الرابطة المحمدية للعلماء تطلق نقاشا حول مقاصد الشريعة والسياق الكوني المعاصر التحذير من استيلاء الحزبيين الإسلاميين على المؤسسات الدينية في حال وصولهم إلى السلطة بحثا عن موقع قوي داخل المنظومة الجديدة للمؤسسات التي أفرزها الربيع الديمقراطي، نظمت الرابطة المحمدية للعلماء ندوة دولية بالرباط حول موضوع «مقاصد الشريعة والسياق الكوني المعاصر»، امتدت أشغالها على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين بمشاركة مفكرين، باحثين وأساتذة مغاربة وأجانب، تم خلالها طرح أسئلة حارقة حول عدد من القضايا التي ترتبط بالأساس بالدور الذي يجب أن يضطلع به العلماء في ظل سياق إقليمي يتقاذفه نزوع ديني نحو التشدد ووصول أحزاب إسلامية إلى السلطة، والبحث عن نهج يمكن من بلورة مشروع نهضوي جديد يمد الجسور بين الإسلام والقيم الكونية وبالأخص بمنظومة حقوق الإنسان وقضايا التنمية الشاملة والمستدامة. وفي هذا الصدد، حذر الدكتور رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية من استيلاء الحزبيين الإسلاميين على المؤسسات الدينية، ودعا العلماء عبر مخاطبتهم بصيغة «أهل الدين والرأي» إلى التفكير في مصائر هذه المؤسسات لأنها ترتبط بمصائر أجيالهم ودينهم والحيلولة بذلك دون سيطرة الإسلاميين المتحزبين عليها حتى ولو وصلوا للسلطة. تحذير رضوان السيد المفكر وأستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية تضمنه العرض الذي ألقاه في افتتاح هذه الندوة يوم الثلاثاء الماضي، والتي نظمت تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، إذ سجل أن الأنظمة العربية الجديدة التي أفرزها الربيع الديمقراطي تتجه إلى الانحصار فيما يتعلق بالسطوة والسيطرة على المؤسسات الدينية، مبرزا أن المرحلة القادمة التي ستعقب التغيير الكبير الذي تشهده المنطقة والذي تقوده حركة الشباب هي مرحلة انحصار سيطرة الدولة عن هذه المؤسسات ولا ينبغي من جهة ثانية، أن يستولي عليها الحزبيون الإسلاميون حتى ولو وصلوا للسلطة بل لابد أن يفكر أهل الدين والرأي في مصائر هذا المؤسسات لأنها مصائر أجيالهم ودينهم. وأبرز الدكتور رضوان السيد في تحليله للسياق الحالي الذي تمر به المنطقة والتحديات التي باتت مطروحة على فئة العلماء أن حركة شبابية اندفعت إلى التغيير حملت شعارات الحرية والكرامة والعدالة والتداول على السلطة ومكافحة الفساد، وهي قضايا وقيم إسلامية عالمية افتقدتها الأمة الإسلامية منذ الستينيات من القرن العشرين، يبرز المتحدث. وأشار رضوان إلى الغموض الذي لازال يحيط بمواقف ونهج الإسلاميين المتحزبين، إذ سجل في هذا الصدد انضمامهم إلى حركة التغيير التي قادها الشباب والتحاقهم بهم في الساحات ثم ظهورهم في الانتخابات وتفاوتهم في التلاؤم مع المشهدين العربي والعالمي، قائلا «إن من مظاهر ذلك التلاؤم الرضا بخوض الانتخابات وتقبل نتائجها أو التظاهر بذلك، إنما عند أول تحد عادوا لتهديد الناس بتطبيق الشريعة، كأنما الشريعة أمر يستحق التهديد به لحشد الحزبيين وإخافة المعارضين لهم». واعتبر أن أربعة تحديات بات يطرحها هذا السياق الكوني المعاصر وإمكانية استلهام الشريعة، إذ هي جميعا تتعلق بالقيم ومقاصد الشريعة والانخراط في السياق الكوني المعاصر في الوقت نفسه، التحدي الأول يرتبط بمعالجة الانفصال والانفصام بين الشريعة والجماعة وهو انفصام طوره الإسلاميون طوال أكثر من خمسة عقود، مشيرا أن الشريعة تحتضنها الجماعة منذ كان الإسلام، والشريعة ركنان ركن العبادة وهو عقائدي شعائري وتربوي والناس يتبعونه ويؤدونه دونما وكيل أو آمر لأنه يعتمد على الإيمان. فيما الركن الثاني يتعلق بجانب التدبير الذي هو بيد الجماعة اجتماعيا وسياسيا، إذ يقتضي بالفعل أن الشعب هو موضوع السلطات، مبرزا في دحض لمقولة تطبيق الشريعة التي يرفعها الإسلاميون أن الشريعة تبقى شديدة التوهج والحضور وما غابت لكي تحتاج إلى تطبيق، وأكد في هذا الصدد أن «غياب المشاركة السياسية ليس غيابا للدين بل هو غياب لحق الناس في إدارة شأنهم العام وهم مقبلون الآن على التصعيد والتغيير لمباشرة إدارة مصالحهم العمومية بأنفسهم باعتبار ذلك حقهم وواجبهم وبهذا المعنى فإن شعار تطبيق الشريعة خطأ وخطيئة في حق الدين وحق الناس». ودعا في هذا الإطار إلى ضرورة إصلاح الأمر بين الجماعة