يبدو أن الُمشاهد العربي قد تعوَّد على أن تحمل معظم الأفلام التي تأتيه من منطقة المغرب العربي علامة «للكبار فقط»، وقد تعوَّد على منعها من العرض، وذلك لاعتقاد الرقابة أن مضمون هذه الأفلام فيه انتهاك لتابوهات المجتمع العربي، سواء قلَّت أو كثرت، وبلا شك أن هذا التصنيف قد رفع من مستوى مشاهدة هذه الأفلام، رغم أن بعضها يخلو من أي مشاهد ساخنة. كما رفع من نسبة الطلب عليها عبر الإنترنت. ورغم أن العلاقة بين المشاهد خاصة في المشرق العربي مع الأفلام القادمة من مغربه لا تزال غير واضحة تماماً، إلا أن بعض هذه الأفلام حققت نسبة مشاهدة عالية، خاصة عند عرضها في مهرجانات الأفلام، ولعل فيلم «جناح لهوى» للمخرج المغربي عبد الحي العراقي، واحد من الأفلام التي تمكنت من إثارة الجدل في معظم الأماكن التي عُرض فيها، خاصة أنه جمع بين جناحي المجتمع العربي، التقليدي والمتحرر، في إطار مجموعة من الرموز. مجتمع وحب عبَّر عبد الحي العراقي، عن استغرابه من أسباب منع عرض بعض الأفلام في السينمات العربية، فيما يسمح بعرض الأجنبية المليئة بالقتل والدماء، مؤكداً أنه يسعى من خلال فيلمه إلى توضيح طريقة تعامل المجتمع العربي مع الحب ومفاهيمه. وعن فيلمه «جناح لهوى» المقتبس عن رواية «يوميات متعلم جزار» للكاتب محمد نيد علي، والصادرة باللغة الفرنسية ومترجمة إلى العربية، قال عبد الحي: «تدور أحداث الفيلم في مدينة الدارالبيضاء المغربية، وفيه نتابع الشاب «التهامي»، وهو سليل العائلة المحافظة المشهورة برجالاتها من كُتاب العدل الموقرين، والذي يثير حفيظة والده بقراره العمل جزاراً، ويوافق والده مرغماً على ذلك، وخلال عمله الجديد يبدأ التهامي باكتشاف عشقه لشيئين آخرين محرمين عليه أيضاً، هما المرأة والحب». رسالة واضحة وتابع: «حاولت في هذا الفيلم أن أقدم رسالة واضحة بأنه كيف يحاول الرجل والمرأة في المجتمع العربي التخلص من التابوهات التي تحيط بهما؟ وحاولت أن أبين أيضاً كيف يتعامل المجتمع العربي مع الحب بكل أشكاله؟ وكيف يرفضه ويصنفه في خانة «المحرمات» التي لا يجوز الاقتراب منها، رغم صدقية هذا الحب؟». في فيلمه برع عبد الحي في استخدام الرمزية المباشرة وغير المباشرة، والتي لها قدرة على إيصال الرسالة المطلوبة، جامعاً في فيلمه «جناحي» المجتمع، التقليدي والمتحرر، وحاول أن يبرز خصائص كل واحد منهما. مشكلة رقيب وفي ردِّه على سؤال حول، إذا ما كان دخول السينما المغربية إلى المناطق المحرمة مجتمعياً قد خلق لها مشكلة مع الرقيب، أجاب عبد الحي: «يجب أن ندرك بدايةً أن السينما المغربية مأخوذة أساساً من إحدى مدارس السينما الفرنسية، والتي تعطي للمخرج الحق في كتابة السيناريو وتقديمه وفق نظرة عامة تخدم جميع أنواع المجتمعات، وبالتالي فهي تختلف عن سينما المشرق العربي، إلا اللبنانية التي يبدو فيها تشابه إلى حد كبير مع المغربية». وتابع: «استغرب كثيراً عندما يمنع الرقيب العربي أي فيلم يتطرق إلى العلاقات الإنسانية مثل الحب والعادات والتقاليد، أو القضايا المصنفة في المنطقة الحرام، فيما يفتح المجال أمام الأميركية والأوروبية المليئة بالعنف والقتل والدماء، كما أستغرب لماذا يفترض هذا الرقيب أن قلب المجتمع العربي خالٍ من الحب ولا يحتاج إلى اكتشاف جسده والإيمان به؟ علماً بأن مثل هذه الأفلام، والتي تمتلك نظرة سينمائية جميلة، لديها القدرة على إثارة مجموعة من الأسئلة لدى المشاهد حول الحب ومفهومه».