يكمن التحدي الذي رفعه المخرج محمد العسلي في فيلمه الطويل «أياد خشنة» المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان حوض المتوسط٬ التي تنظم في الفترة ما بين 24 و 31 مارس الجاري٬ في تحويل فصول حياة عادية ومعيش يومي٬ لأشخاص يشكلون عماد قصة مثيرة ومعبرة٬ الى فيلم قوي يرصد واقع شرائح واسعة من بسطاء المجتمع المغربي. كل شيء عادي٬ يسير طبقا للمعايير الإجتماعية في حياة مصطفى (محمد البسطاوي)٬ الرجل الأمي والداهية٬ الذي يعيش وحيدا مع والدته الكفيفة٬ ويحلم بالزواج من «بنت الناس» التي يتعين عليها أن تقبل أوضاع حياته الخاصة وأن تتفاهم مع والدته الأرملة. لضمان موارد إضافية يساعد مصطفى٬ الحلاق٬ سكان الحي على إنجاز مختلف المعاملات الإدارية المتعلقة بالحصول على تأشيرة وغيرها في مقابل يسمح له بتدبر أموره حتى نهاية الشهر. حينما أتت زكية ٬المعلمة الجميلة التي أدت دورها الممثلة هدى ريحاني٬ لتطلب منه خدمة تتمكن بموجبها من الهجرة الى اسبانيا ٬ سيقع مصطفى في حب الفتاة من النظرة الأولى في حين أن لدى الفتاة فكرة وحيدة هي الهجرة والعمل بحقول التوت في اسبانيا٬ الشيء الذي سيسمح لها بأن تلتحق بخطيبها الذي يقيم بالبلاد نفسها بشكل غير شرعي. من أجل رفع حظوظ قبولها من طرف اللجنة الاسبانية٬ تستخدم زكية مادة ل «تخشين» يدها كي تبدو فتاة بدوية متعودة على العمل في الفلاحة. لكن حيلتها لم تنطل على اعضاء اللجنة الذين تعاملوا معها باحتقار أحبطها. تجد زكية صعوبة في تجرع مرارة الإهانة وهي تودع الى الأبد حلم عبور مضيق جبل طارق... وبالتالي تقطع علاقتها مع خطيبها ادريس. عندئذ٬ تلتفت الشابة الى عواطف مصطفى الذي لم يتأخر في طلب يدها. ويختتم الفيلم على ايقاع موسيقى شعبية لفرقة أحواش تعلن بصوت عال زواج زكية ومصطفى الذي بذل الغالي والنفيس لتحقيق أحلام حبيبته في سيارة مكشوفة (ولو كانت سيارة عادية مقطوعة السطح) وفي عرس شعبي كبير داخل ساحة الحي الذي تقطنه. من المؤكد ان شخصيات من قبيل مصطفى وزكية وغيرهم يعدون بالآلاف في المجتمع المغربي ٬ ولكن تحت أضواء كاميرا محمد العسلي٬ اكتست حياتهم في انعطافات فرحها وحزنها٬ بعدا جماليا خاصا يمس صميم أعماق المشاهد. وبالاضافة الى قضية الهجرة ٬ يتطرق المخرج السينمائي محمد العسلي في هذا الفيلم الطويل الذي يجمع الطابع الرومانسي والواقعي الى التفاوتات الكبيرة التي تفصل شرائح المجتمع الواحد والمدينة الواحدة. وهكذا تنتقل الكاميرا دون توقف بين كوخ مصطفى وورش نسج الزرابي الذي تعمل به والدته والإقامة الفخمة لأمينة (امينة رشيد) الارستقراطية الأنانية والسلطوية التي يعمل لديها مصطفى والتي أهملت زوجها المريض لتكرس نفسها للأعمال. فيلم «أيادي خشنة» لمحمد العسلي٬ الذي خرج مؤخرا الى القاعات الوطنية٬ يعزز النجاح الذي كان حققه فيلمه الطويل الأول الذي عالج مشكلة الهجرة من القرية نحو المدينة٬ تحت عنوان «الملائكة لا تحلق فوق الدارالبيضاء» والذي حاز جوائز رفيعة في مهرجانات كبرى من قبيل قرطاج و الاسكندرية ومونتريال.