة الوطنية التي دعت إليها الجمعية في بيانها المذكور، حول إصلاح العدالة، بالنجاح والتوفيق، ولن تدخر الوزارة جهدا في الإسهام البناء في إنجاح فعالياتها واستلهام خلاصاتها لما فيه خير العدالة ببلادنا.