أقرباؤه وعائلته يتهمون المخابرات الجزائرية بتصفيته ومصادر أخرى تعتبر موته طبيعيا أعادت الوفاة المفاجئة لرئيس الوفد المفاوض للبوليساريو مع المغرب، على مدى الثلاثة عشر سنة الأخيرة، ورئيس ما يسمى بالمجلس الوطني، إلى الذاكرة حادثا مماثلا ذهب ضحيته ممثل البوليساريو في لندن، محمد فاضل ولد إسماعيل في التسعينات من القرن الماضي. وتضاربت الآراء حول هذه الوفاة، بين من يرى أنها غير طبيعية وتقف وراءها المخابرات الجزائرية، وبين من يرى أن رحيل الرجل الثاني في الجبهة عمليا، لا تثير أية شكوك أو توجسات، ولا يمكن تسييس هذا الحادث. وأثر الرحيل المفاجئ لكبير مفاوضي البوليساريو يوم الجمعة الماضية إثر أزمة قلبية مفاجئة بمخيم 27 فبراير بتند وف جنوب غرب الجزائر، وفق ما أعلنت عنه وكالة الأنباء الجزائرية أولا، قبل أن يصدر بلاغ رسمي عن قيادة البوليساريو فيما بعد، على أفراد عائلته وقبيلته بالعيون، الذين تلقوا خبر وفاته بكثير من الاستغراب والاندهاش. وسرعان ما خرج كبير قبيلة ازركيين التي ينتمي إليها المحفوظ علي بيبا، عن صمته وأعلن أن وفاته غير طبيعية يلفها الكثير من الشكوك. ولم يقف إبراهيم الدويهي، عم الراحل الذي أشرف على تربيته حين كان شابا، عند هذا الحد، وفق ما صرح به مصدر مقرب منه، بل طالب بفتح تحقيق حول ظروف وملابسات الوفاة المفاجئة. واتهم بشكل مباشر المخابرات الجزائرية بالوقف وراء تصفيته الجسدية، بعد أن عبر عن رغبته في الالتحاق بأرض الوطن، على خطى سابقه، المستشار السابق لدى ما يسمى برئاسة الجمهورية، أحمدو ولد سويلم. وأوفدت عائلة وقبيلة أزركيين شقيق الراحل لحضور مراسيم تشييع جثمانه في مخيمات الحمادة، في الوقت الذي ارتفعت أصوات مطالبة بضرورة الكشف عن التفاصيل الدقيقة للظروف غير العادية لوفاته المفاجئة. وقال أحمد الدهي، أحد أعيان قبيلة ازركيين وقريب الراحل، الذي يشغل مندوبا جهويا للصناعة التقليدية بالعيون، في تصريح لبيان اليوم، إن وفاة المحفوظ علي بيبا تحوم حولها شكوك على واجهتين، الأولى أنه عثر عليه وحيدا ولم يكن معه أي صديق أو قريب، وهذا في حد ذاته يبعث على الشك على اعتبار أن الرجل مسؤول وقيادي كبير في الجبهة، والثانية القناعة الكبيرة التي تولدت لدينا بأن الرجل أيضا كان يهييء لحدث ما، بدليل أنه تراجع كثيرا عن تشدده السابق. وأبرز أحمد الدهي في حديثه للجريدة أن المحفوظ علي بيبا «بدا متغيرا من خلال الصور التي بثها تلفزيون البوليساريو أياما قبل رحيله المفاجيء، وهو يشارك في حفل عسكري لتخرج ضباط ما يسمى بجيش التحرير الشعبي، ولم ينتظر من الجندي الذي سلمه شهادة تخرجه التحية العسكرية، وقام بحركة تدل على أنه كان يودع الجميع». غير أن هذه الشكوك لم تكن محل إجماع، حيث تشير مصادر أخرى إلى أن وفاة رئيس الوفد المفاوض «طبيعية جدا، ولا يمكن إلا أن تكون كذلك». وأكدت مصادر عليمة أن كل ما قيل ويقال عن وفاة المحفوظ علي بيبا لا تعدو أن تكون محض افتراء لأنها «طبيعية جدا» إذا علمنا أن الرجل يعاني من عدة أمراض، منها السكري ومرض جلدي، وبالخصوص مرض نادر جدا. وشدد المصدر على أنه ليس لأي جهة كانت، سواء داخل البوليساريو أو الجزائر، مصلحة في تصفيته لأنه «لا يمثل أي وزن داخل قيادة البوليساريو» حسب تعبير المصدر. وأفاد نفس المصدر أن هناك روايتين لوفاة رئيس ما يسمى بالمجلس الوطني الصحراوي، الأولى تقول بأنه كان نائما في مقر إقامته بمخيم 27 فبراير وطال نومه، ولما ذهبوا لإيقاظه وجدوه جثة هامدة، والثانية تقول إنه رجع من أحد الاجتماعات، وتوضأ وصلى، ثم استسلم للنوم فوافته المنية آنذاك. ونبه مصدرنا إلى عدم مجاراة تسييس هذا الحادث الطبيعي، ولا أن يحمل الرجل ما ليس فيه، لأنه لا يشكل أي وزن داخل قيادة البوليساريو، وعاجز على أن يصرح علانية معارضته أو أن يتخذ مبادرة في أي اتجاه. فحتى خلال المفاوضات لم يكن يستطيع اتخاذ أي قرار، بل كان رجل واجهة فقط، أما المحركان الأساسيان للمفاوضات فهما امحمد خداد، المسؤول عن العلاقات مع «مينورسو» وأحمد البوخاري، ممثل البوليساريو في نيويورك. بالمقابل تؤكد عائلة الفقيد وأفراد قبيلته أن الرجل المتشدد في آرائه، المتعصب للفكر الانفصالي بدأ يلين ويغير من مواقفه تلك، منذ التحاق رفيقه وصديقه ولد سويلم بالمغرب. مما جعله يحس بنوع من الوحدانية، دفعته إلى إجراء اتصالات على مستوى عال تمهيدا للعودة إلى المغرب. واتهم أحمد الدهي بشكل مباشر المخابرات الجزائرية بالوقوف وراء ما يسميه «التصفية الجسدية» لرجل عاد إلى جادة الصواب وبدأ يغير من مواقفه. ولم يستبعد قريب الراحل أن من قام بتصفيته هم الضباط الجزائريون الذين أشرفوا على تدريب وتكوين الفوج الجديد مما سمي بجيش التحرير الشعبي التابع للبوليساريو، لأنهم كانوا آخر من التقى بهم. وعبر المتحدث عن يقينه أن هناك أطرافا كانت لها مصلحة في تصفية الرجل، لدرء أي احتمال وارد، خصوصا وأنه كان يضع اللمسات الأخيرة لعودته إلى الوطن، على اعتبار أنه الرجل الثاني في الجبهة، والمرشح لخلافة محمد عبد العزيز المعتل صحيا.