والشريعة، ليس لتصوير الأمر كأنه فرض للشريعة من جديد على الجماعة، فالجماعة هي التي تحتضن الشريعة. في حين أن التحدي الثاني فهو يرتبط بالنظر في التمييز وربما الفصل بين الدعوي والسياسي في زمن التغيير العربي الحالي، على اعتبار أن الدعوة تتناول الجانب التعبدي والحسبي والتربوي من الدين بينما السياسي يتناول الجانب التدبيري الذي تسوده خيارات الناس وإدراكهم لمصالحهم وحقهم في إدارة شأنهم العام، مبرزا على «أن ما تفعله الأحزاب الإسلامية هو استخدام الجانب الدعوي والاعتقادي في الصراع السياسي ضد الخصوم وضد بعضهم بعضا، منبها إلى أن هذا الصراع هو إدخال للدين في بطن الدولة، ومعدة الدولة قادرة على الشرذمة والتحطيم والهدر وفي ذلك شرذمة للدين الذي يعتمد في الوحدة الاجتماعية على جانبه التعبدي والحسبي والرحيم والذي ينشر التضامن والأمن والود بين الناس». وشدد في هذا الصدد على «العمل لصون الدين في زمن الثورات وأزمنة التغيير الكبرى من السياسة ومن الدولة وليس صون الدولة من الدين، كما يزعم الفرنسيون»، يقول المتحدث. أما التحدي الثالث في نظر المفكر رضوان السيد فهم يخص مسألة إعادة تكوين المؤسسات الدينية والمرجعية التي خضعت في المرحلة الماضية لضغوطات هائلة من جهتين، جهة السلطات التي استتبعتها أو حاولت إلغاءها أو من جهة الإسلاميين الذين أرادوا استيلاب المرجعية منها والحلول محلها بحجة أنها قاصرة أو خاضعة. وذكر في هذا الصدد بالمهام المنوطة بالمؤسسات الدينية وذلك حسب أهل السنة، والتي تتمحور حول أربع مهام تتمثل في القيام على العبادات والتعليم والفتوى والإرشاد العام وهي جميعا مهام تظل يصفها المتحدث بأنها «ثورية لديننا وناشئتنا ومشهدنا العام»، معبرا عن رفضه الشديد بأن يتسلم الحزبيون الإسلاميون مهام تربية الأجيال الناشئة ومهام إصدار الفتاوى، حاثا بشكل قوي على ضرورة إعادة ترتيب المؤسسة الدينية بحيث تتحول إلى مؤسسات كبرى من مؤسسات المجتمع المدني يصونها ويعمل بها ولها. وأوضح فيما يخص الضغوطات التي مورست على المؤسسات الدينية والأخطار المحدقة بها، إلى أن أهل السنة بالذات ليس لديهم طبقة مقدسة من أهل الدين ولكن لديهم مهام دينية وحسبية تقوم بها مجموعات متخصصة، مسجلا أن هذه المجموعات المتخصصة ما استطاعت القيام بمهامها على الوجه المرضي تارة بسبب ضغوط الدول عليها واستتباعها وتكفيرها، إذ هناك سلطات أنظمة عربية قوت هذه المؤسسات ولكنها سخرتها في الصراع ضد الإسلاميين، في حين أنظمة دول عربية أخرى عملت على إضعاف هذه المؤسسات الدينية التي تعارض الحداثة وذلك حتى تقوم بعمليات التحديث دون اعتراض. في حين أن الإسلاميين حينما ظهروا خلال سنوات الخمسينات والستينات أشاعوا أن هذا المؤسسات قاصرة وتابعة وأرادوا الحلول محلها فأنشأ بعضهم مدارس و مؤسسات للفتوى وصارت لهم قنوات تلفزيونية للفتوى إذ أصبحوا هم الدعاة الجدد، في حين ضاع الأزهريون والقرويون والزيتونيون وما عاد لهم مكان ولا مجال أمام هذين الضغطين، مشيرا إلى الواقع الجديد الذي يطبعه الصعود اللافت للحزبيين الإسلاميين الذين قد يصلون في بعض البلدان إلى السلطة السياسية ويبقون فيها مدة، والخطورة التي يشكلها توليهم أمر المؤسسات الدينية. وربط الدكتور السيد التحدي الرابع بمصير الدين نفسه، على اعتبار حسب قوله أن هناك في صفوفنا منذ عقود نزوع ديني نحو التشدد وهو محافظ من جهة وإحيائي وأصولي من جهة ثانية، ملاحظا إلى أنه في البلدان العربية الذي كانت فيها المؤسسات الدينية ضعيفة أو مستتبعة أو مستنزفة ظهرت أصولية إسلامية شديدة العنف، وفي البلدان العربية التي كانت فيها المؤسسات الدينية قوية نسبيا أو متروكة أي السلطة لا تأثر فيها ظهرت حركات أصولية ولكنها ليست عنيفة أو أقل عنفا أو أنها لا تتسبب انقساما اجتماعيا كبيرا. وسجل المتحدث أن هذا الوضع أدى إلى أن صار الإسلام منذ أكثر من عقدين مشكلة عالمية بسبب هذا النزوع نحو الهوية الخصوصية الذي يصبح عنيفا في التعامل مع الداخل كما في التعامل مع العالم، داعيا إلى نهضة فكرية كبيرة لتجديد الرؤية من الداخل للدين وللعالم، وذلك عبر البحث في مقاصد الشريعة للدخول في السياق الكوني المعاصر مستطردا بالقول»إننا نريد أن نعيش بديننا وأخلاقنا في العالم ومعه وليس في مواجهته، لا نريد أن نخيف العالم ولا أن نخاف منه».