أطرفها «زنگة زنگة» و«أنا فهمتكم».. وأغربها «فاتكم القطار» وأقواها «هرمنا.. من أجل هذه اللحظة التاريخية» مجرد ثلاثة أيام ينتظرها العالم، ليعلن عن حصاد سنة وصفت ب»الزلزال»، كوارث طبيعية، ثورات عربية، أحداث درامية، وأزمات اقتصادية.. واجتماعية وإنسانية. فالربيع العربي وهو يودع «الزلزال» ومعه العالم، لن ينسى التفاصيل، التي أرخت لها الصورة كما الكتابات، وسجلتها عدسات الكاميرات.. وختمتها أغرب المفردات وأشهر الكلمات. فالمتتبع للسياق العربي، ولخطابات الرؤساء المخلوعين الذين وجب على اليونسكو تصنيفهم كإرث تاريخي للبشرية وحمايته من الانقراض، يسترجع العبارات التي اشتهرت أكثر من أصحابها، فأصبحت تنافس آخر الإنتاجات السينمائية العالمية، كحال «زنقة زنقة» للغريب معمر القذافي. «زنقة زنقة.. بيت بيت.. دار دار.. إلى الأمام.. الجرذان»، مفردات وعبارات ظلت لصيقة بلسان القذافي منذ اندلاع الثورة الليبية، وأضفت على خطابات العقيد طابعا من الطرافة والغرابة، فانتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والمنتديات، بل وتجاوزت العالم الافتراضي، لتصل إلى الأسواق المحلية منسوخة في أقراص مدمجة. كلما ضرب موعد لإلقاء القذافي لخطاب جديد، يركز الليبيون ومعهم العالم، على مفردات معمر أكثر من مضمون الخطاب، فكلماته البدوية تبعث على الضحك، وانتقاؤه لمفرداته بعناية دقيقة يزيد من نسبة المشاهدة. ليس القذافي «الرئيس» العربي الوحيد الذي وصفت خطابات بالغريبة، الزعماء المخلوعون في الطرافة سواء، فمن طرابلس إلى تونس العاصمة، الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي ألقى ثلاث خطابات في 20 يوماً خلال الثورة، وكانت كلمات «أنا فهمتكم.. نعم أنا فهمتكم» هي أشهر ما في الخطاب وستسجلها كتب التاريخ. أما الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فألقى ثلاث خطب قبل أن يتنحى من منصبه، والذي حاول أن يقنع شعبه أنه فهمهم، وأنه «لم يكن يوماً طامحاً في سلطة ولم يكن «ينتوي» الترشح لفترة رئاسية جديدة»، ومن كلماته في إحدى هذه الخطب «لا أجد حرجا أبدا في الاستماع لشباب بلادي والتجاوب معهم». وعدا عن الثلاث خطب قام كل من بن علي ومبارك بإقالة الحكومة وتعيين غيرها. ولأن بن علي ومبارك سقطا بعد الخطاب الثالث، فقد تندّر الكثيرون على الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بعد خطابيه الأول والثاني بأنه سيسقط بعد الخطبة الثالثة، إلا أن القذافي خطب نحو 10 خطب، منها ما كان على المنبر ومنها ما كان قصيرا جدا وبشكل غريب، ومنها ما كان على الهاتف وأنهاها بإغلاق الخط، وأقل ما يُقال عن خطب القذافي أنها كانت لاذعة ومليئة بكلمات دخلت التاريخ. وتفوق القذافي على مبارك وبن علي في مدة الخطابات، ففي حين لم تتجاوز خطاباتهما 13 دقيقة في العموم، وصل خطاب القذافي الأول إلى 76 دقيقة. ومن تونس والقاهرة وطرابلس، إلى صنعاء، وطرائف الرئيس اليمني مع شعبه، إذ قال له شعبه أصلح فأبى أن يكون من المصلحين.. فخرج عليهم فمفردته الشهيرة «فاتكم القطار..فاتكم القطار» التي استخدمها السياسيون والإعلاميون وحتى المسؤولون... وتميز عن الرؤساء الآخرين بإلقاء خطبه يوم الجمعة، بالتوازي مع جمع الاحتجاجات ضد نظامه. ليس الرؤساء وحدهم من اشتهرت خطاباتهم، بل حتى دعاة الحرية، أولهم شيخ تونسي ظهر في فيديو على اليوتوب يردد «هرمنا هرمنا.. من أجل هذه اللحظة التاريخية» .. وآخر في مشهد هستيري بعد استنشاقه لنسيم الحرية يردد بطريقة غريبة «شعب تونس هدا لنا الحرية.. بن علي هرب .. السفاح هرب». أما الرئيس السوري بشار الأسد، فمصيبته تكمن في مخارج الحروف، خاصة حرف السين، حيث يعطي نطقه لكل كلمة انطباعا بالسخرية، وهو الأمر الذي ركز عليه الثوار في سوريا لكي لا يخرج الرئيس السوري عن تشكيلة غرائب الزعماء العرب.