الاتحاد الأوروبي في قبضة بنك «غولدمان ساكس» لا تزال الأزمة العامة للرأسمالية تتفاقم دون أن تنفع معها كل الحلول التي استنبطها العقل الموجه لها من ممثلي الرأسمالية المالية المسيطرة ومعه آلاف مؤلفة من التكنوقراطيين الذين يقبضون ملايين الدولارات سنوياً ليفتشوا عن أشكال جديدة تزيد من ربح أسيادهم بما يزيد الفتات الذي يلتقطونه من بقايا موائد هؤلاء الأسياد. ويأتي اليوم من ينبئنا بأن الاتجاه ينحو نحو قيادة جديدة للعالم ستتشكل من أولئك المسيطرين الذين يحكمون من خلف الستار ويحركون القيادات السياسية في دول المركز الرأسمالي بحسب مصالحهم ويقيلونهم ساعة يشاءون. من بين العرّافين المعروفين جاك أتالي، الرئيس السابق للمصرف الأوروبي والسياسي والمنظّر في مجال الاقتصاد. يقول في كتابه الصادر حديثا إنه متخوف من عدم وجود من يحكم العالم غداً، «إذ لن يكون بمقدور أي بلد أن يسيطر على الثروات وكذلك على المشاكل التي تتحكم بالعالم». من هذا المنطلق يدعو أتالي إلى حكومة «ديمقراطية تحكم العالم بكليته، في الزمان والمكان»... إلا أنه نسي أن يقول كيف يمكن إنتاج حكومة ديمقراطية من دون انتخابها وكذلك من هم هؤلاء الأفراد الذين سيحكمون من خارج السياسة في كل زمان ومكان» باستثناء الشركات المالية التي ينتمي إليها الكاتب والتي هي في أساس كل الحروب والقمع والمشاكل المتولدة عن الأزمة البنيوية التي ستخنق الرأسمالية في النهاية». انطلاقاً من رؤيتنا لتلك الأزمة ومن طرق الحل المتبعة لها في الطبقات العليا للرأسمالية، ننظر اليوم إلى وضع أوروبا بالترافق مع الدور الذي تلعبه الشركات المالية العالمية الكبرى، أي غولدمان ساكس ومورغان ستانلي وج ب مورغان وباركليز بنك، التي كانت، مثلا، في أساس زيادة أسعار السلع الغذائية فتسببت، عبر المضاربات في هذا المجال، بزيادة الجياع في العالم مائة مليون جدد. إلا أننا سنتحدث بالتحديد، وإن سريعاً، عن مصرف غولدمان ساكس الذي أصبح يسيطر ليس فقط على اقتصاديات عدد من بلدان أوروبا المأزومة بل كذلك على حكوماتها. كيف تطور الوضع الأوروبي بعد مرور عام على «معالجة المشكلة اليونانية»؟ سجّل العام 2010 المنصرم والجزء الأكبر من العام الحالي وصول الوضع الاقتصادي والاجتماعي في «منطقة اليورو»، بل وفي الاتحاد الأوروبي عموماً، إلى مستوى ينبئ بكارثة مدوّية. وإذا كانت ألمانيا، دون غيرها تقريباً، باستثناء النمسا وبعض دول الشمال نسبياً، قد عاشت نوعاً من الاستقرار المالي والاقتصادي حتى الآن، إلا أن هذا الاستقرار يتسم بطابع عدم الثبات، بالاستناد إلى التقارير والدراسات الصادرة منذ أكتوبر الماضي والتي تشير بأغلبيتها إلى أن الوضع لن يبقى على ما هو عليه طويلا. هذا الأمر يدفعنا سريعاً إلى القول إن فشل الحلول المالية والاقتصادية التي وضعت بهدف الانتهاء من الأزمة العامة للرأسمالية واستمرار هذه الأزمة في التفاقم سيؤديان بالضرورة إلى تغيير جزئي أو كلّي في الواقع الراهن لتلك المنطقة... كأن يتحول الاتحاد الأوروبي إلى اتحادين مواجهين، كما كانت الحال عليه عشية الحرب العالمية الثانية، أو أن تتلاشى عملته الموحّدة كمقدمة لانفراط عقده. والمتابع لمجريات الأمور خلال العامين المنصرم والحالي لا بد وأن يتوقّف عند مسألتين مرتبطتين في بعضهما ارتباطاً وثيقاً: الأولى، وهي أن وصول الديون السيادية إلى مستويات غير مسبوقة إنما أتى نتيجة العمليات المصرفية، المتهوّرة، التي نفّذتها كبريات الشركات المالية والمصرفية العالمية بهدف تحقيق أرباح كبيرة وسريعة، مستفيدة في سبيل ذلك من التسهيلات التي كانت المصارف المركزية تقدمها لها، بدءاً بالبنك الفدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي. ونضيف سبباً آخر وهو أن تلك المصارف استفادت من نفوذها داخل مراكز القرار السياسي لتعمد إلى تطويع السياسات المالية المعتمدة باتجاه يخدم مآربها. ومن المهم لفت النظر هنا إلى أن التسهيلات المالية، التي لا تزال تقدمها الدول الرأسمالية تحت شعار «إنقاذ المصارف والشركات المالية الكبرى من التعثّر»، تذهب غالباً ناحية المضاربات (في سوق الأسهم) بدلاً من توظيفها لتطوير الاقتصاد المنتج. الثانية، وتكمن في اضطرار الدول، التي أفرغت خزينتها لدعم المصارف الكبرى، إلى اللجوء إلى الاستدانة من تلك المصارف من أجل تغطية العجز العام في الخزينة. فإذا ما فشلت في تغطية تلك الديون تقوم المصارف المركزية بإقراض المال العام الموجود لديها إلى المصارف الكبرى لتستخدمه تلك المصارف في الإمساك بخناق الدول الواقعة تحت رحمتها. هذا ما حصل بالنسبة لبعض المصارف الكبرى الأميركية في العام 2008. وهذا أيضاً ما حصل ويحصل مع اليونان وكذلك مع أسبانيا وايطاليا والبرتغال وأيرلندا المرتهنة إلى ثلاثة أو أربعة مصارف... أهمها مصرف (بنك) غولدمان ساكس الأميركي. ما هو هذا المصرف الذي يثير الكثير من الأقاويل في هذه الأيام؟ نود، بداية، الإشارة إلى أن السبب الأساس في كتابة هذا المقال ناجم عن عنوان مقال يثير الحشرية. هذا المقال هو لأحد صحافيي جريدة «لوموند» الفرنسية ويبدأ بسؤال يقول: «ما الذي يجمع بين ماريو دراغي (الرئيس الحالي للمصرف المركزي الأوروبي) وماريو مونتي (رئيس الوزراء الجديد في ايطاليا) ولوكاس باباديموس (رئيس الوزراء اليوناني الجديد)؟ الجواب: مصرف غولدمان ساكس. فماريو دراغي شغل ما بين 2002 و2005 منصب نائب الرئيس لمنطقة أوروبا في المصرف المذكور، ويقال أنه أسهم خلال تلك الفترة في إخفاء قسم من الدين السيادي لليونان. وماريو مونتي انتقل إلى قيادة السلطة التنفيذية في إيطاليا مباشرة من مصرف غولدمان ساكس، حيث كان يشغل، منذ العام 2005، منصب مستشار دولي. أما زميلهما لوكاس باباديموس، الذي كان حاكم المصرف المركزي اليوناني من 1994 إلى 2002، فمن الذين أسهموا في مساعدة مصرف غولدمان ساكس على إخفاء الحقيقة حول مستوى الدين العام الذي ترزح بلاده تحت عبئه. إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. ذلك أن هنري بولسون، وزير الخزانة الأميركية الذي نفذ في العام 2008 ما سمّي بخطة إنقاذ النظام المالي الأميركي، كان أيضاً في تلك المؤسسة الأخطبوطية التي أمن لها مساعدات مالية ضخمة، كما أسهم في دعم بعض الشركات التي لها فيها حصة وافرة. دون أن ننسى العديد ممن احتلوا أو يحتلون مناصب أساسية في الاتحاد الأوروبي أو في مصارف تابعة لدوله. نضيف إلى كل هذه الأمور ما هو مهم لمنطقتنا. فالمصرف المذكور على علاقة عضوية بالمنظمة الصهيونية العالمية AIPAC وسبق له أن وظف عشرات مليارات الدولارات في إسرائيل، وبالتحديد في الآونة الأخيرة. ما هو الرابط بين غولدمان ساكس والمشروع الهادف لتهويد القدس؟ وإذا استندنا إلى بعض النظريات، ومنها نظرية جاك أتالي الواردة في كتابه: «موجز تاريخي صغير للمستقبل» الصادر عام 2003، بالنسبة للدور المقبل لمدينة القدس كمركز مالي، نستطيع إدراك ماهية المشروع الامبريالي - الصهيوني الجديد في منطقتنا، وربطه بسكوت الأممالمتحدة عما يجري من تهويد للقدس ومحاولة اقتلاع السكان العرب منها، وما يدبر على صعيد أوسع لتحويل إسرائيل إلى دولة لليهود في العالم، وبالتالي تطوير دورها من قاعدة عسكرية امبريالية متقدمة في منطقتنا إلى مركز مالي أساسي لكل آسيا، متقدمة بذلك عن نادي روما وغيره من المؤسسات المالية التي تقرر السياسات في العالم.